سكان: صالات السورية للتجارة ليست قائداً وظلت تعمل تحت عباءة السوق

دمشق ـ نورث برس

ما زالت الوعود التي أطلقها وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في الحكومة السورية، عمرو سالم، أكبر بكثير مما تحقق على أرض الواقع في دور مؤسسات السورية للتجارة.

وسبق للوزير “سالم” أن وعد السكان خلال الشهر التاسع من هذا العام بأنه  سيتم تشكيل مجلس إدارة، وأن السكان سيشهدون دوراً “للسورية للتجارة” مختلفاً عن دورها السابق.

كما وعد، حينها، بأنه وخلال بضعة أيام “سنشهد شيئاً مختلفاً بالاتجاه المطلوب وأولها الأسعار”.

ولكن في الحقيقة لم يتلمس السكان اختلافاً كبيراً أو ملحوظاً بين الأمس البعيد أو القريب، لدور السورية للتجارة.

وشهد الاجتماع الدوري لأعضاء مجلس محافظة دمشق سجالاً بين أعضاء من المجلس ومدراء من السورية للتجارة، الخميس الفائت، عندما اعترض أحد الأعضاء على تسعير السورية للمواد ونوعيتها.

ورد مدير فرع السورية للتجارة بدمشق طلال حمود، بالتساؤل حول أسباب الازدحام على صالات السورية للتجارة إذا كانت أسعارها أعلى؟.

سبب قصدها

هذا الجواب آثار الكثير من ردود الأفعال الساخرة. وتواصلت نورث برس مع بعض المتسوقين في صالات السورية للتجارة وسألتهم عن الأسباب التي تدفعهم للتسوق من صالات السورية؟.

صالة السورية للتجارة في مدينة حلب - نورث برسأرشيف
صالة السورية للتجارة في مدينة حلب – نورث برس

وقال محمد الدوس (52 عاماً)، إنه يتسوق من السورية للتجارة ليتجنب استخدام المواصلات العامة، فهو موظف وتسعيرة المواصلات بالنسبة له مرتفعة ويحسب لها حساب، خاصة إذا غامر ووصل الأسواق وغالباً سيضطر للعودة بتكسي “تلتهم كل ما وفرته من أسعار في المواد التي اشتريتها”.

لذلك يقصد “الدوس” فرع الشركة الأقرب إلى مكان سكنه في المزة مخالفات، ويشتري معظم الحاجيات رغم أن الكثير من السلع فيها أقل جودة مما هو في السوق.

في حين اكتفى أحمد زعرور الذي كان يتسوق من السورية للتجارة في صالة الأمويين بالقول: “مكرهاً أخاك لا بطل، وليس هنالك من بديل!”.

في حين قالت نور جاموس إنها منذ سنوات وهي ترى نفس اسم المنظفات الموجودة في صالة الأمويين “مشكاة” وهي نوعية غير معروفة وغير جيدة.

ولكن كل المساحة المخصصة للمنظفات في صالة كصالة الأمويين مخصصة لهذا النوع من المنظفات بكل أنواعها، “بطريقة تشير بشكل واضح إلى أن هنالك علاقة بين منتج هذا الصنف والمسؤولين في هذه المؤسسة!”، بحسب “جاموس”.

وترى أن معظم أسباب الازدحام في صالات الدولة هي للحصول على المواد المدعومة كالزيت والسكر والرز، وليس لشراء المواد الأخرى.

سكان يقصدون مركزاً للسورية للتجارة بحلب- نورث برس
سكان يقصدون مركزاً للسورية للتجارة بحلب- نورث برس

أسعار ثابتة

اختلف دور وأهمية مؤسسات التجارة الداخلية خلال الحرب، فقبل الحرب تحولت هذه الصالات البالغة نحو 1400 صالة في مختلف المحافظات إلى أماكن مهجورة.

