موضوع هجرة الصناعيين السوريين يظهر الخلافات إلى العلن

دمشق ـ نورث برس

طغى موضوع هجرة الصناعيين  السوريين على غيره من الأخبار على مدار أيام، وتحول الأمر إلى مناسبة لكيل الاتهامات بين بعض الصناعيين والتجار من جهة، ولاستغلال البعض للمناسبة وإعلان مواقفه وتأييده من جهة أخرى.

والسبت الماضي، أفاد أمين سر غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، أن التجارة الخارجية تقوم على الثقة، وفقدنا الكثير منها مع التجار الخارجيين، ولو تم تأخير تطبيق قراري الاستيراد والتصدير (القرار 1070 والقرار 1071) لمدة شهر فقط، لتجنبنا حدوث خلل في العلاقة بين المستورد والمصدر.

وكان اللافت أيضاً تراجع البعض عن مواقفه التي سبق وأعلن عنها.

وظهر الموضوع إلى العلن مع تصريح لعضو اتحاد غرف صناعة حلب مجد ششمان الذي شدد فيه على أن عدد الصناعيين الذين غادروا حلب ودمشق خلال أسبوعين وصل إلى 37 ألف صناعي.

ولكنه تراجع عن قوله بعدما ضجت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بهذا الرقم، وعاد ليقول إن الأرقام التي تم تداولها على أساس تصرح منه غير صحيحة ولم يذكر أي أرقاماً عن هجرة الصناعيين.

وما ذكره بعض الأرقام لمغادري الوطن لأسباب متعددة، وإن ذِكرَ بعض الأرقام جاء من قبيل تحفيز كافة الجهات الرسمية للعمل وبذل الجهود لإيقاف نزيف الكفاءات.

مبالغ فيه

بدأت ردود الأفعال تتوالى عبر صفحات الفيس بوك، حيث كتب رئيس غرفة صناعة دمشق سامر الدبس أن “الحديث عن هجرة الصناعيين أمر مبالغ فيه وأخذ أبعاداً مبالغ فيها وغير واقعية”.

وأضاف “الدبس” أنه سأل رفاقه في الغرفة بأن يسمون له عشرة أشخاص أغلقوا منشآتهم وهاجروا، فلم يطرحوا اسماً واحداً، بينما هنالك حديث عن هجرة 30 ألف صناعي.

واعتبر أن هذا الأمر يندرج ضمن “حملة ممنهجة يقوم بها من لهم مشاكل مع الدولة أو قروض متعثرة كنوع من التهديد والوعيد”.

وأشار إلى أن “من يذهب سيأتي من يعوض مكانه كما حصل خلال الأزمة، ومن يتحدثون عن نجاحاتهم في مصر معظمهم كانوا في مصر قبل الأزمة، أو في بداياتها”.

وجاء الرد على هذا البوست من رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي الذي عرف بحديثه الدائم عن  مشاكل الصناعة وهجرة الصناعيين.

وتبين من رده أنه المقصود من كلام “الدبس” فكتب على صفحته بوستاً قال فيه: “أطمئنكم أنه لا يوجد ضدي أي ملاحقة مالية أو قرضاً متعثراً كما تدعون يا مرتزقة”.

ووصف في بوست آخر  البعض بـ”أشباه التجار والانتهازيين الفاسدين الذين ينفون وجود أي مشكلة اقتصادية في البلد تجعل الكثير من المنتجين يفكرون بالمغادرة”.

وقال إن “هؤلاء الطفيليات هم أكثر المستفيدين من هذا الوضع الشاذ الذي سمح لهم باستيراد وتهريب كل شيء وتدمير الاقتصاد الوطني وتحويل البلد إلى سوق ومكب للمنتجات الأجنبية الرخيصة من ستوكات وتصافي معامل الصين وتركيا.. فرحتهم اليوم لا توصف.. وكذلك إجرامهم بحق الوطن واقتصاده”.

ثم عاد في تصريح لصحيفة محلية للتشديد على أن هنالك “تهويلاً كبيراً في أرقام هجرة الصناعيين واستغلالاً سيئاً ومشبوهاً لما يجري”، رغم تشديده خلال حديثه على وجود الكثير من المشاكل التي تحتاج إلى علاج.

من ريف دمشق

لم يقف رئيس غرفة تجارة ريف دمشق وسيم القطان متفرجاً فأدلى بدلوه أيضاً على صفحته، “وقطان من رجال الأعمال الذين ظهروا خلال الحرب”.

ونشر على صفحته ما قال عنه “جوزين كلام” لكل من يعلنون عزمهم على الهجرة بصيغة تهديد ووعيد.

ومن بعض ما أضافه “القطان”: “لا.. الوقائع  بواقعيتها ليست كما يردح الرادحون.. ففي هذه البلاد ما يغري بالبقاء حتى لذوي النزعات النفعية الذين لا يقيمون اعتباراً للجانب المعنوي الوجداني في علاقتهم مع وطنهم”.

