الحجر المنزلي.. فنانة من عفرين تنتج قطعاً فنية تحاكي الأدوات التراثية
نورث برس
"وجود حافز في الحياة هو ما يدفعني لتحمّل واقع مفروض"، بهذه العبارة تصف بيريفان حموش لـ "نورث برس" إقبالها الإبداع الفني خلال فترة الحجر المنزلي في حي الشيخ مقصود بحلب، المفروض كإجراء وقائي من مخاطر انتشار فيروس كورونا المستجد منذ 23 آذار/ مارس الفائت.
بيريفان حموش(29 عاماً) ، فنانة تشكيلية تنحدر من قرية "زاركو" بناحية راجو في منطقة عفرين، استطاعت أن تجعل من عبارة "خليك بالبيت" مصدر إلهام لها للمواظبة على صناعة الحُلي وأعمال يدوية فنية أخرى، تعتبرها علاجاً مما تعرضت له من معاناة خلال السنوات الماضية.
" من الممكن أن تظهر المشاكل الاجتماعية والنفسية وحتى الصحية خلال فترة الحجر، لو لم تستثمر بما هو مفيد للفرد".
نقوش من الذاكرة
تنشغل حموش حالياً بمتابعة مشروعها لإحياء التراث الثقافي الكردي، ولا سيما الأعمال اليدوية المنزلية التي دأبت الأمهات في عفرين على إنجازها.
تتذكر حموش مجالسة جدتها وأمها منذ صغرها، وأسئلتها عن كل ما يثير انتباهها في البيت من أعمال تحتوي خياطة وتطريزاً وكيفية صناعة النول وأدوات تستخدم في المطبخ.
الآن أيضاً، لا تزال تقضي بعض أوقاتها مع مسنات في الحي، فهي إلى جانب مساعدتها في التوعية الصحية والاجتماعية لكومين حارتها بحي الشيخ مقصود، تستمع لأحاديثهن حول الأعمال اليدوية التي كن يعملن عليها في شبابهنّ، وتحاول أن تنتبه لكل تفصيل يخص النساء الكرديات، ليظهر ذلك جلياً في لوحاتها التشكيلية وقطعها المنجزة بحرفية.
تتذكر أيضاً في هذه الأيام ربيع عفرين الذي كان بنظرها موسماً للفرح والألوان والنشاط، "وهو ما غذّى ذاكرة جداتنا وأمهاتنا وذاكرتي بالكثير من الأفكار في أعمالنا اليدوية".
علاج ذاتي
كانت حموش قد بدأت بصناعة الحلي اليدوية منذ التحاقها بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلب في العام 2010، لتواظب على ارتياد أسواق حلب القديمة لجلب المواد الأولية من فضة وبرونز وخرز والذي كان يتوفر آنذاك بكثرة وبأسعار مقبولة بهدف إنتاج أولى قطعها الفنية.
لكنها عانت من صعوبات في الحصول على المواد الجيدة بأسعار مناسبة، بعد الانتقال للسكن في عفرين إثر اضطراب الأوضاع الأمنية بمدينة حلب في بداية الحرب السورية، فعزمت على فتح محل لصناعة الحُلي، لم تهنأ به هو الآخر بسبب هجمات الجيش التركي والفصائل المسلحة التابعة له وسيطرتها على مدينتها في 18 آذار/مارس 2018، الأمر الذي أجبرها على النزوح نحو ريف حلب الشمالي كمعظم المهجرين، حتى انتقالها لحي الشيخ مقصود في صيف العام 2018.
"كنت بحالة ضياع وغضب ويسيطر علي شعور عدواني، فقررت أن أبدأ بعلاج نفسي من خلال ترجمة تلك المشاعر السلبية لأشياء جميلة وإفراغها عبر تنفيذ الاكسسوار والرسم، ولأن المعدن يدخل في صناعة الاكسسوار والتعامل معه يتطلب صلابة وجلادة، فقد ساعدني ذلك على تفريغ الشحنات السلبية، وجعلني أتحرر منها وأركز على المتابعة بمسيرتي الفنية في التصميم إلى جانب الفن التشكيلي"
التراث سلاح للبقاء
شاركت بريفان في عدة معارض جماعية وفردية للفن التشكيلي بين العامين 2010 و2015، من بينها معارض في حلب وعفرين وكوباني في سوريا، وفي عينتاب وأورفا في تركيا، بالإضافة إلى معرض art for peace في باريس 2012.
