إيزيديون مهجرون من سري كانيه بين مرارة التهجير وشح المساعدات

حسكة – نورث برس

يصف إيزيديو منطقة سري كانيه (رأس العين)، الذين نزحوا إلى قرية طولكو (10 كم شمال مدينة حسكة)، أوضاعهم المعيشية ضمن القرية بـ”السيئة”، في ظل شح الدعم المُقدَّم لهم ونزوحهم عن مسقط رأسهم.

ولجأت 16 عائلة إيزيدية مُهَجَّرة من سري كانيه للسكن في القرية الآنفة الذكر، بالإضافة إلى48  عائلة مسلمة من كرد وعرب سري كانيه.

وكانت القوات التركية قد غزت برفقة فصائل معارِضة مسلّحة تابعة لها منطقتي سري كانيه وتل أبيض في تشرين الأول/أكتوبر 2019، لتتسبب العملية العسكرية التركية بتهجير آلاف العائلات من المنطقتين.

وقال إبراهيم حيدر (40 عاماً)، وهو مُهَجَّر إيزيدي من سري كانيه، إن أوضاعهم ليست جيدة، “ليس هناك عمل، بالإضافة لقدوم فصل الشتاء واحتياجنا للكثير من المستلزمات الشتوية.”

وأشار إلى أن الدعم الذي قدّمته المنظمات والجمعيات كان قليلاً جداً، “نحتاج للكثير مع حلول فصل الشتاء، من وسائل تدفئة ومازوت وأغطية وإسفنجات.”

وكان سكان قرية طولكو الأصليين قد هجروا قريتهم في أوقات متفرقة قبل وأثناء الأزمة السورية 2011، لتبقى أربع عائلات فقط من أصل 117 عائلة.

وقال “حيدر” إنهم نزحوا من مدينتهم سري كانيه “هرباً من ظلم الأتراك والفصائل التابعة لهم (…) لا نستطيع العيش في ظل حكمهم وبطشهم، لقد جاؤوا من أجل السرقة.”

وبحسب إحصائيات البيت الإيزيدي في إقليم الجزيرة، فإن العملية العسكرية التركية أجبرت سكان نحو 15  قرية إيزيدية في سري كانيه، بالإضافة إلى العائلات التي كانت تسكن داخل المدينة، للنزوح نحو مناطق مختلفة في شمال وشرقي سوريا.

 وأضاف “حيدر” وهو يتحسّر على وضعهم السابق، “لم نكن بحاجة إلى شيء، كنا نعيش حياة كريمة في سري كانيه وكانت أوضاعنا جيدة، لم نكن نتعرّض لأيّ تضييق أو اعتداء.”

لا مساعدات تُذكَر

ويشتكي الإيزيديون المُهَجَّرون، كبقية المُهَجَّرين في القرية، من شح الدعم والمساعدات المُقدَّمة لهم، في ظل قلة فرص العمل وتردّي الوضع المعيشي.

وقال موسى يوسف (51 عاماً)، وهو مُهَجَّر من حي حوارنة في سري كانيه: “أوضاعنا هنا سيئة، لم تصلني المساعدات من أيّ منظمة، ليس هناك أي مساعدة تُذكَر.”

وأضاف “يوسف” الذي يقيم في منزل أحد أقاربه المهاجرين إلى أوروبا، أنهم فرّوا من سري كانيه خوفاً من ارتكاب القوات التركية والفصائل السورية المسلّحة التابعة لها مجازر بحقهم، “كنّا نخشى أن تتكرر مجزرة شنكال بحقنا.”

وارتكب عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2014 مجزرة بحق إيزيديي قضاء شنكال (سنجار) في إقليم كردستان العراق.

وتذهب المصادر الإيزيدية إلى أن التنظيم دمَّر أثناء هجماته في الثالث من آب/أغسطس لعام 2014، أكثر من 70 مزاراً دينياً في شنكال، وقتل المئات من المدنيين ودفنهم في مقابر جماعية. 

