دمشق-نورث برس
بالتزامن مع حلول ذكرى اليوم العالمي للرجل الأسبوع الفائت، تداول سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات نسبت للحراك النسوي السوري تركزت في مجملها على انتقاد الرجل.
ويصادف الـ19 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام اليوم العالمي للرجل الذي تقول المصادر إنه يوم لإبراز الدور الإيجابي للرجل ومساهمته في الحياة وتعزيز المساواة بين الجنسين.
وأثار احتفاء بعض السوريين بهذه المناسبة جدل على صفحات ومجموعات على موقع فيبسوك حول حقوق المرأة والحراك النسوي وتعريفه.
وبدا أن مطالب المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات ومواجهة تقاليد المجتمع المناهضة لحرية المرأة تحظى بدعم ولو نظري من جانب الكثير ممن شاركوا بآرائهم افتراضياً.
لكن الملفت أن مناسبة اليوم العالمي للرجل جلبت معها تفاعلاً نسائيا، تجلى في آراء نزقة وأخرى أكثر هدوءاً حول مسؤولية الرجل تجاه تهميش المرأة ومظلوميتها الطويلة عبر التاريخ.
“ردة فعل للعنف”
وتقول الناشطة الحقوقية سوسن فطوم لنورث برس “النسوية من وجهة نظري هي حركة تأتي في سياق رد الفعل النسائي على العنف الذكوري في المجتمعات.”
فالرجل وفق رأيها “يسيطر على مفاصل الحياة ويكون فيها صاحب القرار والسلطة المطلقة.”
وتشير الناشطة العاملة في مؤسسة كفى إن “النسوية تكون على شكل حراك نسائي ورجال مؤمنين بتفعيل دور المرأة المسلوب وانتزاع بعض الحقوق، بما فيها المشاركة في دوائر صنع القرار.”
وتقول فطوم المقيمة في دمشق: “إن المحاولات الحثيثة وغير الممنهجة سجلت انحرافاً في تحقيق الأهداف المرجوّة من الحركة وخاصّة أنها لم تنسجم في مجتمعاتنا مع العرف السائد، وهو أقوى عقد اجتماعي في هذه المجتمعات.”
وتضيف أن “المحاولات النسائية بقيت غير منهجية ومحصورة بدعوات خجولة تتراوح بين بيانات واجتماعات لا فائدة منها.”
والسبب برأي فطوم أن هذه المبادرات “لم تحاول التشبيك مع هيئات حكومية رسمية ولا حتى العمل على تغيير الثقافة السائدة بشكل علمي فاعل.”
وتتجسد أخطاء الحركة النسوية برأي فطوم بشكل أساسي في “عدم قدرتها على تغيير الانطباع الذي خلقته منذ انطلاقتها.”
وتقول الناشطة إن “الإصلاح يبدو عملاً صعباً لكنه ليس مستحيلاً، والصعوبة تكمن في أن تطلعات النساء في المجتمع كانت أكبر بكثير من قدرة النسوية على تحقيقها.”
و تضيف أن المتتبع لانطلاقة الحركة النسوية، والتي كانت الغاية منها تخفيف العنف والاضطهاد ضد النساء “يعي تماماً أن وتيرة العنف تجاه المرأة زادت خاصة خلال الحرب والأزمات الاقتصادية المتلاحقة.”
وتشير الناشطة الحقوقية سوسن فطوم إلى أن عملهم يتركز على “فكرة التمكين الاقتصادي للمرأة كخطوة أولى نحو الحصول على حقوق المرأة تباعاً.”
وتشدد على “أهمية عدم فسخ الشراكة مع الرجل، فالمسألة ليست مواجهات ولا تحديات.”
“عداء ذكوري غير مبرر”
وتقول الناشطة سارة شنّان (30 عاما) “النسوية تيار فكري يهدف للمساواة حصراً بين الذكر والأنثى، هذا هو مفهومها بشكل مبسّط وخال من التعقيدات التي يحاول الكثيرين إدخالها على التعريف.”
