إدلب ـ نورث برس
يتواصل التوتر بين "هيئة تحرير الشام" وغرفة عمليات "فاثبتوا" في منطقة إدلب شمال غربي سوريا، خاصة بعد الاتفاق الأخير بينهما على وقف إطلاق النار بوساطة من فصيل "التركستان".
وقال مصدر مقرب من "الهيئة" والذي يتخذ اسماً وهمياً "أيمن الإدلبي" لأسباب أمنية لـ "نورث برس"، إن "الجولاني متزعم (الهيئة) يخشى من غرفة (فاثبتوا) وخاصة من أبو مالك التلي الذي يرى نفسه أحق من الجولاني بقيادة الهيئة وتصدر المشهد نظراً لتاريخه الجهادي القديم مع تنظيم القاعدة".
خلاف اقتصادي
وأشار إلى أن "خلافاً اقتصادياً يطفو على السطح وهو ليس بجديد، خاصة عندما بدأ التلي باستثمار أمواله بمشاريع خارج الهيئة، كون الأخير يملك ثروة من صفقة راهبات معلولا".
وفي العام 2013 عندما كان "التلي" يشغل منصب أمير "جبهة النصرة" تقاضى ملايين الدولارات لقاء الإفراج عن "راهبات معلولا" اللواتي اعتقلهن في القلمون بريف دمشق.
وأضاف "الإدلبي" أنه "بعد عودة التلي إلى إدلب، بدأ باستثمار الأموال خارج نطاق الهيئة مما يجعله قادراً على جذب عدد كبير من القادة والعناصر، وعندها بدأت الخلافات بين الجولاني والتلي إلى أن تطورت، وأدى ذلك إلى اعتقال التلي منذ نحو أسبوع، وكل ذلك تفسيره صراع الشخصين على قيادة الساحة الجهادية في المنطقة".
وترى مصادر مطلعة أن "التلي" لم يقبل بتسليم الدولارات التي قبضها بقضية الراهبات للجولاني مفضلاً الاستثمار فيها، وأنه "عندما اختار الانشقاق عن الهيئة واللجوء إلى المجموعات الجهادية التابعة للقاعدة كانت هذه ضربة لا يحتملها الجولاني الذي كان يفتخر دائماً بفصيله القوي واعتماده على التنظيم الدقيق في صنع جماعة سنية تقارع النظام".
وأشار المصدر إلى أن "التلي يستثمر أمواله بمطاعم وشركات صرافة وتحويل أموال، إضافة للعمل في مجال التجارة على مستوى واسع، وأن طمع الجولاني بأموال التلي نابع من نية الجولاني إضعاف التلي وجعله غير قادر على المنافسة بقيادة أي تنظيم".
وفيما يخص السيناريوهات المتوقعة حتى في ظل الاتفاق الأخير على وقف المواجهات، قال "الإدلبي"، إن "السيناريو المتوقع بحال استمر الخلاف استمرار الاقتتال، ويرجح انتصار (الهيئة) كون المعارك ليست من صالح فصيل (حراس الدين) كونهم يعرفون أنها إذا استمرت فهم إلى زوال، وبالنسبة لزعيمهم المعتقل يفضلون زعيماً آخراً على أن يبقوا في المنطقة ولا يتم القضاء عليهم".
وأضاف أنه "إضافة لكل الخلافات بين التلي والجولاني، لكن (الهيئة) تريد تقديم قرابين للمجتمع الدولي وإظهار نفسها بمظهر المعتدل للإبقاء عليها وتقبلها بأي حل سياسي جديد للمنطقة".
ويرجح مراقبون وقوف أطراف دولية مجهولة الهوية وربما عربية، في عملية خلط الأوراق الدائرة في المنطقة وتفضيل بقاء "الهيئة" المتصدر الوحيد للمشهد، لافتين إلى أن الموضوع أكبر من مجرد محاولة وضع "الجولاني" يده على أموال "التلي".
تركيبة غامضة
من جهته قال المحلل السياسي المقيم في منطقة إدلب "مأمون السيد" لـ "نورث برس"، إن "المشكلة لدينا أن تركيبة التنظيمات مثل (هيئة تحرير الشام) و(حراس الدين) هي تركيبة غامضة وهي تنظيمات سرية لذلك من الصعب استشراف سياستها خاصة أن موضوعها له تشابكات دولية".
وأضاف أنه "من الواضح أن (هيئة تحرير الشام) تقوم بتغييرات جوهرية في منهجها ولدينا انعطافات قوية في مسيرتها من فصيل جهادي عالمي يبايع (القاعدة) في 2014، وصولاً إلى التحول نحو تنظيم محلي يحارب في 2020 تنظيم (القاعدة) في المنطقة وهو تنظيم حراس الدين".
وتابع "السيد" أنه "شاهدنا في الفترة السابقة دوراً مهماً لـ(هيئة تحرير الشام) في المعارك من ريف حلب الجنوبي وحتى المعارك الأخيرة، حيث كانت ذراعاً لتنفيذ استراتيجيات واتفاقيات لدول في المنطقة والموضوع أكبر بكثير من موضوع أموال يختلف عليها".
ورأى أنه "ربما لدى الجولاني استشراف للمستقبل فهو يريد أن يعيد هيكلة التنظيم ليكون مقبولاً للعالم بهدف أن يكون جزء من التركيبة القادمة في سوريا ضمن مناطق سيطرته، وذلك عندما ينضج تطبيق الحل السياسي لسوريا والذي يسير قدماً في خطوات واضحة".
ويحاول الجولاني تقديم نفسه "كبديل قادر على مسك الملف الجهادي وملف المهاجرين في المنطقة والمساهمة في حله، وأعتقد أنه يتمثل بتجربة طالبان وهو معجب بها، حيث اضطر الأمريكان لمفاوضتها كأمر واقع وهذا ما تكلم عنه، مظهر الويس، أحد منظري الهيئة في اجتماع مفتوح في إدلب منذ فترة"، بحسب "السيد".
وأشار إلى أن "هنالك موضوع مهم يتعلق بالبنية الأيديولوجية لهكذا تنظيمات وهو أنها تؤمن بموضوع التغلب، أي يجب أن يكون لديك قوة وحيدة مسيطرة في المنطقة أي لديك أمير لا أميرين لها".
وعن السيناريو المتوقع في ظل حدة التوتر بين الطرفين في إدلب، قال "السيد" إنه "لا أتوقع أن تستمر المعارك نحو الحسم العسكري فذلك سيضعف التنظيمين القويين إلى درجة الإنهاك، وكلا الفريقين لا يريد الوصول إلى معركة استئصال الآخر إلا إذا كان هنالك قرار دولي في الموضوع، حيث وجدنا بنفس وقت معارك التنظيمين كان التحالف يستهدف بالمسيَّرات قيادات مهمة من تنظيم حراس الدين".
وكان طيران تابع للتحالف الدولي استهدف قبل أيام القيادي في "حراس الدين" والمدعو "أبو القسام الأردني" والذي قضى متأثراً بجراحه، كما طال الاستهداف أيضا القيادي "أبو عدنان الحمصي" في منطقة إدلب.