كوباني.. مصير مجهول لمئات الأشخاص المختطفين منذ 11 عاماً

فتاح عيسى – كوباني

بعد مرور أحد عشر عاماً على اختفاء ذويهم في مدينتي كوباني ومنبج على يد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أحيت رابطة “مشته نور” لذوي المختطفين لدى “داعش” في فعالية نظمت في مقرها بمدينة كوباني، يوم أمس السبت.

واختطف تنظيم “داعش” خلال عامي 2013 و2014 أكثر من 550 شخصاً ينحدرون من كوباني وريفها، شمالي سوريا، وفق توثيق لجان ومنظمات حقوقية، حيث ما زال مصيرهم مجهولاً بعد نحو ست سنوات من دحر التنظيم المتطرف من آخر معاقله في الباغوز بريف دير الزور، شرقي سوريا.

“كانوا أطفالاً عندما اختُطف والدهم..”

بصوتٍ يعتريه وجع الفقد وأملٌ لم يخفت رغم مضي أحد عشر عاماً، تستعيد جليلة علي، من سكان كوباني، تفاصيل اختطاف شقيقيها الاثنين على يد تنظيم “داعش”.

وتقول بحرقة: “كانوا أطفالاً عندما اختُطف والديهم، والآن يدرسون في الجامعة وما زالوا ينتظرون خبراً عنهم”، في إشارة إلى أبناء شقيقها المهندس أحمد مشو علي، الذي اختُطف عام 2013، إلى جانب أبناء شقيقها الأصغر إدريس.

وتضيف، لنورث برس، أن شقيقها المهندس أحمد مشو علي من مواليد 1969 تم اختطافه (اعتقاله) في المنطقة الواقعة بين الرقة وتل أبيض عام 2013، بينما تم اختطاف شقيقها الأصغر ادريس مشو علي من مواليد 1980، من منزله في مدينة الرقة في الساعة العاشرة ليلاً عام 2013.

وبحسب مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، فإن تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) قام بعملية اختطاف في شباط / فبراير عام 2014 استهدفت 160 مدنياً من كوباني, كانوا يتوجهون إلى معبر سيمالكا الحدودي مع كردستان العراق، لكن التنظيم اختطفهم بالقرب من قرية عالية القريبة من تل تمر شمال غربي مدينة الحسكة.

وفي الخامس عشر من أيلول/ سبتمبر2014، شن التنظيم هجوماً واسعاً على مدينة كوباني, واستخدم فيها كل ما أوتي من قوة للسيطرة على المدينة وريفها.

وتضيف علي أن أبناء شقيقيها كانوا أطفالاً عندما اختطف والدهم، وهم الآن يدرسون في الجامعة، وما زالوا ينتظرون خبراً عنهما.

وتشدد “علي” أنه على الحكومة الجديدة في دمشق “الاهتمام بهذا الموضوع الإنساني، لأن ذوي المختطفين ما زالوا على أمل اللقاء بهم”، مطالبة بالعمل على كشف مصير هؤلاء الأشخاص سواء أكانوا أحياء أو أموات.

وتشير إلى أنهم على علم بأن هناك سجون كثيرة منها لدى “داعش” ما زال فيها سجناء، آملة بأن يعود هؤلاء المفقودين إلى ذويهم.

وتبين جليلة علي أن عائلتهم تضررت بشكل كبير، وتذكر أن والدتها ماتت مفجوعة باختطاف شقيقيها، وأن أطفالهم ما زالوا يبكون على مصير أبائهم، وهم عانوا كثيراً وهم يكبرون بدون أب (والد).

12 معلماً.. لا يزال مصيرهم مجهولاً

من جهته يقول بكري علي وهو شقيق مختطف لدى “داعش”، إن شقيقه عصمت علي والذي كان مدير مدرسة ابتدائية في كوباني، اختطف رفقة 11 معلماً (مدرساً)، عند مفرق جسر قره قوزاق في السابع من شهر أيار/ مايو عام 2014، أثناء ذهابهم إلى مدينة حلب من أجل استلام رواتبهم.

ويضيف “علي” لنورث برس أنه تم نقل المختطفين أولاً إلى مدينة منبج، ثم جرى تحويلهم إلى منطقة تقع بين منبج والباب، مشيرًا إلى أن بعض السجناء الذين أُفرج عنهم لاحقًا أبلغوهم بهذه المعلومات.

