“خيار العودة” في عيون نازحين من ريف حماة الشمالي

إدلب نورث برس

يتابع شحود القاسم (52 عاماً)، وهو نازح من مدينة كفرزيتا شمال حماة يعيش في مخيم مقابل الشريط الحدودي مع تركيا شمال إدلب، شمال غربي سوريا، آخر الأخبار والتحليلات للأوضاع العسكرية في المنطقة، ويستذكر أياماً مضت في مدينته التي يخشى العودة إليها بعد أن سيطرت القوات الحكومية عليها منذ حوالي عامين.

وفر الرجل، وهو رب أسرة مؤلفة من عشرة أفراد، من منزله مطلع العام 2014 بعد أن كثفت الطائرات الحربية الحكومية قصفها على المدينة التي سيطرت عليها في الأعوام اللاحقة.

 ومنذ ذلك الحين، تنقل النازح الخمسيني بين عشرات القرى والبلدات بريف إدلب الجنوبي والشمالي، إلى أن وصل مطلع العام 2020 إلى مخيمات النازحين بالقرب من بلدة أطمة شمال إدلب، حيث اشترى هناك ثلاثة خيام لإقامة عائلته.

وبعد نحو عامين من سيطرة القوات الحكومية، يخشى أكثر من 150 ألف شخص من سكان مدن وبلدات ريف حماة الشمالي، من العودة إلى مناطقهم بسبب مخاوفهم من “عمليات انتقامية” قد يقوم بها عناصر القوات الحكومية أو ما يعرف بـ “الشبيحة” المنحدرين من القرى الموالية شمال غرب حماة.

وخلال الأعوام الخمسة التي كان نازحاً بها في ريف إدلب المجاور، كان “القاسم” يأمل بعودة قريبة إلى مدينته ومنزله، “إلا أن هذا الأمل انقطع مع سيطرة النظام عليها”.

“فقدان أمل”

يقول: “لا يمكنني العودة إلى مدينتي، منزلي مدمر وأولادي الشباب مطلوبون للخدمة العسكرية لدى النظام، وهو ما لا أرضاه بعد كل هذه الأعوام”.

ويضيف: “كما أن الشبيحة في القرى الموالية، لديهم ثأر منذ بدء الثورة مع سكان اللطامنة وكفرزيتا والقرى المجاورة، نحن نخشى من عمليات انتقام بحق أطفالنا ونسائنا في حال عودتنا”.

وفي آب/ أغسطس من العام 2019، سيطرت القوات الحكومية وبدعم روسي على كامل مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريف حماة الشمالي، بعد أن حاصرتها وأجبرت الأخيرة على الانسحاب منها.

وكانت من أبرز تلك المناطق مدن مورك وكفرزيتا واللطامنة والتي كانت تعتبر معقل المعارضة الرئيس في محافظة حماة، وطيلة أعوام الحرب شهدت تلك المناطق معارك عنيفة بين فصائل المعارضة والقوات الحكومية، ما جعل المنطقة شبه خالية من سكانها على مدار ثمانية أعوام.

وباتت المناطق هذه مدمرة بنسبة كبيرة الآن وتفتقر لخدمات، وهو ما يجعل العودة إليها في الوقت الحالي أمراً أشبه بالمستحيل، بحسب قول نازحين.

ويبدو “شحود” متشائماً من التواجد التركي شمال إدلب، “فلولا تركيا لما استطاع النظام أن يسيطر على ريف حماة الشمالي الذي عجز عن اقتحامه طيلة ثمانية أعوام، وقامت أنقرة بتسليمه تلك المناطق دون أن يطلق طلقة واحدة”.

“مضايقات”

ويجد قصي السلوم (40 عاماً)، وهو نازح من مدينة اللطامنة شمال حماة يعيش في مخيم “الحرية والعدالة” في قرية عقربات شمال إدلب، العودة إلى مدينته المدمرة بشكلٍ كامل “أمراً في غاية الصعوبة، فليس هناك منزل سليم ولا شارع سالك أو أي خدماتٍ أخرى”.

