مَسَد في موسكو

على الرغم من الوشائج والصلات التي تربط مجلس سوريا الديمقراطية (مَسَد) بالتحالف الدولي وواشنطن، إلّا أنها قامت في الآونة الأخيرة بالتوجه إلى موسكو، إلى حيث يقيم أمين عام حزب الإرادة الشعبية، قدري جميل، حيث وقَّع الطرفان مذكرة تفاهم بنقاط واضحة وقليلة الالتباس، ويبدو أن الطرفين لم يرجئا بعض النقاط إلى مرحلة لاحقة على جري العادة حين تقوم أطراف معارضة بالاتفاق على وثيقة تحالف أو عمل مشترك أو انضمام، والمآل أن وثيقة مَسَد والإرادة الشعبية بدت أقرب للمواثيق التي تأخذ بالعموميات وتتجاهل التفاصيل.

لا تتصرّف مَسَد وفق بوصلة المطالبات الكردية وحسب، بل تتحدث وتعمل بوصفها إطاراً سياسياً سورياً معارضاً، هذا يبعدها عن مماثلة الأحزاب والتجمّعات القومية الكردية، رغم الحضور الكردي الوازن في هيئاتها وتشكيلها، بل إنّ مَسَد تجاوزت مرحلة سابقة كانت فيها تعبيراً عن قوى مكانية تخصّ شمال وشرق سوريا، بالمثل لم يعرف عن “الإرادة الشعبية” أي ميلٍ تفضيلي للقضية الكرديّة في سوريا على باقي القضايا، بل إنّه لا يكاد يُعرَفُ عن رئيس الحزب ومحرّكه، قدري جميل، بأنه سليل عائلة جميل باشا الدياربكري، التي كان لها أدوارٌ قومية كردية مبكّرة مطلع القرن العشرين، فضلاً عن دورها  الرئيسيّ في تأسيس جمعية خويبون، لا سيّما أكرم وقدري جميل باشا، لكن ورغم ذلك لا يتحرّج جميل وحزبه من دعم قضايا كرد سوريا.

في مجمل الأحوال، التفاهم ليس مبنيّاً على “الورقة الكرديّة” بل إنها لا تعدو تفصيلاً في سلّة التفاهم بين الجانبين، ذلك أن الجانبان المتفاهمان يرميان إلى توسعة القطب المعارض الذي يعمل خارج قوس المصالح التركية، وتدوير بعض زوايا تحالفاتهما الدولية مع أنّ الافتراض كان ليقودنا إلى صعوبة حصول تفاهم بين حزب الإرادة الشعبية المدعوم روسياً، ومَسَد المدعومة أمريكياً، والمفارقة أن ورقة التفاهم شدّدت على إنهاء الاحتلالات في إشارة إلى الاحتلال التركي، ذلك أن توصيف الحضور الروسي والأمريكي لا يُحتَسَبُ احتلالاً بناءً على نصوص القانون الدولي، رغم تعدد الآراء والشروحات حول وصفهما دولتين محتلّتين، والحال تبقى تركيا هي الدولة الوحيدة التي أشار إليها الطرفان بوصفها قوّة محتلّة رغم عدم قول ذلك جهاراً، وبطبيعة الحال، فهمت تركيا معاني عقد وثيقة تأسيسية بين من تصنّفه أنقرة في قائمة الأعداء (مَسَد)، الأمر الذي حذا بالقيادة التركية إلى مخاطبة موسكو كجهة راعية للاتفاق ومطالبتها بالكفِّ عن تأييد مَسَد، فيما لم تُسعِف موسكو كلمات أمين عام الإرادة الشعبية في مستهلّ كلمته المتلفزة قبل قراءة بنود وثيقة التفاهم حين شدّد على أنّ التفاهم حصل بإرادة سورية وطنية ودون تدخّل أي جهة دولية، حيث أن تركيا مع دعمٍ روسي أو من دونه ستطلب إبطال التفاهم وعزل مَسَد التي تعتمد سياسة “الأبواب المفتوحة”.

من موسكو، أسمَعت مَسَد الأطراف المُعترِضة على اللامركزية إمكانية قول شيء في هذا الصدد، حيث أقرَّ حزب الإرادة الشعبية باللامركزيّة رغم تصريح أمينها العام بأنها كانت من “أبرز العقبات” التي واجهت الطرفين، وقد يكون هذا الإقرار تلويحاً روسياً بإمكانية استيعاب هذا المطلب الكرديّ الصميم رغم اعتراض النظام المتواصل، وإن حاولنا إساءة الظنِّ فإنه قد تكون رغبة موسكو في دعم التفاهمات التي تتبنّى اللامركزية إمعاناً في الضغط على أنقرة، في حين حُسنُ الظنِّ يفترض قول الآتي: إن روسيا قد قطعت الأمل بأي دور تركيّ يساهم في إنهاء النزاع، وبالتالي لا بُدَّ من العمل في المساحات السياسيّة والاقتصادية الخصبة كشمال شرق سوريا ومع شركاء محليين مُحتَملين كالإدارة الذاتية ومَسَد وربّما قوات سوريا الديمقراطية (قَسَد)، الأمر الذي يؤمِّن مصالح موسكو سواء أضرَّ الأمر بتركيا أم أثار غضبها.

سعي مَسَد المتواصل إلى استمالة موسكو لم يتوقف رغم الجفاء الذي أبدته الأخيرة والمبنيّ على رفضها التعاون بين قَسَد وواشنطن. إلى ذلك، تسعى مَسَد أيضاً إلى إيجاد توازن موضوعي بين واشنطن وموسكو، وهو الأمر الذي له ما يبرره، ذلك أن غموض استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا وإبقائها على مشروع سحب قواتها قائماً، في مقابل وضوح الاستراتيجية الروسية، الأمر الذي يدفع مَسَد إلى إقامة علاقات مع القوتين بما لا يؤدّي إلى تغليب مصالح إحداها على الأخرى، لكن الأمر الأهم بالنسبة لمَسَد هو الحصول على المقاعد المهمّة في هيئة التفاوض واللجنة الدستورية وطي صفحة الاستبعاد المديدة والمؤذية، ولعلَّ هذه المقاعد المحجوبة هي الشغل الشاغل للإدارة الذاتية ومَسَد، والتي إن نالتها فإنها ستجعلها جزءاً رئيسياً وفاعلاً من الحلَ فيما تسعى دول إقليمية إلى إبقائها خارج العملية السياسيّة وتصويرها على أنها “جزء من المشكلة.”

في مطلق الأحوال، انتزعت مَسَد نقطةً مهمةً في جولتها إلى موسكو، سواءً بتوقيعها مذكرة التفاهم ومحاولتها تشكيل قطب معارض أوسع قليلاً، أو من خلال إسماع صوتها لموسكو مجدداً، ومن موسكو لبقية الأفرقاء السوريين والأطراف المعنية بالملف السوريّ، لكن وفي مقابل ذلك تبقى مسألة الحضور على طاولتي التفاوض واللجنة الدستورية معقودةً على إصرار مَسَد على التواصل مع القوى الديمقراطية السوريّة أو تجميعها على الأقل، وإيجاد عنوانٍ جديد للمعارضة السوريّة عوضاً عن العنوان الحاليّ الباهت.