مفاتيح بلا أقفال.. هي كل ما تبقى لعائلات فرّت من القصف التركي على سري كانيه

حسكة – نورث برس

تُخرج دلال علي (33 عاماً)، مجموعة مفاتيح من حقيبة تحتفظ فيها بما تبقى لها من منزلها في سري كانيه (رأس العين)، بعد أن اضطرت للفرار منه تحت وابل من قذائف القصف التركي التي انهالت على مدينتها في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

وفي لحظة حزن مشوبةٍ بالأمل، تُمعن “علي” النظر في مفاتيح منزلها، لترتسم بذلك ابتسامة عفوية على وجنتيها، لكنها لا تلبث أن تختفي وتُخفي معها الكثير من الذكريات.

تقول إنها لم تلمس هذه المفاتيح منذ مدة بخلاف ما كان عليه الحال قبل ثلاثة أعوام من الآن حين كانت في سري كانيه.

وتعيش المرأة مع زوجها، حالياً، في ظروف قاسية للغاية في خيمة يكسوها الغبار بمخيم “سري كانيه” الذي أنشأته الإدارة الذاتية بالقرب من مدينة حسكة شمال شرقي سوريا.

وتقول:

“سأعود يوماً وافتح باب منزلي بهذه المفاتيح”.

ويعيش في المخيم قرابة ٢٣٤٠ عائلة تفتقر إلى العديد من مستلزمات الحياة اليومية.

وعلى بعد عدة كيلومترات من المخيم، ثمة مفاتيح أخرى وقصة مماثلة لقصة “دلال”، ففي منزل بحي العزيزية بمدينة حسكة حيث يعيش حسن برو (50 عاماً)، ثمة مفاتيح معلقة على أحد جدران غرفة الجلوس.

يقول” برو” إن قيامه بتعليق مفاتيحه على الجدار كان بهدف تذكير نفسه بالعودة إلى مدينته التي فرَّ منها مثله مثل آلاف الأشخاص أثناء القصف التركي.

تربيّت أنا وأخواتي ووالدي المتوفى في ذاك المنزل وربيّت أبنائي فيه، لكننا جميعاً بعيدون عنه اليوم.”

ويقول الرجل، الذي يحمل إجازة في المحاماة، إن هذه المفاتيح تشعره بالدفء والاستقرار وتذكِّره بموطنه.

وكما” برو”، يخشى معظم المُهَجَّرين من سري كانيه من عمليات انتقامية قد تستهدفهم، إذا ما قرروا العودة إلى منازلهم في ظل سيطرة تركيا والفصائل السورية الموالية لها على المدينة.

وتقول الإدارة الذاتية إن الهجوم التركي هجَّر نحو 300 ألف شخص من مدينتي سري كانيه وتل أبيض.

إياد علي (35 عاماً) هو أحد  الذين حالفهم الحظ في الحصول على منزل أجرة في ظل الاكتظاظ السكاني.

يحتفظ هو الآخر بمفاتيح منزله، لكنه يقول إن مسلّحي فصائل المعارضة قاموا بسرقة أثاث منزله بالكامل ومعها الأبواب.

ومنذ سيطرة تركيا على المنطقة، تتحدث تقارير حقوقية محلية ودولية عن إقدام الفصائل على نهب وسرقة ممتلكات المدنيين بعد تهجيرهم.

ويقول إياد علي:”نحتفظ بمفاتيح بيوتنا المنكوبة والمسروقة لأنها تجدد شوقنا لتلك المنازل”.

لكن منزل “علي” ليس الوحيد الذي تعرض للسرقة، فهناك المئات من المنازل التي نُهِبت محتوياتها.

منزل أحمد حسو (43 عاماً) لاقى المصير نفسه.

ويقول أحمد حسو، وهو مدرّس لمادة الفيزياء: “لا زلت أحتفظ بالمفاتيح، رغم أنني أعلم أن الأبواب نفسها سُرقت”.

ويبدو أكثر اشتياقاً حين يضيف أنه لقنَّ تلاميذه لسنوات أن الأرض تجذب كافة الأجسام، “لكن تيقنت الآن أن الأرض تتمتع بجذبها للأرواح أيضاً.”

أما زكي حجي (56 عاماً)، فينقل مفاتيح المنزل والمحل ومكتب المحاماة الخاص به من مكان لآخر، فيضعها تارةً جانباً أو فوق التلفاز، وفي أحيان أخرى لا يزال يضعها في جيبه.

وقال “حجي”: “فقدنا كل شيء. مفاتيحنا هي الوحيدة التي بقيت معنا […]، كلُّ مفتاحٍ يذكرني بمكانٍ ما ويبعثُ فيني ذكريات عشتها.”

إعداد: هوشنك حسن – تحرير :حكيم أحمد