ويتابع: أن المختطفين نُقلوا بعد ذلك إلى سجن داخل مدرسة في قرية “دبسي عفنان”، وأن أحد المفرج عنهم من أبناء المكوّن العربي أفاد بأن جميع المعلمين كانوا لا يزالون على قيد الحياة داخل السجن، على حد قوله.

ويبين بكري علي أنه حتى عام 2017 كان شقيقه حياً، وبعد أن “حررت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مدينتي الطبقة والرقة، انقطعت أخبارهم.

ويطالب ذوو المختطفين الإدارة الذاتية والحكومة الجديدة في دمشق بالعمل لكشف مصير هؤلاء الأشخاص سواء أكانوا أحياء أو أموات.

580 مختطفاً من كوباني لدى “داعش”

من جهته يقول محمود زيتو وهو إداري في رابطة مشته نور لذوي المختطفين لدى “داعش” في كوباني ومنبج، إن الرابطة وثقت أسماء 580 مختطف لدى “داعش” من أهالي كوباني ممن كانوا يسكنون في مدن كوباني ومنبج والرقة.

وتأسست رابطة مشته نور عام 2019، كلجنة من قبل ذوي المعتقلين والمختطفين، ثم حصلت على رخصة من قبل الإدارة الذاتية وعملت كرابطة “مشته نور” لذوي المختطفين في كوباني ومنبج.

ويضيف “زيتو” وهو أيضاً شقيق أحد المختطفين، أن هدف الرابطة من تنظيم فعالية استذكار مرور أحد عشرة عاماً على اختطاف أقربائهم لدى “داعش”، هو أن يبقى ذوي المختطفين على تواصل معهم من أجل مشاركتهم بآخر المعلومات المتعلقة بمصير هؤلاء المختطفين.

ويذكر زيتو أن أغلب المختطفين تم اختطافهم بشكل مجموعات، منهم من تم اختطافهم من سيارات الأجرة التي كانت من المقرر الذهاب إلى العراق، وتم اختطافهم في منطقة “المبروكات- المبروكة”، حيث تم اختطاف 12 سيارة أجرة (سرفيس) فيها 147 شخصاً.

ويشير إلى أنه تم اختطاف مجموعة من المعلمين والمدرسين على طريق حلب، وكذلك هناك 72 شخصاً تم اعتقالهم من منازلهم في مدينة منبج، إضافة إلى أشخاص تم اعتقالهم بشكل فردي من على الدراجات النارية أو على الطرق وهناك كان من يرعى أغنامه تم اختطافه.

ويبين الإداري في المنظمة الحقوقية أن كل هؤلاء الأشخاص الذين تم توثيق اختطافهم هم من المدنيين ولا يوجد بينهم عسكريون أو مشاركون في الحرب.

ويذكر الإداري أنه حتى الآن لم يصلوا إلى أي معلومة مؤكدة حول مقتل هؤلاء المختطفين من قبل “داعش”، ولذلك فإن أملهم وشعار رابطتهم هو أنهم يبحثون عن “إبرة في كومة قش”، ولكنه يعتقد بنسبة ثمانين في المائة أن هؤلاء المختطفين ما زالوا أحياء.

ويقول زيتو إنهم على تواصل مع المنظمات الدولية المعنية بهذا الموضوع، مشيراً إلى أن منظمة العفو الدولية مثلاً قامت بنشر أسماء 13 مختطفاً لدى “داعش”، ثم نشرت 17 أسماً آخراً من المختطفين لدى “داعش”، معتبراً ذلك جزءاً من جهود الرابطة لتوثيق سجلات المختطفين، مضيفاً أنهم على تواصل مع منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من أجل مساعدتهم في كشف مصير المختطفين.

ونهاية حزيران/ يونيو 2023، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن تبنيها لمشروع قرار بإنشاء مؤسسة للكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرياً في سوريا.

وبحسب تقديرات مختلفة للأمم المتحدة، فإن عدد المفقودين  في سوريا منذ عام 2011 وحده يبلغ حوالي 100 ألف شخص ، لكن هناك مفقودين قبل هذا التاريخ، ويعتقد أن الأرقام الفعلية أعلى من ذلك.

تحرير: خلف معو