كيف وصل لاجئون عراقيون إلى سري كانيه؟

حسكة – نورث برس

نشرت منصات إعلامية مقرّبة من فصائل المعارضة المسلّحة الموالية لتركيا، منتصف كانون الأول/ديسمبر الجاري، صوراً قالت إنها لـ “توزيع مساعدات إغاثية على اللاجئين العراقيين” في مدينة سري كانيه (رأس العين)، شمال شرقي سوريا.

وتساءل العديد من رواد التواصل الاجتماعي عن كيفية وصول هؤلاء “اللاجئين العراقيين” إلى مدينة سري كانيه التي تقع على الحدود السورية-التركية.

يأتي هذا في وقت تتهم فيه الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومُهَجَّرون من سري كانيه، القوات التركية وفصائل المعارضة التابعة لها بارتكاب جرائم حرب وتغيير ديمغرافي ممنهج واتباع سياسة التتريك في المنطقة.

وكان الهجوم التركي مع فصائل المعارضة المسلّحة التابعة لها، في خريف العام الفائت، قد تسبب بنزوح عشرات الآلاف من سكان منطقتي سري كانيه وتل أبيض.

سيارات تقل نازحين من سري كانيه إلى مخيم الطلائع بمدينة حسكة
سيارات تقل نازحين من سري كانيه إلى مخيم الطلائع بمدينة حسكة

من مخيم عين عيسى؟

وقال أورهان كمال، وهو ناشط إعلامي من سري كانيه، لـنورث برس، إن “عائلات عراقية ومن جنسيات أخرى، تتواجد في أحياء العبرة شمالي المدينة وحي زرادشت شرقيها، في منازل السكان المُهَجَّرين من الكرد والعرب.”

وأضاف أن فصيل السلطان مراد،  أقرب الفصائل إلى تركيا، “كون معظم عناصره من التركمان”، يعمل على رعاية هذه العائلات وتوفير الحماية لهم.

ويتوقع “كمال” أن من تتحدث عنهم المعارضة، وصلوا إلى المدينة في منتصف أيلول/سبتمبر الماضي.

فيما نفى الرائد يوسف حمود، الناطق باسم فصائل “الجيش الوطني”، في تصريحٍ لـنورث برس، دخول لاجئين عراقيين أو من جنسيات أجنبية، مؤخراً، إلى سري كانيه.

وقال: “هذه العائلات قمنا بإجلائها أثناء الحرب مع قوات سوريا الديمقراطية أواخر العام الماضي من مخيم عين عيسى، وبعضهم متواجدون في مناطق سيطرتنا قديماً والأمر ليس جديداً.”

وتمكّنت فصائل المعارضة المسلّحة، أواخر العام الماضي، من الوصول إلى مخيم عين عيسى بريف الرقة الشمالي وقامت بتهريب الكثير من قاطنيه، وبعضهم من عائلات عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

ولأكثر من عام على سيطرة القوات التركية على سري كانيه، تحدثت تقارير حقوقية محلية ودولية عن نهب وسرقة الممتلكات العامة وتدمير البنى التحتية، إلى جانب تغييرات ديمغرافية في المدينة التي كانت تضمُّ مكونات مختلفة.

وقال تقرير لمنظمة العفو الدولية، صدر في الثامن عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2019، إن القوات التركية والفصائل المسلّحة التابعة لها، “ارتكبت جرائم حرب وانتهاكات جسيمة، وازدراءً مشيناً لحياة المدنيين.”

أم من الهول؟

ويشكُّ ناشطون في أن يكون مخيم الهول، شرق مدينة حسكة، مصدر وفود هذه العائلات.

وفي اتصال هاتفي، قالت همرين الحسن، وهي مسؤولة في مخيم الهول لـنورث برس، إن بعض العائلات العراقية تمكنت بالفعل من الهروب من المخيم، دون كشف تفاصيل عن تاريخ الحوادث وأعداد من نجحوا في الهرب.

وأضافت أنهم اعتقلوا، قبل نحو عشرة أيام، مجموعة من اللاجئين العراقيين من عائلات التنظيم، أثناء محاولتهم الهرب من المخيم.

وكانت تركيا قد أعلنت، في تموز/يوليو الماضي، عن تهريبها لعائلة مولدوفية (سيدة وأربعة أطفال) من مخيم الهول، في عملية وصفتها بـ “الاستخباراتية.”

ويصعب على قوات سوريا الديمقراطية والأمن الداخلي ضبط الحدود مع القوات التركية والتي تمتد على طول أكثر من 150 كم من بلدة زركان (أبو راسين)، شمال حسكة، وحتى بلدة عين عيسى شمال الرقة.

ويقول آرام حنا، القيادي في المجلس العسكري السرياني المنضوي ضمن قسد، إن الكثير من عمليات التهريب تحدث في المنطقة، معللاً ذلك بطول الحدود مع تركيا.

