خبير قانوني: الآلية الأممية تبرز أهمية توثيق الجرائم المرتكبة والانتهاكات ضد حقوق الإنسان

القامشلي – نورث برس

قال خبير قانوني سوري إن الآلية التي أسستها الأمم المتحدة لضمان تحقيق العدالة فيما يتعلق بجرائم الحرب في سوريا تبرز أهمية جهود توثيق الجرائم من قبل المنظمات والمدافعين عن حقوق الإنسان، بينما يتمتع مجلس الأمن الدولي بصلاحيات تتجاوز الاختصاصات المكانية والسيادية والولائية لكل المحاكم.

وفي الأسبوع الفائت، قالت كاثرين مارشي أوهل، رئيسة الآلية التي أسستها الأمم المتحدة لضمان تحقيق العدالة فيما يتعلق بجرائم الحرب في سوريا، إن “الآلية قدمت معلومات وأدلة إلى 12 سلطة قضائية وطنية.”

“محاكم ذات اختصاص محلي”

وقال المحامي والسياسي أكثم نعيسة إن “المحاكم الوطنية أو المحلية، وفق قواعد القانون الدولي، هي ذات اختصاص محلي فقط بالقضايا التي تجري في الدولة التي تتبع لها هذه المحاكم”.

وأضاف في مقابلة مع نورث برس: “لا يجوز للمحاكم المحلية أو الوطنية أن تحاكم مسؤولين في دول أخرى قائمين على رأس عملهم”، وفق القواعد والاتفاقيات الدولية.

كما لا يجوز للمحاكم الوطنية أن تتخذ قرارات تتعلق باتفاقيات دولية، “وعلى سبيل المثال خلاف حول مسألة المياه بين دولتين، دولة المنبع ودولة يمر بها هذا النهر، تكون المحكمة المختصة في هذ القضايا هي محكمة العدل الدولية”.

لكن “نعيسة” أشار إلى أن تلك المحاكم تستطيع أن تحاكم هؤلاء المسؤولين ضمن شروط محددة فقط، في حال فقد هؤلاء المسؤولون وظيفتهم وصفتهم الاعتبارية أولاً وتواجدوا على أراضي الدولة التي تتبع لها المحاكم الوطنية المحلية ثانياً.

وأشار إلى استطاعتها التدخل إذا وقع الاعتداء على أحد رعايا دولتها، “فيمكن أن تتدخل المحاكم الوطنية الفرنسية إذا أقيمت الدعوى في فرنسا على افتراض وقوع اعتداء على أحد المواطنين الفرنسيين في سوريا التي هي محور حديثنا”.

“كثرة الانتهاكات تبيح التدخل”

وقال المحامي إن كثرة الانتهاكات الواقعة من الدول والحكومات اللاديمقراطية والديكتاتورية على مواطنيها، دفعت بعض الدول الديمقراطية أن توارب في قوانينها بخصوص تلك الجرائم.

وفي العام 2002، صدر قانون في ألمانيا حاول أن يعطي صلاحيات للمحاكم الوطنية أكبر من تلك الممنوحة لها في القانون الدولي.

وفسر “نعيسة”  ذلك: “يعني هناك التزام أخلاقي على المجتمع الدولي لإيجاد آلية لمحاكمة تلك الحكومات والمسؤولين عن الانتهاكات الصارخة التي تعد في الكثير منها جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم إبادة جماعية”.

وتجسد اتفاقيات دولية ومنظومة حقوق الإنسان والشرعية الدولية لحقوق الإنسان ما يطلق عليه اسم “القانون الدولي الإنساني” والذي يدين الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية والتي تلحق ضرراً بالسلم العالمي والمفاهيم الأخلاقية السائدة في العالم.

ماذا بيد المنظمات والنشطاء؟

وعن ماذا يمكن أن يعمل مدافعو حقوق الإنسان أو النشطاء، قال أكثم نعيسة: “ما دام هناك شروط وقواعد في القانون الدولي لا يمكن تجاوزها، أعتقد أنه خلال هذه الفترة، الطريقة المثلى هي توثيق جميع الجرائم التي ارتكبت من قبل النظام السوري والفصائل المسلحة الأخرى بحق السوريين.”

