حنين رمضان – دمشق
في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بسوريا منذ سنوات، وجدت الكثير من الفتيات أنفسهن مضطرات للبحث عن وسائل دخل جديدة وغير تقليدية. حيث برزت منصات البث المباشر مثل “بيغو لايف” كفرصة لتأمين دخل مادي يساعد على تلبية احتياجات الحياة اليومية.
إلا أن هذا الخيار رافقه تحديات، سواء كانت اجتماعية، أخلاقية، أو قانونية. في هذا التقرير، نسلط الضوء على تجارب بعض الفتيات السوريات اللاتي اخترن هذه المسار، ونتعرف على دوافعهن، التحديات التي يواجهنها، وتأثير هذه الوظائف على حياتهن.
راتب لا يكفي
فرح، خريجة كلية التربية واحدة من تلك الفتيات اللواتي تحدثت عن تجربتها لنورث برس قائلة: “حصلت على وظيفة كمدرسة في إحدى المدارس الابتدائية، لكن الراتب الذي أتقاضاه يأتي كل ثلاثة أو أربعة أشهر، ولا يكفي لتغطية احتياجاتي الأساسية”.
وتضيف: “لجأت إلى الإنترنت بحثا عن عمل إضافي، وتعرفت على برامج البث المباشر مثل “بيغو لايف”. في الحقيقة، لم أكن أتوقع أن يحقق لي هذا العمل عائدا ماديا جيدا، لكنني الآن مكتفية ماديا وأساعد أسرتي.”
مثل فرح، هناك فتيات أخريات رأين في منصات البث المباشر ملاذا اقتصاديا. أسماء، طالبة طب بشري، تواجه صعوبة في تأمين مصاريف الدراسة الباهظة، تقول: “البحث عن دخل إضافي أصبح ضرورة للطلاب هنا. بدأت البث المباشر باسم مستعار لأحصل على دخل يساعدني في تحمل مصاريف الجامعة.”
ما هو التطبيق؟
تطبيق بيغو لايف (Bigo Live) هو منصة بث مباشر اجتماعي تم إطلاقها في مارس 2016 من قبل شركة BIGO Technology، التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها. يتيح التطبيق للمستخدمين بث مقاطع الفيديو الخاصة بهم مباشرةً إلى جمهور واسع أو مشاهدتها.
ويستطيع المشاهدون التعليق على البث والتفاعل مع المضيفين عبر إرسال الهدايا الافتراضية، مثل الألماس والنقاط، التي يمكن تحويلها لاحقاً إلى مكافآت مالية.
ويمكن للمستخدمين التعرف على أشخاص جدد من جميع أنحاء العالم من خلال ميزة الفيديو الحي أو المكالمات الجماعية. كما يمكن كسب المال بناء على نشاطهم وعدد المتابعين والداعمين من خلال الهدايا الافتراضية التي يتلقونها.
يواجه التطبيق الكثير من المشاكل أيضاً، يمارس الاستغلال والابتزاز الجنسي للفتيات، “لذا غالبية الفتيات يدخلن باستخدام حسابات وهمية”، وفقاً لشهادات.
أما بالنسبة للتعاقد مع الوكلاء، فالفتيات يتواصلن مع وكيل من الشركة الداعمة للتطبيق ويتلقين الأموال عن طريق حوالات رسمية عبر شركة “الهرم” أو شركة “الفؤاد”.
“ليس خطأً”
على الرغم من الفوائد المادية التي تقدمها هذه المنصات، إلا أن العمل فيها ليس خاليا من المخاطر القانونية والاجتماعية. تقول ميس، خريجة كلية الاقتصاد، والتي لجأت إلى العمل في البث المباشر بعد معاناة من الأجور المنخفضة في الشركات: “الرواتب في الشركات بالكاد تكفي لتغطية احتياجات أسبوع واحد. بعد نصائح من صديقاتي، قررت تجربة البث المباشر”.
وتضيف: “في البداية، كنت مترددة بسبب النظرة المجتمعية السلبية، ولكنني الآن مقتنعة بأن هذا العمل ليس خطأ، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.”
أما فرح تتحدث عن بعض الصعوبات التي واجهتها في بداية عملها: “بالطبع، كان هناك مضايقات وإزعاجات من بعض المتابعين، لكنني استطعت التعامل معها عن طريق الحظر. هذا يختلف عن التعامل مع الإزعاج في الحياة الواقعية، حيث يكون أصعب بكثير.”
الحاجة أكبر هاجس
ويتفاوت تقبل المجتمع السوري لعمل الفتيات على منصات البث المباشر، تقول أسماء: “عندما بدأت البث تحت اسم مستعار، كان ذلك خوفا من رد فعل المجتمع. هناك الكثير من الأحكام السلبية حول هذا النوع من العمل، ولكن الحاجة المادية كانت أكبر من الخوف من كلام الناس.”
من ناحية أخرى، تعتقد ميس أن المجتمع بدأ يتغير تدريجيا في نظرته: “أصبح هناك تفهم أكبر لهذه الظروف، خاصة بين الشباب والفتيات. نعيش في ظروف استثنائية تتطلب حلولا استثنائية.”
لكن التحديات الاجتماعية تبقى جزءا لا يتجزأ من تجربة هؤلاء الفتيات، إذ يواجهن مواقف صعبة تتطلب قدرا كبيرا من القوة النفسية للتعامل معها. تقول ميس: “سواء في الإنترنت أو في الواقع، سنواجه أشخاصا جيدين وآخرين سيئين. المهم أن نكون مستعدين لمواجهتهم.”
وفي الختام، يبدو أن ظاهرة عمل الفتيات السوريات على منصات البث المباشر تمثل وجها جديدا للأزمة الاقتصادية والاجتماعية في سوريا. على الرغم من المخاطر والتحديات التي تحيط بهذا النوع من العمل، إلا أنه يوفر للفتيات فرصة لتحسين أوضاعهن المعيشية.