أما معارض الأعمال اليدوية فقد شاركت في معرض شيراتون حلب عام 2019، ومعرض أدب وفن المرأة في القامشلي للعام 2020، كما نفذت أعمال جدارية للمدارس، من بينها أعمال ديكور ورسم جداريات لكافيه مولايه أورفا في العام 2014، ولمركز نوبال للأيتام عفرين عام 2017.
" لا أكرر القطعة نفسها مرتين، الأمر يعكس شخصيتي في عدم تكرار نفسي، أحب البحث عن الجديد في كل شيء، وهذه ميزة قطعي في المعارض التي شاركت بها".
تسعى حموش لتحقيق مشاريع تتعلق بورشات ودورات تدريبية على الأعمال اليدوية للأطفال والشباب، بهدف الحفاظ عليها وطرحها كمهنة وليس كهواية فحسب، والتي من الممكن أن تصبح واجهة لسياحة المنطقة.
"اعتدنا أن تكون الأعمال اليدوية والمتعلقة بالتراث الشعبي حكراً على أمهاتنا ونساء مسنات، لذا أحاول أن أرغب الصبايا الصغار بها، لأجل الحفاظ على الإرث الثقافي والتراث المادي، فقيمة تلك الأشياء تسترد من خلال الأعمال اليدوية التي بدأت تضمحل، هي سلاح للبقاء وللحفاظ على هوية المنطقة".
وعملت الفنانة كمدرّبة رسم في مركز مفاتيح بمدينة أورفا خلال العام 2014، وكذلك في مركز الثقافة والفن في عفرين في العام 2017، وفي مركز جميل هورو بين عامي 2018 و2019، وحصلت على شهادة تقدير للتدريب النفسي من قبل لهيئة الطبية الدولية IMC عام 2015بعد اتباعها دورة للدعم النفسي للأطفال ومعالجة عدة حالات عن طريق الرسم.
إعادة تدوير
وانطلاقاً من قناعتها بأن رسالة الفنان هي إعادة خلق الأشياء والأماكن لاستعادة جمالها، تقوم حموش حالياً بإعادة تدوير الأشياء المستعملة لاسيما بعد صعوبة الحصول على المواد الأولية لغلاء أسعارها وعدم توفرها، تقول "عندما عدنا لمنزلنا بالشيخ مقصود، كان من الصعب تأمين احتياجاتنا الأساسية، فخطر ببالي أن أقوم بإعادة تدوير لبعض الأشياء كالمواد البلاستيكية والكراتين لاستخدامها ضمن الديكور والزينة".
تعتمد على الخرز والمعدن وأعواد الزيتون والياسمين والورق لإنجاز قطعِها، وإلى جانب عملها في الحُلي وبعض قطع الزينة للمنزل، استطاعت أن تصنع حقائب يدوية أيضاً، "والتي تكون بالأساس قطعة قماش أرسم عليها ثم أخيّطها ثم أوزّع الخرز والمعادن عليها للزينة، محاولة الجمع بين الحداثة والفلكلور في تصميم الحقيبة، فأستوحي الرسومات المنفّذة عليها من مشاهد فلكلورية ورموز تراثية مع خياطة حديثة".
نفذت بريفان حموش منذ بدء الحجر المنزلي في 23 الشهر المنصرم /30/ لوحة فنية، بقياسات متوسطة وصغيرة، وعشرة حقائب، والكثير من قطع الإكسسوار والزينة الأخرى.
وتعمل بيريفان إلى جانب ذلك أيضاً على بحث حول الأعمال اليدوية التي تميزت بها منطقة عفرين لدراسة رموزها ومعانيها وطرق الخياطة والنسيج، بقصد جمعها وتوثيقها بمجلد يحفظها من الضياع.