وتوجد 900 ألف وثيقة مسربة “تدين النظام السوري بانتهاكات لا حصر لها وانتهاكات على مختلف الصعد في استخدام العنف والتعذيب والقتل، وتعد كلها جرائم ضد الإنسانية”، بحسب “نعيسة”.

وأضاف: “آلية التوثيق والمراقبة والتحقيق، والاتصالات مع جهات قضائية، التي أعلنت عنها مارشي، ستستفيد من التوثيق إذا أرادت أن تستخدمها في قضايا مثل قضية الضابط أرسلان أو قضايا أخرى”.

ومن جهة ثانية، ذكر أن جهود التوثيق والمساءلة “هي وسيلة ضغط سياسية على النظام السوري من أجل أن يخفف من قمعه لمواطنيه، ودفعه للتراجع عن الموقف المتعنت تجاه أي مفاوضات لحل الأزمة السورية”.

وعن لماذا وكلت محاكم أوروبية، قال أكثم نعيسة أن المحاكم في فرنسا أو ألمانيا أو غيرها لا تتجاوز صلاحياتها الولائية أو الاختصاصية، وأنها حاكمت الضابط أرسلان الذي قام بالتعذيب، لأنه فقد وظيفته وصفته الاعتبارية وتواجد في ألمانيا.

ويعتقد المحامي “نعيسة” أنه “سواء بالنسبة للتوثيقات أو بعض المحاكمات الفردية، يبقى الأمر في النهاية في إطار محاكمات جزئية ذات طابع سياسي حالياً أكثر مما يحقق العدالة والشعور به عند المواطنين السوريين”.

“محكمة الجنايات الدولية”

وسمح قانون روما الأساسي عام 1998 بتشكيل محكمة الجنايات الدولية بهدف محاكمة الحكومات ومسؤوليها عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والاعتداء على مواطنيها.

 يقول أكثم نعيسة: “هذا القانون أعطى الصلاحية للمحكمة أن تتجاوز مفهوم السيادة الوطنية للدول المنتهكة لحقوق الإنسان والتي ارتكب مسؤولوها جرائم حرب أو جرائم إبادة جماعية عظمى أو أي انتهاكات مصنفة ضمن الجرائم ضد الإنسانية.”

لكن من شروط القانون “أن تكون الدولة التي ارتكبت الانتهاكات قد وقعت على قانون روما الأساسي، وبالتالي يعتمد التحقيق على طلب منها أو من داخل هذه الدولة، أو من بعض أعضاء الدول الموقعة على القانون”.

 وأشار إلى أنه “إذا كانت الدولة لم توقع على القانون، وهذا حال النظام السوري، عندها يجب أن يصدر قرار من مجلس الأمن بالإحالة إلى محكمة الجنايات وتشكيل محكمة خاصة بالجنايات الدولية”.

أما محاكمة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة من خلال آلية العدالة الانتقالية، فيراها المحامي السوري “منظومة معقدة يجب أن تكون تحت إشراف هيئات دولية في مقدمتها هيئة الأمم المتحدة”.

لكنها تبقى “منظومة تتجاوز السيادات الوطنية للدول التي حدث بها انتهاكات صارخة ضد الإنسانية، وتتم بآليات مختلفة بما فيها محكمة الجنايات الدولية أيضاً “.

وشدد “نعيسة” على أن كل الوثائق والتحقيقات تعتبر أدلة وقرائن يمكن تقديمها إلى محكمة الجنايات الدولية، فيما إذا تم تشكيلها في سوريا، أو إلى المنظومات الإجرائية للعدالة الانتقالية، وبالتالي تصبح أدلة إلى حد كبير ذات طابع رسمي.

إعداد: بسام سفر ـ تحرير: حكيم الأحمد