عفوًا منك أيها الـ”يوسف قرضاوي”

هل تساءلنا وقد باتت فرنسا دولة لادينية، ما الذي جعل الفرنسيين ينزلون الله من سمائهم إلى الأرض؟

– إنها الذاكرة.

هو الأمر كذلك، واذا ما لجأنا لابن خلدون، فله حصة من “الحكمة”:

– التاريخ، في ظاهره لا يزيد على الإخبار، وفي باطنه نظر وتحقيق.

ولأنهم نظروا، وحققوا، عرفوا بالتمام والكمال أن بلادهم تعرّضت لثماني حروب دينية، ليس أكثرها توحشاَ مذبحة سانت باتولوميو، ليلة الـ/24/ من آب/أغسطس 1572 والتي تسببت في الحرب الدينية الرابعة، عندما أمرت كاثرين دي ميدسيس، تحت تأثير وزيرها المتعصّب، غيز، بدعوة وجهاء ونبلاء الإصلاحيين وكبار التجار والأعيان، في خطوة مصالحة مزعومة إلى زفاف ابنتها مارغو من هنري دي نافارا، لتسفر تلك الليلة عن ذبح ثلاثة آلاف “ضال” في صفوف الهراطقة في باريس وحدها، وخمسة آلاف في أنحاء المملكة.

الناجون من الأحفاد، لم يعد بوسعهم قبول “صك البركة” البابوية، بعد “الحق السماوي” في السلطة، كما لم يعد بالمستطاع نسيان فرقة التنانين “الإلهية”، وحملات تفتيشها، وإعدام “الهراطقة” بطرق مختلفة بعد ابتكارات تعذيب رهيبة، تجمع الحرق والتعليق حتى تفكك الأعضاء، أو التعليق من الأعضاء الحساسة وخاصةً الجنسية، أو التقطيع بربط الأطراف إلى أربعة خيول وإطلاقها في الاتجاهات الأربعة، ما يفضي إلى تمزق الجسد، وذلك إلى جانب الضرب، أما الأكثر حظاً فكانوا وبعد “استتابتهم” للعودة إلى العقيدة الصحيحة، يلقون بعد ربط وثاقهم في أقرب نهر أو بئر.

هؤلاء الفرنسيون، باتوا في معظمهم “ملاحدة”، بعد ما يزيد عن خمسمئة عام على سطوة “نوّاب الله”، وها هم وقبل خمسة عشر عاماً احتفلوا بالذكرى المئوية لصدور قانون التاسع من كانون الثاني/ديسمبر 1905 وقد قضى بفصل الكنيسة عن الدولة، لتكون فرنسا:

– الدولة العلمانية الأولى في العالم.

ستكون كذلك دون أدنى مراعاة لإرهاب الدين، حتى أن الدستور الفرنسي، كان قد خلا من اسم (الرب) على غير حال الدستور الألماني،  كما على غير حال الدستور الإيرلندي وقد أشار إلى “الثالوث المقدّس”.

فعل الفرنسيون ذلك لأنهم:

– لم يقرؤوا التاريخ باعتباره إخبار.. قرؤوه باعتباره دماء الناس.

ولهذا بات اللادينيون، كما الملحدون، حقيقة فرنسية، حتى أن التقديرات تشير إلى أن اللادينين والملحدين يشكلون ما بين 50 إلى 60 % من الفرنسيين.. فرنسيون هجروا الكنيسة والتفتوا إلى كروم العنب والعطورات، فبات نبيذهم أعظم نبيذ، وكان لعطورهم السطوة، كل السطوة على فاتنات الأرض، أما “المتأملون” من الشباب فيخطئ من يظنُّ أنهم يعيشون في ضياع، أو أن ليس لهم قيم يدافعون عنها.. لهؤلاء أسئلتهم في الكون، وما وراء الماوراء، وقد تعثرُ من بينهم على من يبحثون عن الروح ما بعد الموت، ومن بينهم من يرسمون صوراً لله وفق مقتضيات مجموعة الألوان، ولا بُدَّ أن قرارهم بـ”اللادين” قرار لا رجعة عنه، ذلك لإدراكهم العميق بأن الدين “مؤسسة” لا مجرّد دين، ولأن الدين يمنعهم من الاختيار الحر، ولأنه يعني فيما يعنيه، عدداً من الأشياء التي يجب تبريرها حين يكون المرء متديناً، مثل وجود الله وعصمة البابا، أما الشخص اللاديني ذو الفكر الحر فيهتم بأشياء ذات بُعد إنساني.

– وما الذي تشكو منه أزياء شانيل الرائعة؟

إلى فرنسا هذه، يأتي من يصرخ، وربما عبر مكبرات الصوت:

– سنغزوكم إن شاء الله.

وقبله نصغي إلى يوسف القرضاوي، وصوته يهدر من محطة الجزيرة:

“إن الإسلام سيعود إلى أوروبا فاتحاً ومنتصراً بعد طرده مرتين؛ الأولى من جنوب القارة في الأندلس، والثانية من شرقيّها في أثينا.. لكن هذه المرة، لن يكون الفتح بالسيف وإنما بالدعوة والفكر.”