وتضيف “شنان” خريجة قسم التربية وعلم النفس من جامعة دمشق: “أنها لا تعد المبادرات النسوية ذات تأثير حقيقي، في وقتنا الحالي.”
و تشير إلى أن تأثير المبادرات “ينحصر بنشر ثقافة التمرد والوعي.. فمعظم الإناث في أغلب المجتمعات لا يعرفن أصلاً أن حقوقهن مهدورة.”
وفي رأي “شنان” فإن “معظم التيارات النسوية تواجه خللاً في نقل المعلومات خاصة وقد أصبح العالم قرية صغيرة ويمكن لأي شخص نشر أفكاره عبر التواصل الاجتماعي.”

وتقول: “بما أن النسوية تيار يتمحور حول حقوق الجنس المستضعف، فهي قضية عاطفية إلى حد كبير، لذا من الطبيعي أن نجد الكثير من النسويات المتطرفات بفعل عقدة الضحية.”
وتضيف: “من الطبيعي أيضا أن يكون هناك عدائية في إيصال الأفكار، إذ لا يمكننا توقع أن تكون مئات الإناث بالنضج العاطفي اللازم ليفصلن ذواتهن ومآسيهن عن القضية.”
وتشير الناشطة إلى “التشويه الإعلامي الذي يجسد صورة المرأة النسوية بطريقة مستفزة تستدعي الرفض من المجتمع”، على حد تعبيرها.
وتضيف أن “المرأة تتحمل مسؤولية في قمعها، فالمرأة المقموعة هي التي تنشئ وتربي القامع بحد ذاته، وكما يُقال عدو المرأة الأول هو المرأة التي تربي عدوها”، حسب قولها.
وتعبر الناشطة عن اعتقادها بأن الحرب المفتعلة بين الجنسين “هي صنيعة بشرية خالصة، وبالتالي هناك قوة ممنهجة تحافظ على هذه الحرب ونحن لا نلاحظها.”
وترى سارة شنّان أن المبادرات النسوية تعاني من الشتات والعشوائية ذلك أن “المظاهرات والشعارات وترك شعر الإبطين دون حلاقة لا يفيد المعنّفات بشيء.”
وتضيف “أن عداء الذكور غير مبرر وغير المنطقي و يعقد القضية لأن المساواة بين الجنسين تتطلب عملاً من كلا الجنسين.”
“ضرورة انسانية”
أما الكاتب والمترجم علاء عودة فيرى: “أن الحراك النّسويّ ضرورة إنسانيّة طالما أن الظّلم الاجتماعيّ الموجّه ضدّ المرأة موجود.”
ويضيف “عودة” المقيم في دمشق، أن من أخطاء الحركة النسوية صعوبة تأسيس كيانات مرجعيّة مستقلّة وفعّالة تحت مظلّة الأنظمة الشّموليّة القائمة.”
ويشير الكاتب إلى “وجود انقسام بين النّسويّات المتعقّلات الّلواتي يقمن بالتّنظيرِ البعيدِ عن الانفعال، وبين النّسويّات الغاضبات سريعي الاشتعال”، حسب وصفه.
لكنه يقول أنه “من الضّروريّ والصّحّيّ وجود الخطّان (المتعقّل والغاضب) وعملهما جنبًا إلى جنب.”
“ويجب الانتباه الى أنّ الجلّادَ نفسَه هو ضحيّةٌ فجميعنا ضحايا المنظومة الأبويّة، ذكورًا وإناثًا، نسويّين وذكوريّين”، حسب وصفه.
ويرى أن “العملَ على المجتمع ينبغي أن يسلك خطّين؛ خطًّا يستهدف رأس الهرم، وآخر يستهدف قاعدته.
والأهمّ بحسب علاء عودة، “ألّا يدفعنا النّزق الثّوريّ نحو تحويل الحراك النّسويّ الشّعبيّ إلى حركة إقصائيّة منغلقة على ذاتها.”