العنف الأسري في دمشق.. أزمات معيشية وظروف الحرب وكورونا عوامل مساعدة
دمشق – نورث برس
لا تدري سمر الهادي (35عاماً)، وهو اسم مستعار لسيدة مقيمة في حي الدويلعة في العاصمة دمشق، إلى من تلجأ حين تتعرض لعنف جسدي ونفسي من قبل زوجها.
تقول لنورث برس إنها تتعرض لعنف منزلي يومياً، “يضربني بحزامه وكأنني حيوان ويخاطبني بألفاظ نابية.”
ويرى ناشطون ومختصون اجتماعيون أن تفاقم الأوضاع المعيشية وتداعيات الحرب وجائحة كورونا، زادت من حالات العنف الأسري في العاصمة دمشق.
ولا تجد “الهادي” أمامها حلاً بعد اللجوء إلى صديقاتها اللواتي، ” تحدثن إليه بعد أن عرفن بحالتي ولكن دون فائدة.”
وتشير إلى أن عائلتها لا تدعمها بسبب التقاليد والخشية من خروج الخلافات إلى العلن، “وبحكم أن لزوجي والذي يكون ابن عمي حقوق علي ويجب أن أطيعه معها فعل.”
“حد التوحّش”
وقالت بيان قصص، وهي ناشطة اجتماعية مقيمة في دمشق، لنورث برس، إنها رصدت حالات عنف مارسها أزواج أو آباء أو إخوة على نساء وأطفال في دمشق وازدادت بشكل متسارع في الآونة الأخيرة.
وأشارت إلى حالة عنف منزلي “لحد التوحش، لسيدة تبلغ 45 عاماً وتسكن في معضمية الشام، زوجها يضربها بأنبوب المياه البلاستيكي، وقد تسبب مرة بقطع جزء من أذنها مع القرط الذي كانت ترتديه.”
وترى الناشطة الاجتماعية أن السبب الرئيس لهذه الحالات هو الضائقة المعيشية “الخانقة” التي تعيشها هذه العائلات، إضافة إلى الأسباب الأخرى “كالجهل والنظرة المتخلفة للمرأة وعدم لجوء المعنّفة للقضاء خوفاً من الفضيحة الاجتماعية.”
وتواجه عائلات سورية منذ أشهر، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، وضعاً معيشياً صعباً يتمثّل في نقص حاد في مواد الخبز والمحروقات وارتفاع أسعار المواد الأساسية الأخرى.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف، فإن أسعار المواد الأساسية في سوريا ارتفعت بمقدار 20 ضعفاً منذ بدء الحرب في سوريا.
وتشير تقارير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات إلى أنه منذ انتشار وباء كورونا ازداد كل أنواع العنف الذي يمارس ضد النساء والفتيات، وخاصة العنف المنزلي.
وكانت غادة والي، مديرة مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، قد قالت الثلاثاء الماضي إن أزمة كورونا فاقمت جرائم العنف ضد المرأة في العديد من الدول.
وتتعرض واحدة من كل ثلاث نساء “لأشكال مختلفة من العنف في حياتها وغالباً في منزلها”، بحسب “والي”.
وأسفر الإغلاق العام في ظل جائحة كورونا إلى زيادة مخاطر العنف وانخفضت فرص وصول المرأة إلى خدمات الشرطة والعدالة الأساسية، بحسب مديرة المكتب الأممي.
“قانون لا ينصف”
وقال مهند مرتضى (25 عاماً) وهو محام يقيم في دمشق، إن قانون العقوبات السوري “لا يجرّم العنف الأسري بشكل واضح، ولم يحدد له أركاناً مادية ومعنوية.”
وأضاف لنورث برس أن هناك بعض المواد التي تمس الأسرة، “لكنها لا تتطرق إلى العنف ولا تنصف ضحاياه، مثل معاقبة من يبعد القاصرين عن وليّهم، والمعاقبة على تسيب الأولاد وإهمال الواجبات الأسرية.”
واعتبر “مرتضى” أن قانون العقوبات السوري يبدو ظاهرياً شاملاً ويحتوي على الكثير من المواد التي تجرم الكثير من الأفعال، “إلا أنه في الحقيقة يفتقر للكثير منها، وأهمها العنف الأسري ضد الأطفال والنساء.”
وكانت الحكومة السورية عام 2002 قد صادقت على الانضمام إلى اتفاقية “سيداو” المنعقدة عام 1981، والمعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
ورغم أن الحكومة قامت في العام 2007 بإلغاء تحفظاتها على بعض البنود، “لكن النظام التشريعي في سوريا يخلو من أي إشارة صريحة إلى مكانة الاتفاقيات الدولية في الهرم التشريعي، فيمكن القول إن الاحتكام إلى سيداو كسياسة وطنية عامة ما زال محدوداً”، بحسب المحامي مهند مرتضى.
“لوم الضحايا”
وقالت راما الشريف (25عاماً)، وهي متطوعة في جمعية “التعليم ومكافحة الأمية” التابعة لمنظمة اليونيسيف وتقيم في دمشق، إن الجمعية غالباً ما تقوم بتأمين فرص عمل للزوج “كي تخفف من حدة سلوك العنف”.
وفيما يخص الأطفال، أشارت إلى أنه إذا أخفقت الجمعية في استئصال الأسباب والمعالجة، فتلجأ إلى محاولة نقل الطفل إلى دار رعاية، وغالباً ما تنجح إذا كان الطفل ينتمي لعائلة بديلة.”
لكن “الشريف” تقر بمحدودية إمكانات جمعيات مناهضة العنف، “وفيما عدا ذلك، لا يسعنا فعل شيء تجاه الموضوع. “
كما وتشير تقارير حقوقية وأممية إلى أن النساء اللواتي يتمكنَّ من الهروب من العنف، غالباً ما يجدن طريقهن إلى العدالة مسدوداً بسبب إلقاء اللوم على الضحايا.
وتتفاوت الاضطرابات النفسية المحتملة جراء العنف، “فقد تظهر في صورة فقدان ثقة بالنفس في أبسط الاحوال، وقد تتضاعف إلى حالة قلق دائمة أو اكتئاب حاد.”
وعن التأثير النفسي الناتج عن العنف، ترى المتطوعة راما الشريف أن هناك فروقات في القدرة على تحمل الضغوطات النفسية، “فقد يتعرض طفلان او امرأتان للقدر نفسه من العنف، لتخرج حالة سليمة بينما تتأذى الأخرى.”