القامشلي – نورث برس
يمسك بجهاز “لابتوب” صغير يخصُّ صديقه، يحاول تعلّم كيفية تسجيل الأغاني وتطبيقها مع الموسيقا. يقول كبرئيل، الشاب الذي خسر قدمه قبل أربع سنوات في إحدى المعارك الدامية “أفكّر بامتهان كتابة وأداء أغاني الراب، وأعمل على إنجاز أغنية مصورة قريباً.”
لم تقف إصابته عائقاً أمام إكمال حياته، حاول تخطيها من خلال موهبته التي اكتشفها خلال الأعوام الأربعة الأخيرة “لم تكن إصابتي سهلة، ولم أتقبلها بتلك السهولة أيضاً، ولكنني كنتُ مجبراً على تجاوزها والتأقلم معها.”
حلم الطفولة يتبدّد
كبر كبرئيل عبد الأحد (21 عاماً)، ابن مدينة ديرك (المالكية) أقصى شمال شرقي سوريا، على أمل أن يكمل دراسته الثانوية ويتقدم لاختبارات المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، كان حلمه منذ صغره أن يصبح ممثلاً.
لم يحالفه الحظ، وعاندته الظروف، فترك دراسته مجبراً ولم يستطع الالتحاق بالمدرسة مجدداً بسبب إصابة تعرض لها وهو في السابعة عشر من عمره.
توجه لكتابة وغناء الراب. رأى فيه إمكانية تحقيق حلمه في التمثيل عن طريق أداء هذا النوع من الغناء، الذي يستمده من الواقع الذي يعيشه، كما يقول.
ترعرع كبرئيل في عائلة مكونة من أربعة أخوة، في مدينة ديرك، تاركاً دراسته لمساعدة عائلته في كسب القوت، مفضلاً تأجيل دراسته بعض الوقت والتقدم لاحقاً لامتحانات الشهادة الإعدادية.
مقاتل.. ومُصاب
تأثر الفتى بوالده وأخيه الأكبر، اللذان التحقا بصفوف “المجلس العسكري السرياني” آنذاك، بسبب التهديدات الوجودية التي طالت مناطقهم بعد دخول تنظيم “داعش” للمنطقة. سلك دربهما بدوره، والتحق بقوات المجلس العسكري على الرغم من أنه كان دون السن القانونية التي تخوله القيام بأعمال عسكرية.
رأى كبرئيل أن حلمه في الدراسة وتحقيق ما يطمح له بأن يصبح ممثلاً يبتعد شيئاً فشيئاً، فلجأ إلى الكتابة هرباً من الواقع والظروف المحيطة به. يقول “بدأتُ الكتابة في عمر السادسة عشر مستمداً أفكاري من صعوبة تحقيق حلمي ورؤيتي له يندثر أمام عيني.”
بعد عامٍ على انضمامه إلى صفوف المقاتلين، استحال حلم الشاب كابوساً عقب إصابته في جبهات القتال بقدمه اليمنى ومن ثم بترها، ما دفعه للكتابة بشكل أكبر، ومن ثم التوجه لكتابة أغاني الراب بالتحديد.
يقل عن اختياره لغناء الراب: “أستطيع تحقيق حلمي بالتمثيل أثناء أدائي لهذا النوع من الغناء، فأغنية راب واحدة لا تتجاوز مدتها الدقيقتين يمكن أن توازي تصوير مسلسل كامل.”
خطوة أولى..
لم يخطر في بال الشاب آنذاك أنه سيتقن هذا النوع من الغناء “بالرغم من أن كثيرين يعتبرون غناء الراب سهلاً وبسيطاً، إلا أنه يحتاج إلى تدريب طويل وأسلوب خاص.”
وبمساعدة من أصدقائه وتشجيع عائلته خطى أولى خطواته في هذا المجال، وسجّل أولى أغانيه عن طريق استوديو خاص في مدينة القامشلي وكانت باسم “نحن والتجار.”
اختار الشاب أغنيته الأولى بهذا الاسم بسبب تحكّم التجار الكبار بالأسعار، والارتفاع الكبير بسعر صرف الدولار. “الحياة صارت صعبة، والغلاء طال الجميع، فلا يستطيع الفقير اليوم أن يعيش حياةً كريمة. الأمور تزداد تعقيداً.”
يمتلك الشاب العشريني اليوم في رصيده أربعة أغانٍ كاملة، بالإضافة لما يقارب ثلاثين مقطعاً مصوراً قصيراً يسميها ” فري ستايل”. يقوم يتنزيلها على قناته الخاصة التي أنشأها بمساعدة بعض الأصدقاء على موقع يوتيوب.
مهنة مساعدة
حاول الشاب ملء وقته بمختلف الطرق لينسى إصابته، سجّل في العام الماضي في إحدى الدورات التي أقامتها منظمة محلية لتدريب الشباب على مهن مختلفة “اخترت أن أتدرب على مهنة صيانة الموبايلات لأنني لا أستطيع العمل في مهنة متعبة، هذه المهنة تلائم وضعي وإصابتي.”
لاحقاً، فتح كبرئيل محلاً صغيراً لصيانة وبيع الهواتف والموبايلات وسط السوق في ديرك، ليعمل في مهنة تساعده في توفير بعض المال “أتمنى أن تكون مهنتي الأساسية ومصدر رزقي هي كتابة وأداء أغاني الراب، ولكن أحتاج إلى مصاريف كبيرة لأستطيع التقدم إلى الأمام فيها.”
واليوم، يجلس كبرئيل في محلّه مع شريكه وصديقه ومساعده في تلحين الأغاني وتوزيعها. يتمرّن على أداء أغنية جديدة سينشرها على قناته الخاصة خلال الشهر الحالي “سأنجز أغنية مصورة قريباً، وأؤلف المزيد من الأغاني.”
لم يستطع فنان الراب الموهوب تصوير أغانٍ خاصة أو إخراج فيديو كليب لأغانيه، بسبب تكاليفها الكبيرة. عوضاً عن ذلك، يعتمد في تصوير مقاطع أغانيه القصيرة على كاميرا الموبايل.
مغنّي راب.. و”شعبي”
يمسك الشاب العشريني قدمه المصابة محاولاً النهوض عن كرسيه الصغير في دكانه. يقف بصعوبة ليستمع إلى بعض الملاحظات التي يقدمها له صديقه في الموسيقى، ويوجه حديثه إلينا “إصابتي أثرت على حياتي كثيراً، ولكنها بالمقابل، أعطتني الدافع للمضي قدماً في كتابة أغاني الراب وغنائها، فهي تجعلني أعيش الواقع وأشعربه.”
يتوق كبرئيل لأن يصبح مغني راب مشهوراً بكلماته وأغانيه الخاصة “أتمنى أن أصبح ناجحاً في هذا المجال، وأن تؤثر كلماتي بكل من يسمعها، مثلما أتأثر أنا بها أثناء أدائها.”
ويكشف الشاب عن آخر أعماله ومشاريعه “أستعد اليوم لتسجيل أغنية خاصة عن الحب” يقول إنها عن تجربة يعيشها اليوم في ظل الظروف الصعبة. كما سيخوض قريباً تجربة الغناء الشعبي بعيداً عن أسلوب الراب، بتشجيعٍ من أحد المختصين الذي يدعمه إيماناً منه بموهبته.