عودة سكان في ريف الرقة إلى تشييد البيوت الطينية

الرقة – أحمد الحسن – نورث برس

عاد سكان من ريف الرقة، شمالي سوريا، هذا العام إلى استخدام “اللَّبِن” الطيني الذي كان يُستخدم قديماً في بناء المنازل، وذلك لانخفاض تكلفته بالمقارنة مع مواد الإسمنت والحديد وغيرها من مستلزمات البناء الحديث التي شهدت ارتفاعاً في أسعارها.

 ويحتاج إعداد “لَبِنات البناء” إلى مواد رخيصة من البيئة المحلية كالتراب والقش المتبقي بعد حصاد محاصيل القمح والشعير، إلى جانب مصاريف لتأمين المياه والأيدي العاملة.

وقال عمار السعادي (32 عاماً)، وهو من سكان قرية رويان، /30/ كم غرب مدينة الرقة، إنه لجأ لاستخدام الطين في البناء بسبب الغلاء الكبير الذي شهدته مواد البناء من إسمنت وحديد وغيرها، “إذ وصل سعر الواحدة من بلوك الإسمنت إلى /350/ ليرة سورية”.

وأضاف أن الظروف المادية الصعبة التي يعاني منها السكان هي السبب وراء عودتهم لاستخدم اللَّبِن الطيني في البناء، “فمعظم سكان ريف الرقة هم من العمال وأصحاب الدخل المحدود، حيث أصبح امتلاك غرفة إسمنتية حلماً لدى الكثيرين من الشباب ولم يبقَ أمامهم بديل سوى الطين”.

وكان سكان ريف مدينة الرقة يعتمدون في السابق على “اللَّبِن” في بناء منازلهم، ليتحوّلوا خلال العقود القليلة الماضية تدريجياً إلى البناء الإسمنتي، ولتقتصر الغرف الطينية في معظم الأحيان على حظائر المواشي والدواجن وغرف المؤونة، لكن عائلات كثيرة عادت هذا العام للاعتماد على المواد التقليدية في ظل الظروف المعيشية المتدهورة وغلاء مستلزمات البناء.

ولفت “السعادي” إلى أن اللَّبِن لا يحتاج  سوى لأيدي عاملة لتأمين التراب من أطراف القرى والقش من الأراضي المحصودة، “كما أن بعض السكان يعتمدون على نظام التعاون في تصنيعه، فيساعد الجار جاره  لتوفير التكاليف”.

لكن بعض الشباب بريف الرقة انتهزوا فرصة عودة السكان للعمران التقليدي، لتوفير فرص عمل لهم في صناعة “اللَّبِن” التي تبدأ صناعتها في بداية شهر أيار/مايو بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، فشكّلوا ورش عمل صغيرة لتصنيع اللَّبِن وبنائها وطلائها.


وقام محمد العواد (28عاماً)، وهو من سكان مدينة الرقة، مع أخوته الثلاثة بتشكيل ورشة صغيرة لصناعة اللَّبِن الطينية، “نبيع اللبنة الواحدة بـ/50/ ليرة سورية، كما نقوم ببنائها بأجرة /50/ ليرة للواحدة منها، اتخذنا من هذا العمل منذ بداية الصيف مصدراً للدخل”.

ويرى العواد أنه، إلى جانب التكلفة القليلة لبناء الغرف من اللبن الطيني، فإن “لديها مقاومة للعوامل الجوية وتناسب طقس المنطقة، لأنها تحتفظ بالبرودة صيفاً والدفء شتاءً، وهذا سبب آخر لإقبال السكان عليها”.

 وتقوم هذه الورشات بشراء شاحنة من التراب المخصص للبناء بحوالي /13/ ألف ليرة، ليخلط التراب مع التبن والماء، ويترك لمدة يوم أو يومين، ويتم بعدها عجن الطين ووضعه في قالب خاص ينتج قطعاً متساوية تبلغ سماكتها /15/ سم، بعرض//20 سم وطول/40/ سم، ثم يرفع القالب لتجف اللَبِناتُ تحت أشعة الشمس وتكون بعد ذلك جاهزة للبناء، بحسب عمال من ريف الرقة.

ويأتي هذا التوجه من سكان المنطقة بسبب غلاء مستلزمات البناء الإسمنتي، وهو ما تسبب بكساد في عمل تجار وعمال يعتمدون عليها في دخلهم.

وقال محمد العيسى (31عاماً)، وهو صاحب معمل لصناعة مواد البناء الحديثة في مزرعة تشرين،/35/ كم شمال مدينة الرقة، إن العمل في مجال مواد البناء الإسمنتي لم يعد مربحاً، ” بسبب غلاء مواده الأساسية من إسمنت ورمال ومصاريف المولدات، وذلك بعد ارتفاع سعر صرف الدولار وانهيار قيمة الليرة السورية”.


ويبلغ ثمن كيس الإسمنت /10/ آلاف ليرة سورية والذي يكفي لصناعة/60/ بلوكة، هذا بالإضافة لأجرة العمال ومصاريف النقل والمحروقات اللازمة لعمل المولدات”، بحسب العيسى.