كما اختطف التنظيم أثناء هجماته أكثر من ستة آلاف إيزيدي، جلّهم من النساء اللواتي تم بيعهن في أسواق نخاسة خاصة بالتنظيم، حيث ما يزال مصير أكثر من نصف هذا العدد مجهولاً وفق إحصائيات الأمم المتحدة.

وانتقد “يوسف” الصمت الدولي الذي وصفه بـ”المخزي”، حيال ما تعرّضوا له من تهجير ونهب ممتلكات من قبل الفصائل التابعة لتركيا، “أميركا تعلم بحالنا وكذلك روسيا وسوريا، ولكن أحد يعمل لأجلنا، ولم ينجدنا أحد، لو هبّوا لنجدتنا لما كنا وصلنا إلى هذا الحال.”

ويبقى أمل “يوسف” الوحيد أن يعود يوماً إلى سري كانيه ويعيش “بسلام مع كافة مكونات المنطقة دون أن يكون هناك خطر على أحد بسبب قوميّته وديانته.”

تاريخ من المجازر

وقال نجادي بلو (59 عاماً)، وهو مُهَجَّر إيزيدي من سري كانيه، إن الفصائل التابعة لتركيا أحرقت 105 دونم من محصول القمح الذي كان قد زرعه.

اقرأ ايضا: المزارات الإيزيدية في عفرين.. بين نهب معظمها وتدمير أكثر من نصفها

ويتحسّر “بلو” والذي كان قد انتقل قبل العملية العسكرية التركية بأربعة أعوام من قريته تيلو بريف سري كانيه إلى المدينة، على ما آل إليه حال المنزل الذي كان يسكنه حيث كان عائداً لأحد أقاربه المهاجرين إلى أوروبا. 

“كنت أسكن في منزل أحد أقاربي، وكنت أمازحه في بعض الأحيان بالقول: يتوجب عليك دفع نقودٍ لي لأنني أحمي منزلك وأحافظ عليه (…) لكن ذهب منزله ولم أستطع حمايته من القوات التركية وفصائلها.”

وذكر “بلو” أنه كان يسمع حين كان صغيراً عن المجازر والإبادات الجماعية والتنكيل بحق الإيزيديين ونسائهم الحوامل من خلال شق بطونهن وحرق أطفالهن.

“لم أكن أصدّق حينها، ولكن ما شاهدته بعينيّ خلال السنوات الأخيرة كان كافياً لأصدّق ما كان يقال لي.”

اضطهاد مضاعف

من جهته، قال محمود رشو، عضو البيت الإيزيدي في إقليم الجزيرة، إن الدعم المقدّم من قبل المنظمات الدولية لمُهَجَّري سري كانيه كان خجولاً، “هناك بعض المنظمات المحلية المدعومة من قبل الإدارة الذاتية قدّمت مساعدات للمُهَجَّرين.”

وأشار إلى أنهم في البيت الإيزيدي قاموا خلال العام الماضي بتقديم وسائل تدفئة وبعض الاحتياجات الأولية، حيث تزامن تهجير السكان مع حلول فصل الشتاء.

وذكر “رشو” أن الإيزيديين في سوريا تعرضوا في السابق، في عهد الدولة العثمانية، “لاضطهاد مضاعف؛ اضطهاد ديني واضطهاد عرقي.”

وقال إن تركيا تتحمّل جريرة ما حلَّ بالإيزيديين في سري كانيه وعفرين، “لأنها تعتمد على مسلّحي فصائل المعارضة السورية وتدعمهم في ممارساتهم.”

وأضاف: “الفصائل التابعة لتركيا والمتواجدة حالياً في سري كانيه وعفرين، هي فصائل من المرتزقة باختلاف تسمياتها، وليس هناك فرق بينها وبين داعش، فهي تنتهج الأسلوب ذاته ومبادئها واحدة.”

إعداد: جيندار عبدالقادر – تحرير: سوزدار محمد