التنمر ضد المرأة على منصات التواصل الاجتماعي.. آفة الحجر المنزلي أم ثقافة مجتمع؟

روان جومي – نورث برس

 

سرت موجة من السخرية، مؤخراً، على منصات التواصل الاجتماعي في سوريا (الفيسبوك والواتس أب وانستغرام)، وانتشرت فيديوهات الـ Tik Tok، وتهكمت تلك المنشورات بالمرأة والأعمال المنزلية، ما اعتبره البعض انتقاصاً من شخصيتها، في ظل فرض الحجر المنزلي المفروض كإجراء وقائي لاحتواء تفشي وباء "كورونا".

 

ولاقى بعضها رواجاً كبيراً، نذكر منها على سبيل المثال صوتيات "أم عبدو الحلبية"، وملصقات تهكمية كـ"أختي الزوجة الرجاء عدم استغلال الحجر المنزلي لتصفية الحسابات، مهما كان يبقى أب للأسرة واحترامه واجب وطني"، مع رسم كاريكاتوري يظهر المرأة تحمل عصا وتلحق الزوج لضربه.

 

وأخرى تقول "عاجل: وفاة رجل إثر إصابته بطنجرة تيفااال وتكتم شديد من السلطات لعدم إثارة الهلع بين الرجال" كل هذا يشير إلى مدى حالة السخرية التي رأى فيها ناشطون تنمراً واضحاً استهدف المرأة في الآونة الأخيرة.

 

تعدّد أشكال التنمر

 

ترى سلوى زكزك، وهي ناشطة في قضايا المرأة، ومهتمة بحقوقها وتجريم العنف ضدها في دمشق، أن التنمر ضد المرأة متعدد الأشكال (شفهي، كتابي وإيحائي بحركات).

 

تقول، لـ "نورث برس"، "هناك تنمر واضح تجاه المرأة من تعنيف وشتيمة وذم شخصي حتى أن تعبير النسوية هو مثار للتنمر والسخرية"، في حين يشمل الأمر برأيها أنواعاً أخرى من العنف كمصادرة الحرية الشخصية والتدخّل في الخصوصيات.

 

وأضافت زكزك "لكن التنمر الإلكتروني هو الأسوأ، لأنه لاقى قبولاً وانتشاراً واسعاً للأسف، إلا أنه لم تُسجّل حالات عنف جسدي في سوريا بسبب غياب أي مرصد لتوثيق ذلك، ولغياب تقنية الخط الساخن للتبليغ عن العنف".

 

كما أشارت إلى تنمر معاكس استهدف الرجل كإشعاره بأنه لم يؤمن مؤونة كافية للمنزل أو لا يملك مدخرات تسد الحاجة في هذه المحنة.

 

وتعتبر زكزك أن السخرية متأصلة في المجتمع السوري بسبب "الصورة النمطية  للمرأة وتكريسها في الخطاب الرسمي، والتنميط، وعدم اعتبار العنف اللفظي والنفسي عنفاً".

 

ازدياد حالات الطلاق

 

كشف مستشار وزير الأوقاف التابع للحكومة السورية، حسان عوض، خلال مداخلة مع إذاعة "المدينة أف أم" السورية في الخامس من الشهر الجاري، عن ارتفاعٍ تقديري لحالات الطلاق في سوريا بخمسة أضعاف خلال فترة حظر التجول للوقاية من فيروس "كورونا".

 

إلا أن زكزك تقول وفقاً لإحصائية رسمية "ترفع كل يوم خمس دعاوى طلاق للقاضي الشرعي الأول" في العاصمة دمشق.

 

بينما تشكك المحامية رولا ديوب في صحة ذلك، وتقول "حقيقة لا توجد معلومات تؤكد ازدياد حالات الطلاق مع انتشار الفيروس وتطبيق الحجر".

 

ووفقاً لرأيها، إن كان هناك فعلاً ازدياد في حالات الطلاق، فليس من المعقول أن يكون الحجر الصحي الذي لم يصل لشهر يدفع بالزوج والزوجة على اتخاذ قرار، غير مهتمين بما سينتج عنه من نتائج كارثية تؤثر على الأولاد وبالتالي على المجتمع ككل.

 

وتتابع "باعتقادي هكذا علاقة في أساسها غير متينة وجاء الحجر مبرراً ليتهرب كل من الزوج والزوجة من مسؤوليته تجاه الآخر وتجاه الأولاد".

