معارك الشمال السوري .. انهيار خطوط التهدئة ومواقف متعارضة
القامشلي – نورث برس
خلال يومين تمكنت “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل معارضة موالية لتركيا من السيطرة على معظم مدينة حلب وريف إدلب بالكامل وتقدمت في ريف حماة.
والأربعاء الفائت, أطلقت “تحرير الشام” و”الوطني” هجوماً واسعاً ضد مواقع قوات الحكومة السورية، شمال غربي سوريا.
وهذه أول مرة تدخل فصائل مسلحة إلى حلب منذ أن استعادت الحكومة السورية السيطرة الكاملة على المدينة في 2016.
وأسفرت المعارك عن مقتل 311 شخصاً، وفقا للمرصد السوري لحقوق الانسان، غالبيتهم مسلحون من طرفي النزاع، وبينهم مدنيون.
كما أدت المعارك إلى نزوح أكثر من 14 ألف شخص، نصفهم تقريباً من الأطفال، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
توقيت الهجوم
جاء موعد بدء هجوم الفصائل التي تنسق عملياتها ضمن غرفة عمليات مشتركة، في يوم سريان اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بين إسرائيل وحزب الله بعد نزاع دام لأكثر من عام على خلفية حرب غزة.
واستغلت الفصائل المدعومة من تركيا فرصة التحضير خلال فترة الحرب في غزة والتي كثفت إسرائيل غاراتها على مجموعات موالية لإيران في سوريا.
فيما قالت الفصائل المنضوية في الهجوم إنه يأتي في إطار “كبح جماح النظام الذي يهدد ببدء عمل عسكري على محافظة إدلب، ويصعّد القصف عليها بالمدفعية والصواريخ والطائرات الملغمة”.
وكانت آخر اشتباكات شهدتها هذه المناطق في آذار/ مارس 2020 بعد توقيع اتفاقية “سوتشي” بين تركيا وروسيا، إلا أنها كانت تشهد بين الحين والآخر خروقات من الجانبين تؤدي إلى وقوع ضحايا أغلبهم مدنيون.
ويرى الخبير العسكري العميد أحمد الرحال، إن الهجوم “ورقة ضغط تركية لإجبار النظام السوري بالموافقة على ملف التطبيع”.
ومطلع الشهر الفائت قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن الحكومة السورية ليست على استعداد للتوصل إلى اتفاق وإنهاء الصراع مع المعارضة السورية أو تطبيع العلاقات مع تركيا.
وكان مسار التطبيع التركي مع الرئيس السوري بشار الأسد قد وصل إلى طريق مسدود نتيجة إصرار الأخير على انسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية بصفته محتلاً.
وقال الرحال، في تصريح سابق لنورث برس، إن الهجوم العسكري لـ”هيئة تحرير الشام” والفصائل المتحالفة معها كان مخططاً له قبل شهرين وتم “تأجيلها من الجانب التركي”، على حد وصفه.
وأضاف أن “المستفيد الوحيد من الهجوم العسكري على مواقع النظام والإيرانيين هي أنقرة، مشيراً إلى أن أي تحريك للجبهات وأي ضغط على الجانب الروسي والإيراني والنظام سيتم استجداء ومراجعة الجانب التركي”.
كما أشار الخبير العسكري إلى أن “الجانب الأميركي كان يدفع لفتح عملية عسكرية ضد ميليشيات إيرانية وهناك إشارات بضوء أخضر أميركي لهذه العملية العسكرية”.
مواقف القوى الفاعلة
تأخر الموقف الرسمي الروسي حتى اليوم الثالث من بدء المعارك، وجاء على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا التي قالت إن قوى الغرب الكبرى مستمرة في ممارساتها وهجماتها العدائية ضد دمشق.
وأشارت إلى أن “سياسة قوى الغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا في نشر الفوضى عبر جماعات مسلحة وإرهابية، باتت مفضوحة”.
ومن جهته اعتبر المتحدّث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الوضع في حلب “انتهاك لسيادة سوريا”، معرباً عن دعم بلاده “للحكومة السورية في استعادة النظام في المنطقة وإعادة النظام الدستوري”.
فيما اعتبرت إيران الهجوم بأنه خرق لاتفاق آستانا بين كل من روسيا وإيران وتركيا.
والخميس الفائت، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إن حلب وإدلب وريفيهما جزء من مناطق خفض التصعيد بموجب اتفاقية آستانا وعملية الجماعات الإرهابية خرق للاتفاق.
وحذر بقائي من عودة أنشطة الجماعات “الإرهابية التكفيرية” في سوريا, داعياً إلى إجراء حاسم ومنسق لمنع انتشار “ظاهرة الإرهاب” في المنطقة.
وأشار المسؤول الإيراني إلى أن التحركات الأخيرة للجماعات الإرهابية في سوريا تأتي ضمن مخطط أميركي إسرائيلي لزعزعة استقرار المنطقة.
فيما شدد بيان للبيت الأبيض، الأحد، على أنه “لا علاقة للولايات المتحدة بهذا الهجوم الموسع الذي تقوده هيئة تحرير الشام، وهي مصنفة كمنظمة إرهابية”.
وقال شون سافيت، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، في بيان، إن رفض الرئيس السوري بشار الأسد الانخراط في العملية السياسية التي أقرتها الأمم المتحدة، واعتماده على روسيا وإيران، خلق الظروف التي أدت لانهيار خطوطه شمال غربي سوريا.
وأضاف أن بلاده تراقب الوضع في سوريا وكانت على اتصال مع عواصم إقليمية خلال الـ 48 ساعة الفائتة، داعياً إلى خفض التصعيد في سوريا وحماية المدنيين والأقليات عقب تطور الأحداث شمال غربي البلاد.
كما دعا المسؤول الأميركي إلى عملية سياسية جادة وموثوقة “يمكن أن تنهي هذه الحرب الأهلية مرة واحدة وإلى الأبد من خلال تسوية سياسية تتفق مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.”
واعتمدت دمشق إلى حد كبير على القوة الجوية الروسية وعلى حزب الله في الميدان لاستعادة مناطق واسعة خسرتها خلال الحرب لصالح فصائل معارضة.
لكن الهجوم الراهن يأتي في وقت تنشغل روسيا بحربها في أوكرانيا، وحزب الله بالضربات التي تلقاها خلال المواجهة الطويلة والقاسية مع إسرائيل.
وعلى الرغم من أن تركيا تعد الضامنة لمناطق خفض التصعيد من ناحية المعارضة، فلم يصدر عنها موقف رسمي يدعو لوقف الهجوم حتى الآن.
فيما نقلت رويترز عن مصادر أمنية تركية (لم تسمها) أن العملية تجاه حلب تقع ضمن حدود منطقة خفض التصعيد بإدلب التي اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا في 2019.
وفي الآونة الأخيرة، عقد عسكريون روس وأتراك عدداً من الاجتماعات في إدلب، ركزت على العودة للتهدئة وفتح طرق التجارة وطريق حلب – اللاذقية الدولي (إم 4)، وحلب – دمشق الدولي (إم 5) وذلك قبل انعقاد الاجتماع 22 لمسار آستانا في 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت.