الحكومة السورية تبيع مصادرات تكلفتها “صفر” بأسعار “تنافسية”

دمشق ـ نورث برس

مجدداً تطرح الحكومة السورية مادة استهلاكية “مصادرة”، أي أن تكلفتها تعادل الصفر، بأسعار تبقى مرتفعة رغم أنها أقل من السعر “الاحتكاري” في السوق، خاصة مع واقع التردي غير المسبوق في الأجور.

وبعد الموز الذي صادرت الحكومة كميات منه، ثم باعته بأسعار تزيد عن السعر العالمي بأكثر من الضعف، بدأت منافذ “السورية للتجارة” اليوم طرح مادة “السكر الحر”، بسعر 2200 ليرة، أي بزيادة تفوق المئة في المئة عن “السعر المدعوم” المحدد بألف ليرة، وإن كان يقل عن سعر الاحتكاري في السوق بـ 800 ليرة.

سوق الشعلان في دمشق- نورث برس

وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم كتب عبر صفحته العامة في فيسبوك إن منافذ “السورية للتجارة” بدأت اليوم “بيع السكر بسعر التدخل الإيجابي وهو ٢٢٠٠ ليرة سورية للكيلوغرام وعلى البطاقة الذكية وبدون طلب أو رسائل”.

وأضاف الوزير: “وذلك بعد أن قام المحتكرون بإخفاء السكر من الأسواق وإيصال سعره إلى ٣٠٠٠ ليرة”.

وأشار “سالم” إلى أن الوزارة ضبطت “كبار هؤلاء وأحالتهم إلى القضاء”، وشدد على أنه “بذلك تنتهي أزمة توفّر السكّر وارتفاع أسعاره الكبير”.

سعر احتكاري

وهو ما يعني، بحسب مراقبين، أن الوزارة تنافس السوق في سعره غير الحقيقي (السعر الاحتكاري)، وقد سبق للوزارة أن نشرت صوراً لبعض المحلات التي تبيع السكر بسعر 2100 ليرة أي أقل من السعر الذي تقدمه اليوم.

ومرة جديدة، تقدم الحكومة سلعة أساسية بطريقة توصف بأنها “تدخل إيجابي”، لكن الواقع يشير إلى أنها لا تفعل أكثر مما يمكن أن يفعله أي “تاجر كبير” خاصة أن التكلفة بالنسبة لها معدومة، بل إنها رابحة قبل البيع، في حالة الموز مثلاً.

ويرجع ذلك إلى أن المهرب سيدفع غرامات كبيرة على المهربات التي تضبط لديه، وهو ما يعني أن الحكومة هنا تؤدي دور “التاجر القوي”، أو “المحتكر الأكبر” كما يقول أحد العاملين سابقا في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية.

وفي تعليق على تلك الطريقة الجديدة في تأمين المواد الأساسية وبيعها بأسعار يقال إنها “تنافسية”، يضيف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه لنورث برس: أن الحكومة في أي بلد لديها مهام ومسؤوليات، وتقدر إنجازاتها ليس فقط بالربح الذي تحققه مؤسساتها الإنتاجية، بل أساسا بالدور الاجتماعي لها.

ويشير إلى أن ما سبق “يكون في بلدان لا تعاني أزمات طاحنة كالتي نعيشها، فكيف الحال بالنسبة لبلد يقبع أكثر من 80% من سكانه (في أكثر الإحصاءات تفاؤلاً) تحت خط الفقر”.

ويتساءل المصدر: “كيف استطاع أحد التجار أن يبيع السكر بأقل من السعر الرسمي (المحدد في نشرة الوزارة بـ 2200 ليرة)، ولم تستطع الوزارة اليوم أن تجاريه بذلك؟ خاصة أنها تبيع مادة مصادرة لم تدفع ثمنها، بل إن الحكومة صادرت كميات السكر مع غرامات، بالتالي فهي الأقدر على أن تبيع بسعر أقل بكثير من السعر الذي تصفه بأنه تدخل إيجابي”.

وسبق وأن أعلنت الوزارة عن أنها باعت “موزاً مصادراً” دون ربح، أو “بربح مقداره صفر” حسبما أعلن وزير التجارة وقتها، “وهو ما قد يكون صحيحا بالنسبة للوزارة إن كانت تعمل بشكل منفصل عن الحكومة ككل”، بحسب المصدر.

وأضاف: “فالوزير يقول إن تكلفة الموز كانت عشرة آلاف ليرة، وأوضح أن تلك القيمة دفعتها الوزارة للجهة التي صادرت تلك الكمية من الموز المهرب، (التي يفترض أنها الجمارك، وهي جهة حكومية طبعاً)”.

وقال المصدر إن “تحدث الوزير من منطق أن وزارته منفصلة عن الحكومة يكون صحيحاً أن الربح يعادل الصفر”.

لكن وبما أن الوزارة تنتمي لحكومة متكاملة قامت جهة منها ببيع الموز إليها بذلك السعر (الاحتكاري، والذي يفوق السعر العالمي بنحو الضعف)، فهذا لا يعني سوى أن الحكومة تلعب دور “التاجر القوي” الذي يتحكم بالسوق متى شاء، دون اعتبار لأي حسابات اجتماعية، وفقط بمعيار الربح، حسبما أشار العامل السابق في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية.

لماذا ارتفع السكر؟

منذ أعلن الوزير سالم عن عودة أسعار السكر إلى سعر نشرة الوزارة، في السادس والعشرين من آب/ أغسطس الماضي، ذكر أن ارتفاع الأسعار غير مبرر، وأن ما قيل عن ارتفاع السعر العالمي غير صحيح خاصة أن تلك الكميات استوردت قبل الارتفاع.

وقال “سالم” وقتها، إن مديريات التموين في المحافظات، وخاصة مديرية تموين حمص، تمكنت من ضبط “كميات كبيرة محتكرة لدى أحد المستوردين”.

ورغم أن الوزير لم يسم ذلك المستورد، إلا أن إشارته بشكل خاص إلى حمص كانت تعني أن المقصود هو “طريف الأخرس” أحد أقرباء عقيلة الرئيس السوري، وهو المحتكر الأول للسكر في البلاد، وله منشأة في حمص.

وترددت معلومات عن أن دوريات التموين اقتحمت مستودعاته وصادرت ما فيها.

أحد الذين توجهوا اليوم ليشتروا السكر بـ “السعر الحر” وفقاً لبطاقة “السعر المدعوم” قال لنورث برس، إن الكمية المحددة هي 3 كيلوغرامات شهرياً لكل بطاقة، أي أن راتبه الشهري صار، وبعد “التدخل الإيجابي” للحكومة، يكفي لشراء 3 كيلوغرامات سكر، و7 كيلوغرامات من الموز، و10 ربطات من الخبر.

إعداد: ريتا علي ـ تحرير: محمد القاضي