وقبل الحرب تم تأجير معظم تلك الصالات إلى مستثمرين، قبل أن تتراجع الدولة في زمن الحرب عن عقود الاستثمار وتعود هي إلى تشغيلها مجدداً بسبب الحاجة إلى التدخل المباشر من قبلها في تحديد أسعار بعض المواد والسلع مع الارتفاع الكبير في الأسعار المترافق مع ارتفاع أسعار الدولار.

ولكن المشكلة أن تلك المؤسسات لم تتمكن من الخروج من عباءتها، والعمل بطريقة مختلفة كما يقول مدير سابق في أحد تلك المؤسسات.

وشدد المدير السابق، الذي رفض ذكر اسمه، على أن المطلوب من المؤسسات “أن تربح كما أي تاجر أولاً، ثم أن تلك المؤسسات إذا عملت بكامل طاقتها فلن تتمكن من تغطية أكثر من 10% من حاجة السوق”.

وأشار إلى قوانين تكبل عمل القطاع العام قياساً بالمرونة التي يتمتع بها القطاع الخاص، “ولذلك ظلت مؤسسات التجارة في أشد الأوقات حاجة لها تعمل تحت سقف السوق، وليس كقائد  للسوق”.

أحد مراكز السورية للتجارة في حلب ـ نورث برس
أحد مراكز السورية للتجارة في حلب ـ نورث برس

ويظهر هذا الأمر في طريقة بيع الخضار والفواكه في مؤسسات السورية، حيث أن أسعار هذه المنتجات يجب أن تتبدل بسرعة تبعاً لنوعيتها ومواصفاتها.

ولكن ما يحصل في تلك المؤسسات أنه ليس من السهل تحريك الأسعار، سواء كانت المنتجات المعروضة في أفضل حالاتها، أو عندما تصبح في أسوأ حالاتها.

وتقول السيدة منيرة أحمد التي كانت تشتري البندورة من المؤسسة السورية في صالة الجلاء إنها تقصد المؤسسة لشراء المادة لأن أسعارها في هذا الموسم ظلت أقل من أسعار السوق وبنوعية أفضل، أما غالبية السلع الأخرى فهي أعلى من السوق.

وأشار بائع في إحدى صالات السورية أن السورية للتجارة وقعت عقود  شراء مباشر من المنتجين للبندورة في درعا، وهذا ما جعل أسعارها أقل بعض الشيء من أسعار السوق.

بقايا توجه اشتراكي

قال هاني معلا وهو اسم مستعار لإعلامي مختص بالشؤون الاقتصادية، إن مؤسسات التجارة الداخلية “هي من بقايا التوجه الاشتراكي في سوريا، وكان يجب عليها أن تحقق تنمية”.

وأضاف: “لكن هذا لم يحصل وحتى هذا الدور الضئيل لم تستطع هذه المؤسسات القيام به، ولم تتمكن من تسويق المنتجات الغذائية والزراعية خاصة”.

فرع السورية للتجارة في حي المزة بدمشق- نوث برس
فرع السورية للتجارة في حي المزة بدمشق- نوث برس

ومع اشتداد الحاجة إلى مؤسسات السورية في زمن الحرب وارتفاع الأسعار، “بقيت تعمل بنفس الآلية ولم تستطع أن تنافس وربما لم يرد لها أن تنافس”، بحسب “معلا”.

ووصف المختص بالشؤون الاقتصادية، هذه المؤسسات بأنها تفتقد المرونة المطلوبة، خاصة عند تسويق سلع من نوعية محددة كالسلع الغذائية والخضراوات، سريعة التلف وغير القابلة للتخزين.

وقال إن “التجارة بمثل هذا النوع من المواد تحتاج مرونة لم تكن موجودة يوماً لدى القطاع العام من حيث التحكم بتبدلات السعر وفقاً لتجدد السلعة، لذلك بقي هذا الهامش واحداً من منافذ الفساد في تلك المؤسسات”.

إعداد: ريتا علي ـ تحرير: محمد القاضي