وكتب أيضاً: “فنحن في سوريا بلد التنوع الاقتصادي و موطن مقومات التنمية  لمن امتلك فكراً استثمارياً خلاقاً.. وهنا الميدان الرحب لكل رجل أعمال يعرف كيف يمزج تلك الخلطة النبيلة بين الانتماء والنماء”.

وقال: “بقي صناعيون وطنيون وبقي تجار وطنيون مفعمون، سمتهم الالتصاق بوطنهم في محنته، لم يتذمروا من تقييد وضغط قوائم المستوردات، لأنهم أدركوا أنها من إملاءات الضرورة وأنها حالة آنية فقنعوا بالموجود والممكن”.

ولأن هنالك نوعاً من تضارب المصالح التاريخي بين تجار سوريا الذين يسعون لاستيراد كل شيء، والصناعيون الذين يطالبون بوقف استيراد كل ما يصنعونه كانت آراء التجار عموماً تتحدث عن المبالغة في الأرقام المعلنة عن أعداد المهاجرين من الصنعيين.

وكتب عضو مكتب غرفة تجارة دمشق عماد القباني، يقول إن “ما يتم تداوله عن هجرة الصناعيين والتجار مبالغ فيه، وهنالك متابعة حكومية لإيجاد حلول لكل المشاكل”.

وكذلك الحال مع أمين سر غرفة صناعة دمشق وريفها محمد أكرم الحلاق الذي أشار إلى أن “ما يشاع عن هجرة الصناعيين السوريين لمصر لا يمت إلى الواقع بصلة”.

الوزير على الخط

هذا السجال احتاج إلى تدخل وزير الصناعة زياد صباغ شخصياً، وقال في تصريح لوسيلة إعلام محلية، إنه “لم تصلهم أي معلومات تتحدث عن إغلاق صناعيين لمعاملهم أو منشآتهم مؤخراً، ولم يغادر أي صناعي البلاد في الفترة الماضية”.

وأضاف: “بل هنالك بعض الصناعيين الذين يرغبون بإقامة مشاريع ومنشآت بأكثر من دولة”.

وأشار إلى أن القطاع الصناعي “تضرر بشكل كبير خلال سنوات الحرب، وهنالك مجموعة من المستثمرين والصناعيين غادروا البلاد خلال هذه الفترة”.

وترافق الحديث عن هجرة الصناعيين عموماً بالوجهة التي يقصدونها وهي مصر، حيث انتشرت صور لمعمل “صباغ  شرباتي” للنسيج في مصر والذي يشغل فيه أكثر من ألفي عامل، وبرأسمال قدره 200 مليون دولار وقد زاره رئيس جمهورية مصر السيسي شخصياً لنجاحه الكبير.

من المصدر

لكن رئيس مجلس الأعمال السوري – المصري خلدون الموقع، قال لإحدى وسائل الإعلام المحلية أيضاً إن مصر “لم تقدم تسهيلات أو مميزات للمستثمرين السوريين إضافة أو زيادة عما تقدمه للمستثمرين الآخرين من عرب وأجانب”.

وأضاف أنه تم طرح إنشاء مدينة صناعية للسوريين من قبل وزير الصناعة المصري عام 2017، وكلف التجمع به، إلا أن مشروع المدينة لم يستمر، وتم التراجع عنه وهو بالأساس قرار دولة وسيادي بحت”.

وأشار إلى أنه “لم تكن الغاية من إنشاء المدينة الصناعية جذب الصناعيين السوريين من سوريا أو توطين من هم موجودون أصلاً في مصر، وإنما لتنظيم وجودهم في مصر”.

وقال إن التقديرات تشير إلى أن أموال السوريين في مصر “تقدر بنحو 23 مليار دولار، وعدد العاملين في مصر يقدر بين 15- 17 ألف  صناعي، و30 ألف رجل أعمال”.

وفي محاولة لمعرفة آراء صامتين من الصناعيين، قال صناعي يعمل في الألبسة القطنية بدمشق لنورث برس، إن “هذا لن يغير شيئاً من الواقع، وهو أن الصناعي السوري يعمل في ظروفاً ضاغطة كثيراً”.

وأشار إلى وجود الكثير من القرارات الاستفزازية “كالقانون رقم 8 وكل ما يتعلق بالتعامل مع الدولار وإعادة القطع مؤخراً، وغيرها من القرارات التي تضاف إلى النقص الكبير في الطاقة والمحروقات تجعل كل صناعي في سوريا يفكر يومياً في خيارات أخرى علها تكون أفضل”.

وذكر أن الكثير ممن يعملون في مصر الآن كانوا على صلة مع الأسواق المصرية قبل الحرب كحال صباغ وشرباتي.

واعتقد أن معظم الصناعيين يعودون للاستثمار مجدداً في سوريا عندما تتحسن الأوضاع الاقتصادية لتوسيع أعمالهم وأسواقهم.

إعداد: ريتا علي ـ تحرير: معاذ الحمد