 

وكانت الأمم المتحدة قد وجّهت في الخامس من الشهر الجاري نداءً عالمياً لحماية النساء والفتيات في المنازل، وقالت إنها غير قادرة في هذه المرحلة على تحديد عدد النساء أو الفتيات اللواتي يتعرضن لعنف أسري في العالم نتيجة الحجر المنزلي، لكنها أشارت إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض للعنف خلال حياتها.

 

أذى عاطفي

 

وقالت الناطقة الرسمية لمنسقية "كونكرا ستار"، أفين سويد، أن نسبة التنمر في مجتمعها ضئيلة، لكن "لا يخلو الأمر من سلوكيات يكون فيها المهاجم هو الأقوى دائماً".

 

وأضافت "باعتبار المرأة هي الحلقة الأضعف بحسب منظور فئة معينة ازدادت التعليقات السلبية عليها، سواء كانت حقيقية أو من باب المزاح، إلا أن ذلك سبب أذىً عاطفياً كبيراً لها".

 

كما أن ضبابية المشهد بعد "كورونا"، وفقاً لسويد، والمخاوف من فقدان الوظائف والأزمات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنها، تؤثر على الأسرة وتعاني المرأة من نتائجها المبكرة.

 

وأشارت سويد لمعضلة أنه "على الرغم من بروز شخصيات نسائية في مواقع ميدانية وإدارية في ظل الأزمة إلا أن من يناقش ويحلل ويتكلم هم فقط من الرجال، وهو ما لمسناه جلياً في منطقتنا أيضاً".

 

ولهذا يقوم مجلس عدالة المرأة في "كونكرا ستار" بالعمل بنظام المناوبات في كافة المناطق تفادياً لأي طارئ، آخذين بعين الاعتبار الإجراءات المتبعة للوقاية من فيروس "كورونا"، بحسب ما أوردته سويد لـ"نورث برس".

 

التعنيف ثقافة مجتمعية

 

وأكدت سوسن فطوم، ناشطة اجتماعية في مركز المعنّفات بمؤسسة "أبعاد" في دمشق، على أن التعنيف هو ثقافة مجتمعية لم تنته حتى مع كل الدعوات لكافة المنظمات ومؤسسات المجتمع المدني لإلغاء الإساءة ضد النساء، والتي تأتي ضمن سياق منطقي حسب مفاهيم المجتمعات الذكورية.

 

وأضافت "مع تداعيات الأزمة السورية وما نجم عنها من تهجير وطلاق وترميل وعنوسة، نجد أن موجة العنف تزداد وتتصاعد، واليوم مع تفاقم أزمة وباء كورونا ازدادت وتائر العنف الممارس ضد المرأة خاصة مع اضطرار الرجل للتواجد في المنزل لوقت أطول، فكثرت انتقاداته لزوجته أو لأخته أو لابنته وأصبح مراقباً ثقيلاً ومتفرغاً لرصد كل الأخطاء إن وجدت، وابتداعها في حال عدم وجودها".

 

إلا أن المرأة تتصور أن لا حق لها بالرد أو بالدفاع عن نفسها، فلا ملاذ لها ليس بسبب الحجر فقط، وإنما بسبب الفاقة الاقتصادية وعدم السعي لتمكينها مادياً ومعنوياً واجتماعياً انطلاقاً من العمل على إصلاح وتعديل قانون الأحوال الشخصية "الذكوري بالمطلق"، بحسب فطوم.

 

وتشدد فطوم على أنه "يجب العمل على إعادة تأهيل المجتمع وخاصة الذكور، ليصار إلى احترام المرأة والأخذ بعين الاعتبار الأعباء الواقعة على كاهلها، والتي تفوق ما يترتب على الرجل".

 

وكانت فاديا كيوان، المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية، وهي منظمة حكومية تعمل في إطار جامعة الدول العربية بالقاهرة، قد دعت في بيان المنظمة في السادس من الشهر الجاري، إلى ضرورة دعم النساء في العالم العربي، وضرورة العمل على تعزيز التشريعات التي تحمي المرأة والفتاة من العنف، وبخاصة العنف الأسري، والذي قدر أن يزداد بفعل الأزمة الخانقة وبقاء الجميع في البيت.