“حانو قريثو”.. أسطورة سريانية قديمة تحييها منطقة الجزيرة كل عام

قامشلي - جانب من احتفال حانو قريثو بقرية محركان - نورث برس

قامشلي – نورث برس

يحتفل السريان في الجزيرة السورية، كل عام، بمناسبة “حانو قريثو” أو قصة “عروس القرية” التي تعدّ من الأساطير السريانية القديمة التي تناقلها السريان من جيلٍ لآخر.

وتعتبر قرية محركان بريف بلدة تربسبي (القحطانية) شمال شرقي سوريا، إحدى أشهر القرى المسيحية التي يحتفل سكانها بهذه المناسبة من خلال طقوس خاصة.

واحتفل العشرات من سكان مدينتي قامشلي وتربسبي وريفيهما، السبت الماضي،  بهذه المناسبة، مجتمعين في القرية بمشاركة متطوعين من مشروع بيت الجزيرة الذي تنظمه منظمة “GAV.”

ومن أبرز طقوس هذه المناسبة أن المحتفلين يحملون دمية خشبية بأزياء فلكلورية وهم يدبكون ويغنون ويتجولون بها على منازل القرية لجمع تبرعات غذائية كالبرغل والبيض والسمنة.

وبعد الانتهاء من زيارة كل المنازل يعود المحتفلون لدفن الدمية الخشبية على أطراف مقبرة القرية، حيث تمثل الدمية فتاة تدعى “حانا” في الأساطير السريانية.

وتشير الرواية التراثية السريانية إلى أن “حانا”، ابنة ملكٍ قديم في منطقة “طور عبدين” جنوب شرقي تركيا، قتلت بقرار من والدها الملك عقب نذر قطعه عند انتصاره في إحدى الحروب.

وتروي عبير كبرئيل (40 عاماً)، وهي من سكان قرية محركان، أن الملك كان يتلقى هزائم مستمرة في حروبه، ولدى انتصاره في إحدى الحروب الضخمة تعهّد بتقديم قربان للآلهة.

وتضيف، حسب ما تناقلته عن جدتها ووالدتها، أن الملك أخبر جنوده بأنه سيقدّم أول شخص يظهر أمامه أثناء عودته إلى قصره قرباناً للآلهة.

“لسوء الحظ  عندما سمعت ابنته الوحيدة نبأ انتصار والدها، كانت هي أول من تركض لتبارك له، فكان لابد له من تنفيذ وعده، وتقبلت حانا قرار والدها.”

طلبت “حانا” من والدها أن يمنحها أربعين يوماً تقضيها رفقة صديقاتها في الجبال، فكان لها ما أرادت، حسب ما يرويه سكان من محركان.

“جمعت حانا وصديقاتها ما يستطعن من مأكولات كالبيض والسمنة والبرغل، واحتفلن في الجبال أربعين يوماً، وفي اليوم الأخير طلبت حانا من صديقاتها أن يقمن لها تذكاراً سنوياً في المكان نفسه، وهكذا أصبحنا نحتفل بحانو قريثو.”

ويقيم السريان هذا الاحتفال كل عام قبل أسبوعٍ من الصوم الخمسيني أو صوم عيد القيامة.

وتقول سهام ملكي، وهي من سكان قرية روتان المجاورة لقرية محركان والتي حضرت الاحتفال، أنه النساء يقمن بعد دفن العروس الخشبية بطبخ ما جمعه المحتفلون من تبرعات.

ولدى الانتهاء من الطبخ، تقوم النساء بدفن وجبة طعام مع العروس الخشبية، وبعدها يوزعن الأكل على كل منازل القرية ويجتمع البقية مع بعضهم لتناول الطعام والرقص والغناء.

ولم تقتصر هذه المناسبة على مشاركة السكان السريان فقط، بل حضرتها عائلات من المكونين الكردي والعربي من سكان قرية محركان والقرى المجاورة.

وقالت وداد حسن، وهي امرأة كردية حضرت احتفال “حانو قريثو” للمرة الاولى: “دُعيت أنا وابنتي هذه السنة للمشاركة في الاحتفالية من قبل صديقاتي، فلم أتردد في المجيء للتعرف على هذه العادات.”

وأضافت: “كنت أشارك السريان في مناسباتهم الدينية وأذهب أحياناً لزيارة الكنيسة، لأن أطفالي الأربعة يتلقون تعليمهم في مدارس خاصة تابعة للكنيسة السريانية في قامشلي.”

“إنه أمرٌ جميل جداً أن يتشارك سكان المنطقة مناسباتهم واحتفالاتهم، وهذا يساعدنا كثيراً في التعرف على بعضنا البعض أكثر.”

ولدى الكرد والعرب أيضاً طقوس مشابهة لقصة “حانو قريثو”، حيث يصنعون دمية خشبية ويطوفون بها ويطالبون بتبرعات وتمسى لديهم “بوكا باراني” أو “عروس المطر.”

ويقول عزيز حنا (83 عاماً)، وهو من سكان قرية محركان: “في السنوات الجافة وقليلة المطر، كان الأطفال يصنعون دمية صغيرة ويدورون بها في كافة أنحاء القرية ويرشونها بالماء.”

ويضيف لنورث برس: “لهذه العادة جمل خاصة يرددها الأطفال طالبين نزول المطر ليحل الربيع وينبت العشب وتأكل المواشي وتعطينا ألبانها.”

إعداد: ريم شمعون – تحرير: هوكر العبدو