وبحسب “حنا”، فإن أغلب عمليات التهريب تتم عبر الطريق الدولي M4، مشيراً إلى أنهم رصدوا الكثير من عمليات تهريب “البضائع والبشر.”

هل هم من “داعش”؟

ينفي “حمود” أن يكون للعائلات التي جرى إسكانها في سري كانيه أي صلة مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

لكن أورهان كمال قال إنه حصل على صور لنساء عراقيات يتجوّلن في سوق سري كانيه.

كما أن رفع رايات تنظيم “داعش”، خلال تظاهرة في تشرين الأول/أكتوبر الفائت وسط المدينة، يزيد الشكوك حول وجود عناصر التنظيم في سري كانيه.

وقال الناطق باسم فصائل “الجيش الوطني” إن “أحد عناصر الفصائل التابعة لنا رفع راية داعش، وتمَّ تقديمه للمحكمة العسكرية لينال حكمه القضائي، أما الراية فهي متواجدة في المنطقة منذ القدم”، على حدِّ قوله.

وحول مدة وجود هذه العائلات في مناطق خاضعة لسيطرتهم، أشار “حمود” إلى أنه لا يملك معلومات كافية حول ملف هذه العائلات.

واكتفى بالقول: “بالإمكان الاستفسار من المجالس المحلية في تلك المناطق.”

وحاولت نورث برس التواصل مع المجلس المحلي لمدينة سري كانيه، لكن الأخيرة لم تستجب.

بينما أشار “كمال” إلى أن ” الشكوك حول وجود داعش في المدينة كانت تساورهم سابقاً، لكن بعد رفع راياتهم ونشر صور هذه العائلات بتنا شبه متأكدين من وجود عناصر التنظيم الإرهابي لكن تحت راية الفصائل.”

رفع علم تنظيم داعش في سري كانيه بعد سيطرة الفصائل التابعة لتركيا عليها
رفع علم تنظيم داعش في سري كانيه بعد سيطرة الفصائل التابعة لتركيا عليها

تغيير ديمغرافي

وكان ناشطون يشبّهون مدينة سري كانيه، قبل سيطرة تركيا وفصائل المعارضة عليها، بالنموذج المصغّر لسوريا نظراً لتواجد سكان كرد، وعرب، وأرمن، وشركس، وسريان، وآشوريين فيها.

لكن التغير الديمغرافي يسير، حالياً، على قدمٍ وساق من خلال جلب عائلات لعناصر الفصائل وتوطينهم في المدينة ومنحهم محلات السكان الأصليين، بينما تضع تركيا رموزها وأعلامها في كل أرجاء المدينة.

وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أطلق نشطاء وصحفيون نازحون من سري كانيه حملة إلكترونية لمناصرة نازحي مدينتهم، بالتزامن مع اقتراب الذكرى السنوية للهجوم التركي على المنطقة.

واتخذت الحملة آنذاك عبارة “مدينة التعايش تفقد ألوانها” شعاراً لها، في إشارة إلى أن مدينتهم لم تعد تجمع بين الكرد والعرب والأرمن والسريان والآشوريين والشيشان والشركس كما كانت في السابق.

نشطاء يطلقون حملة رفضاً لاستيلاء مسلّحي المعارضة الموالين لتركيا على منازلهم في سري كانيه
نشطاء يطلقون حملة رفضاً لاستيلاء مسلّحي المعارضة الموالين لتركيا على منازلهم في سري كانيه

وفي تشرين الثاني/نوفمبر من العام الفائت، أكدت سارة ليا ويتسون، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، وقوع انتهاكات، منها إعدامات ومصادرة منازل في المناطق التي سيطرت عليها تركيا.

وقالت “ويتسون” حينها إن “الإعدامات ونهب الممتلكات ومنع عودة النازحين إلى ديارهم أدلة دامغة على أن (المناطق الآمنة) المقترحة من تركيا لن تكون آمنة.”

وتنفي تركيا وفصائل المعارضة التابعة لها ومسؤولو الائتلاف السوري المعارض هذه الأحداث، بينما يرى ناشطون أن السبب الأساسي لعدم التحقق الكافي من هذه الاتهامات يعود لاتباع تلك الجهات سياسة كمِّ الأفواه ضد السكان.

وتخضع مناطق سري كانيه وتل أبيض لرقابة شديدة من حيث حصر العمل الإعلامي بوسائل عاملة لصالح الجيش التركي والمعارضة المسلّحة، ما يجعل من الصعب على الناشطين الحصول على المعلومات.

وشدد “كمال” على أن “توثيق هذه الحالات صعب جداً، لأن تركيا تمنع دخول وسائل إعلامية إلى المدينة باستثناء الوسائل التابعة لها فقط.”

وأضاف: “لو كانت تركيا جادة في نفي الانتهاكات، فلتفتح الباب أمام وسائل الإعلام الأخرى لتقصّي أوضاع المنطقة بعد أكثر من عام من سيطرتها.”

إعداد: دلسوز يوسف – تحرير: هوشنك حسن