غياب حقوق وبخس للأجر.. معاناة عاملات في معامل خاصة بريف دمشق
دمشق – نورث برس
تعاني نساء عاملات في معامل خاصة بريف العاصمة دمشق من عدد ساعات العمل الطويلة التي تصل إلى /12/ ساعة، إلى جانب سوء شروط العمل الصحية كانعدام التهوية وعدم وجود حمامات في بعضها.
كما أن عدم توفر مياه الشرب في بعضها الآخر والأجور الزهيدة قياساً بطبيعة العمل المرهقة واعتماد أسلوب الأجر حسب كمية الإنتاج، جوانب أخرى من معاناة العاملات.
وقالت فاطمة الحسين (25 عاماً)، وهي عاملة تتحدر من دير الزور وتقطن في منزل غير مكسي في جرمانا بريف دمشق، إنها تعمل /13/ ساعة يومياً في معمل طباعة ماركات على الأكياس البلاستيكية في حي كرم صمادي بجرمانا.
ولفتت إلى أن سبب التزامها بساعات عمل طويلة، يعود إلى “أنهم يحاسبوننا على كمية الإنتاج، وإذا عملت لساعات أقل فلن أحصل على الأجر الكافي للمصاريف وأجرة البيت.”
“ظروف مجحفة”
لكن ما يزيد من صعوبة العمل في المعمل الآنف الذكر، هو عدم وجود تهوية صحية في المعمل، في ظل إغلاق باب المعمل طيلة ساعات العمل، بالإضافة لعدم توفر مياه للشرب، بحسب عاملات في المعمل.
“روائح كريهة تصدر عن الآلات، ولا نعرف سبب إصرار صاحب المعمل على إغلاق الباب، وليس هناك مراوح ولا شفاطات هواء”، بحسب ما أفادت به “الحسين” لنورث برس.
لكن عاملات، فضّلن عدم نشر أسمائهن، قلن إن صاحب المعمل يجبرهن على إغلاق الباب حتى لا تلاحظ دوريات الرقابة مخالفته للشروط الصحية.
وقالت عاملات في المعمل إن أجورهن اليومية تتراوح ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف ليرة سورية.
وقال صاحب معمل لطباعة شعارات الشركات على أكياس البلاستيك والذي اكتفى بالتعريف عن نفسه بـ”أبو يزن”، إن “العامل المختص يتقاضى /75/ ألف ليرة أسبوعياً، أما عاملات الخدمة فيتقاضين وسطياً /35/ ألفاً.”
لكن لم يتسنَ لنورث برس التأكد من مصدر مستقل حول القيمة الحقيقية للرواتب.
وعما إذا كان قد سجَّل عماله في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، أضاف مالك المعمل، “نحن نسجّل عاملين أو ثلاثة وندفع كل الالتزامات المترتبة على ذلك أما العمال المياومون فلا نسجّلهم.”
وترى سوسن فطوم، وهي ناشطة اجتماعية في مركز المعنّفات بمؤسسة “أبعاد” في دمشق، أن نقص الموارد البشرية وتدهور الظروف الاقتصادية أثرا بشكل مباشر على المرأة العاملة وفرضا عليها العمل تحت ظروف “مجحفة وقاسية.”
وأضافت الناشطة الاجتماعية، لنورث برس، أن “شروط أي عمل تقوم به المرأة في سوريا بعد الحرب هي قاسية، ولا تتوفر الحدود الدنيا من الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية.”
ورأت “فطوم” أنه لا بُدَّ من تحديث قانون العمل، “هذا التحديث يجب أن يشمل العمال المياومين والموسميين وضمان تأمينات مناسبة لهم في حال التعرض للإصابة أو الحمل والإنجاب.”
وفي معمل لتعبئة الملح بالقرب من معمل الطباعة، تجلس “أم صالح” (70 عاماً)، وهو اسم مستعار لعاملة فضلت عدم نشر اسمها، على الأرض وتملأ أكياس النايلون بالملح.
“المر والأمرّ”
تقول إنها، كباقي عاملات المعمل، تضطر للذهاب إلى المنازل القريبة لقضاء حاجتها، وذلك لعدم وجود دورات مياه في المعمل.
واختزلت “أم صالح” سبب عملها في هذه المرحلة من العمر بالقول، “إيش جابرك على المر غير الأمر منه.”
وتشكو العلامات هنا أيضاً من سوء معاملة مالك المعمل لهن، “يبحث عن الحجج ليقتطع أجزاء من الأجر”، بحسب قول إحداهن.
اقرأ ايضا: عائلات في دمشق تعتمد على الخضروات الموسمية في ظل غلاء اللحوم
وقرب الجسر الخامس على طريق مطار دمشق الدولي في معمل لتحضير المخللات، تقول رباب غفري (40 عاماً)، وهي عاملة من جرمانا، إن الظروف المعيشية أجبرتها على العمل في أكثر من معمل وكان آخرها معمل المخللات.
وأشارت “غفري” إلى أنه ليس هناك أي التزام بالشروط الصحية، “أصيبت أيادي أغلب العاملات بالأكزيما نتيجة التعامل المباشر مع الخل والملح دون قفازات.”
ولفتت إلى عدم وجود أي رقابة أو متابعة من الجهات الحكومية، “من المفروض أن تُحدد ساعات العمل وأن تُسجَّل العاملات في التأمينات الاجتماعية وتُقدَّم لهن الرعاية الصحية ووجبة طعام لأن ساعات العمل طويلة.”
ولم تتمكن نورث برس من الحصول على تعليقٍ من جهة رسمية حول آلية الرقابة فيما يخصُّ حماية حقوق النساء العاملات في المعامل الخاصة.
“احتيال على القانون”
وقال شادي كلثوم، وهو محامٍ في دمشق، إن قانوناً نافذاً في سوريا يخصُّ عمال القطاعين الخاص والمشترك (القانون رقم /17/ لعام 2010)، يحتوي على مواد متعلّقة بتأمين بيئة العمل والسلامة والصحة المهنية والإجازات، إلا أن “الواقع العملي غير ذلك.”
ولفتَ المحامي إلى أن أصحاب بعض المعامل يفرضون على العامل شروطاً ليستطيعوا التهرّب من القانون حين تتم مساءلتهم، مثل توقيع طلب استقالة في اليوم نفسه الذي يوقِّع فيه عقد العمل.
“وكذلك يفرضون عليه التوقيع على صك براءة ذمة صاحب العمل تجاه كل حقوقه، هذا إن كان هناك عقد عمل أصلاً، وهذا احتيال على القوانين وأحياناً يكون بالتواطؤ مع التأمينات الاجتماعية.”
ورأى المحامي أن من الضروري ألا يُنظَّم عقد العمل إلا عن طريق مكاتب العمل وأن لا يُعتدَّ بأيّ توقيع خارج هذه المكاتب.