يا الله.. وكيف سيكون ذلك؟

بالتسلل.. نعم، وبكلّ الفم يقولونها، حتى أن الباحثان الفرنسيان، ألكسندر ديل فال وإيمانويل رضوي، كانا قد عثرا على وثيقة بالغة الخطورة، وقد نشراها في كتابهما “المشروع.. استراتيجة التسلل لجماعة الإخوان المسلمين في فرنسا والعالم”، أما عن الوثيقة، فقد حملت عنوان “المشروع الكبير”،  وقد صاغها القيادي الإخواني يوسف ندا، وتتضمن الاستراتيجة الإخوانية للهيمنة خطوة، خطوة، على مفاصل ما أسماه بالقارة العجوز.

– كيف ستكون الخطوة الأولى.. من خطوة خطوة؟

ستكون بـ “تأييد الحوار (في الشكل) بين المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وبين الأوروبيين”، غير أنّه “في المضمون”، ووفق “فقه القرضاوي” سيدعو إلى الفصل بين المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وبين الحضارة الأوروبية، ويُصرُّ على وجوبية أن:

– يكون للمسلمين مجتمعاتهم الصغيرة ضمن المجتمع الكبير، وإلا ذابوا فيه كالملح في الماء.

على المسلمين أن ينحشروا في “الجيتو”، ثم لا يلبث القرضاوي أن يستلهم من التجربة اليهودية، وبكلام صريح: “إنّ ما حافظ على الأفكار والعادات هو العصبة الصغيرة التي تسمّى ‘الغيتو اليهودي’. فلتسعوا إذن إلى إقامة ‘الغيتو الإسلامي’ الخاص بكم في أوروبا.”

وفي ما بعد الجيتو، لا بد من المظلومية، لذا “يتوجب أن يكون لـ”جُزُر الإسلام” هذه علماء خاصّون بها يتصدون للتحديات التي تطرحها متطلبات حياة المسلمين اليومية داخل هذه الجزر.”

وفي الخطوة الثالثة، سيكون التكاثر، فـ”رَحِمَ الأم المسلمة هو أكثر الوسائل فاعلية في أسلمة أوروبا والعالم كلِّه.”

وسيذهب القرضاوي أبعد حين تنبّأ بأنّ تزايد أعداد المسلمين في أوروبا سيجعل “جزر الإسلام” تطوِّق سكان “المحيط من غير المسلمين” تدريجياً. لـ”تقريب”  زمن “ثأرهم التاريخي” من فرنسا،  وبأنها “ستكون أول دولة أوروبية غربية تسقط في أيديهم، ومنها سيبدأ الإسلام مسيرته الظافرة نحو بقية بلدان القارة والعالم بأسره.”

أما الخطوة اللاحقة (وقد حملتها الوثيقة) فكلام القرضاوي فيها بالغ الوضوح: “الاندماج أو الاستيعاب جريمة ضد الإنسانية.”

استراتيجة  تستند إلى تغذية الفكر المتطرّف داخل عقول المسلمين وخلق مظهر خارجي يميزهم عن غيرهم، ثم دفعهم إلى العيش بمعزل عمن يصفونهم بـ”الكافرين”، غير أن الكافرين، ليسوا الملحدين، ولا اللادينيين فحسب، هم كذلك المسلمون الذين لا يعلنون شريعة السكاكين، فالمسلم الحقيقي هو “فقط ذلك الذي ينتمي إلى جماعتهم. وأما الباقون، أي أغلبية المسلمين، فمشكوك بإسلامهم، أو أن إسلامهم خفيف أو ضعيف لا يُعتدُّ به.”

الفرنسيون متأكدون أن لا عودة إلى سلطة الدين.. أيّ دين، والإسلاميون يبشروننا بـ”الفتح العظيم”، ويبشروننا بالاسترسال في حروب دائمة، حرب مع الذات، وحرب مع العالم، وحرب مع العلم الذي يجدد مع كل رمشة عين حداثته، وها نحن موعودون بدار حرب دائمة ما بين دارين، دار إسلام موعودة بالتوسع، ودار حرب موعودة بـ”الجهاد إلى قيام الساعة” كما يقول حديث للبخاري يَتَلَقَّنه المراهقون في دروس التربية الإسلامية، وقد انتقلت سكاكينها لتجوب العالم كلَّ العالم، وإن بدت فرنسا أكثر غرقًا فيها.

الفرنسيون حتى اللحظة، لم يقولوا ما قاله الكنديون.

– ما الذي قاله الكنديون؟

لقد صدّر الكنديون بيانًا أظن مترجمه إلى العربية نادر حمامي:

“على المسلمين أن يدركوا أن عليهم الاندماج وتعلّم العيش بيننا.. إنهم بحاجة إلى تغيير أسلوب حياتهم، وليس الكنديون الذين رحّبوا بهم بسخاء.”

وجاء في البيان: “بالنسبة الى المسلمين الذين لا يتفقون مع العلمانية، والذين لا يشعرون بالراحة في كندا، هناك /57/ دولة إسلامية جميلة في العالم، معظمها ذات كثافة سكانية منخفضة ومستعدة لقبولهم بأذرع مفتوحة وفق الشريعة الإسلامية.. إذا غادرت بلدك إلى كندا وليس إلى دولة إسلامية أخرى، فذلك لأنك تعتقد أن الحياة في كندا أفضل من أيّ مكان آخر.. لن نسمح لك بإنزال كندا إلى مستوى الـ/57/ دولة إياها.”