شركس منبج… من اضطهاد “داعش” إلى إحياء اللغة والتراث من جديد

منبج – صدام الحسن – نورث برس

تعرض الشركس في مدينة منبج، شمالي سوريا، والذين يعتبرون من أوائل من سكن المدينة، للاضطهاد والملاحقة طيلة فترة سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على منبج، حيث تفاقمت هجرة العائلات الشركسية من المدينة مع سيطرة  التنظيم عليها، إلا أن عدداً من العائلات عاد بعد طرد مسلحي “داعش” منها منذ أربعة أعوام.

وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد بدأت حملة عسكرية مدعومة جوياً من قوات التحالف الدولي في بداية حزيران/يونيو من عام 2016، لطرد تنظيم “الدولة” من منبج، وبعد معارك طاحنة دامت قرابة شهرين ونصف، تم الإعلان في الـ/15/ من آب/ أغسطس من العام نفسه عن طرد مسلحي التنظيم منها.

وقال إسماعيل إسحاق (55 عاماً)، وهو من سكان منبج، إنهم كشركس تعرضوا للظلم في فترة سيطرة “داعش” على المدينة، “بل إن الاضطهاد بحقنا كان أكثر من المكوّنات الأخرى، لأنهم كانوا يحسبوننا مؤيدين للحكومة السورية”.

وأضاف أن أغلب شباب الشركس في منبج هاجروا إلى خارج سوريا خلال فترة سيطرة تنظيم (داعش)، “بسبب الملاحقة من قبل التنظيم وسوقهم إما إلى الحرب (الجهاد) أو أخذهم عنوةً لحفر التحصينات على خطوط جبهات القتال”.

وينقسم الشركس، كغيرهم من مكوّنات المنطقة إلى عشائر، حيث تحتضن مدينة منبج حالياً خمس عشائر شركسية هي، “الأبزاك والقبرتاي والشابسوك والأبجدوغ  والتساي”، بحسب ما ذكره “إسحاق”.

 ويقول مسنّون شراكسة إن آباءهم هُجِّروا من موطنهم الأصلي في القوقاز على يد روسيا القيصرية منذ ما يقارب مئة وخمسين عاماً، “واتجهنا  في بادئ الأمر للاستقرار في تركيا ثم غادرناها إلى سوريا”.

وذكر “إسحاق” أن الشركس “توزعوا في أغلب المدن السورية كحلب ودمشق وحمص ومنبج وخناصر التابعة لناحية السفيرة في حلب، وهناك قسمٌ توجّه للعيش في الأردن”.

ولفت إلى أن “عدداً قليلاً من الشبان الشراكس” بقوا في منبج أثناء المعارك التي دارت بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي ومسلحي تنظيم “داعش” في العام 2016، “وكان لهؤلاء الشباب دورٌ في مساعدة ما تبقى من كبار السن وتأمين الطعام والشراب لهم”.

لكن عائلات من المكوّن الشركسي عادت إلى منازلها في منبج بعد طرد تنظيم “الدولة” من منبج، بحسب “إسحاق” الذي زاد: “لدي جيران من التركمان والكرد والعرب، نعيش في حي التبة كعائلة واحدة، ونتشارك كل شيء”.

ويتوزع المكوّن الشركسي في مدينة منبج، على عدة أحياء أبرزها التبة وعينتاب وطريق حلب، حيث يمتلكون أراضي ضمن المدينة، بينما “لا تزال العوائل الشركسية تمتلك قرابة نصف الأراضي في مدينة منبج كونهم هم من أسسوا المدينة في التاريخ الحديث”، على حدِّ قول إسماعيل إسحاق.

ويعملُ قسمٌ من شركس منبج في المهن الصناعية كتصليح الأجهزة الإلكترونية والحدادة والتمديدات الصحية وصيانة السيارات، فيما يعمل القسم الآخر في مؤسسات الإدارة المدنية.

من جانبها، قالت رويدة سليمان (40عاماً)، وهي من عائلة شركسية تسكن في حي التبة وسط مدينة منبج: “تربطنا علاقات جيدة مع جميع عائلات الحي، أعتبر جارتي العربية أو الكردية أو التركمانية بمثابة أخت لي”، على حدٍّ تعبيرها.

 وأشارت إلى أن عدداً من العائلات الشركسية جاءت إلى مدينة منبج قبل عام قادمةً من مدينة خناصر، “كانت عدد العائلات الشركسية  قبل ذلك يبلغ /50/ عائلة، حالياً يتراوح عددهم ما بين /130/ إلى /140/ عائلة”.

وأضافت أن اللباس التقليدي واللغة والرقص الشعبي وجميع عادات وتقاليد الشركس لا تزال حاضرة في المناسبات، “لا نزال محافظين عليها ونسعى إلى تعليمها لأطفالنا ونقلها للأجيال القادمة خوفاً عليها من الاندثار والضياع”.

وتلعب الجمعية الشركسية في مدينة منبج دوراً فاعلاً في دعم جميع الأنشطة المتعلقة بالشركس، من خلال تنظيم دورات تعليم اللغة الشركسية، وإقامة نشاطاتٍ ثقافية واجتماعية، للمحافظة على العادات والتقاليد والتراث للمكوّن.

وقال محمد حباق، وهو مدير الجمعية الشركسية في مدينة منبج، إن الجمعية تهدف بالدرجة الأولى إلى “المحافظة على التاريخ والعادات والتقاليد الشركسية وتعليمها للأطفال”.

 وكانت الجمعية الشركسية قد نظَّمت، في تموز/يونيو من العام الماضي، معرضاً للأدوات التراثية القديمة التي استخدمها الشركس في بداية قدومهم إلى مدينة منبج، إضافةً لقطع من الثياب يدوية الصنع من التراث الشركسي.

كما قامت الجمعية، بعد تأسيسها في السادس من أيلول/سبتمبر 2018، بافتتاح العديد من الدورات لتعليم اللغة الشركسية، بالإضافة لدوراتٍ لتعليم الرقص الشركسي، “كما أننا بصدد افتتاح دورات تعليمية للحاسوب”، بحسب “حباق”.

كما أن الجمعية تقوم بأدوار اجتماعية كالمساهمة في حلِّ الخلافات وتقديم العون لعائلات تعاني من ضعف الإمكانات المادية، “فهي بمثابة الأم لهم، نحلُّ خلافاتنا ومشاكلنا ضمن الجمعية، إضافةً إلى أننا نقوم بتقديم المساعدة لبعض الأُسَر التي فقدت معيلها”، على حدِّ قول رئيس الجمعية.