لكن الرجل الذي اعتاد على منزله الواسع في مسقط رأسه يواجه صعوبة في التأقلم مع الحياة في الخيام الصغيرة التي يقول إنها تشبه “نقاط الحراسة التي وضعها الأتراك لحماية أرضهم، بينما نحن لا يمكننا الوصول إلى أرضنا التي تعتبر مصدر رزقنا وعيشنا الوحيد”.

وقبل سيطرة القوات الحكومية، كانت مدينة اللطامنة المعقل الأساسي لفصيل جيش العزة.

ويعتبر متحدرون من المدينة نفسها أن هذا السبب جعل المدينة وسكانها “من المغضوب عليهم لدى النظام السوري”.

 وقبل ثلاثة أشهر، عادت عائلات من إدلب إلى اللطامنة عبر طرق التهريب، بحسب سكان في المدينة.

إلا أن “السلوم” ذكر، لنورث برس، أنه علم من تلك العائلات تعرضها بعد وصولها لمضايقات كثيرة.

 “إضافةً إلى اعتقال الرجال لعدة أيام بحجة التحقيق معهم ومن ثم بالإفراج عنهم، فيما لا يزال نحو أربع أشخاص تتجاوز أعمارهم الخمسين عاماً في سجون النظام بمدينة محردة المجاورة”.

ومع حدوث هذه الاعتقالات والمضايقات، يتردد نازحو اللطامنة التي يبلغ عدد سكانها نحو 40 ألف شخص، في العوّدة إليها ويفضلون البقاء في المخيمات على الحدود السورية التركية بريف إدلب.

ويقول النازح الأربعيني، إن تلك المضايقات جعلت حلم العودة لدى آلاف السكان النازحين في المخيمات وغيرها يطول، “خاصةً وأن تركيا تريد ذلك لكي يبقى هؤلاء النازحون جداراً بشرياً عازلاً بين حدودها ومناطق سيطرة النظام السوري أو مناطق روسيا”.

طرق تهريب

وعلى خلاف سابقيه، يرغب أنس الخالد (47 عاماً)، وهو اسم مستعار لنازح من بلدة لطمين شمال حماة، العودة مع عائلته إلى مسقط رأسه، لكن عجزه عن تأمين تكاليف طرق التهريب العالية يمنعه من ذلك.

يقول إن أبرز ما أعيق عودته هو إغلاق المعابر بين المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية في شمال حماة ومناطق في إدلب.

ويشير إلى أنه لا تتوفر اليوم سوى طرق التهريب “ذات التكلفة العالية” والتي قد تتجاوز الـ 700 دولار أميركي للشخص الواحد “وهو رقم كبير بالنسبة لعائلات نازحة منذ سنوات طويلة كثيراً منها لا تملك قوت يومها”.

يسكن “الخالد” حالياً مع عائلته المؤلفة من سبعة أفراد في مخيم الهيثم قرب عقربات شمال إدلب.

ونتيجة ارتفاع التكاليف وعدم قدرته على تأمين انتقال أفراد عائلته جميعاً، قرر الذهاب لوحده تاركاً خلفه عائلته وأطفاله.

وقام “الخالد” بالتنسيق مع أحد الأشخاص الذين يعملون في التهريب لقاء مبلغ 650 دولاراً، وذلك بعد أن استدان أكثر من نصف المبلغ من أحد أقاربه المغتربين.

لكن ثلاث محاولات له باءت بالفشل، “بسبب صعوبة الطريق وعدم قدرتي على العدو لمسافات، فاضطررت للعودة إلى خيمتي على أمل أن يتمكن المهرب من إيجاد طريق لا تحتاج للركض هذه المسافة”.

إعداد: براء الشامي – تحرير: سوزدار محمد