محللون: هجمات مسلحي الهفل تخلق استقراراً هشاً لصالح إيران
غرفة الأخبار – نورث برس
تتصدر دير الزور شرقي سوريا واجهة المشهد في الحرب الدائرة في البلاد بين حين وآخر، في ظل موقعها الاستراتيجي بالنسبة للصراع بين الولايات المتحدة وإيران.
وتتداخل في دير الزور مناطق السيطرة، إذ تتواجد فيها أغلب الأطراف التي تتحكم بالصراع في سوريا، حيث تسيطر إيران وحكومة دمشق وروسيا على المدينة والريف الواقع على يمين نهر الفرات وتسمى مناطق “غرب الفرات” بالإضافة لسبع قرى على الضفة الأخرى، في حين تتواجد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والتحالف الدولي شرق النهر.
وتصاعدت الأحداث في دير الزور منذ بدء الحرب على غزة بين إسرائيل وحماس، وشهدت قصف متبادل بين قوات التحالف الدولي المتواجدة في قاعدتي العمر وكونيكو، والفصائل المدعومة من إيران، كان آخرها منتصف الشهر الجاري عندما استُهدفت قاعدة كونيكو بخمس قذائف وقعت بمحيطها.
ويعتبر تسلل مسلحين محليين إلى مناطق سيطرة “قسد” من أبرز التطورات التي عادت إلى الواجهة من جديد بعد هدوء نسبي استمر لأشهر، بعد أن كانت ذروته في أيلول/سبتمبر 2023.
وفجر الأربعاء، السابع من الشهر الجاري، تسلل مسلحون من الضفة الغربية لنهر الفرات حيث تسيطر القوات الحكومية وفصائل موالية لإيران، إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات حيث تتمركز “قسد” وقوات التحالف الدولي.
“موجهات معقدة”
يقول هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، إن عمليات التسلل الأخيرة لمسلحي الهفل الذي تدعمهم إيران وحكومة دمشق من شأنه أن “يحوّل المنطقة من الاستقرار الهش إلى مواجهات معقدة”.
ويضيف لنورث برس، أن “إبراهيم الهفل الذي يتزعم جيش العشائر شكله من قبيلة العكيدات التي تضم تشكيل عشائري كبير، الأمر الذي قد يؤدي إلى انشقاق داخل المكون القبلي خاصة أن العكيدات لم يجمعوا على شيخ مشايخ”.
ومنذ أواخر آب/أغسطس 2023، تمرد مسلحون على قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وأعلنوا تشكيل “جيش العشائر” بقيادة الهفل وهو شيخ قبيلة العكيدات.
والاثنين الماضي، تبرأ شيوخ ووجهاء عشائر من قبيلة العكيدات في بيان، من مسلحين يقودهم إبراهيم الهفل، معتبرين أنهم لا يمثلون القبيلة وهم أدوات بيد إيران و”النظام”.
وأوضح بيان العشائر الذي تأكدت نورث برس من عدد من أبناء القبيلة من صحته، أن “عشائر قبيلة العكيدات لم تجتمع على شيخ مشايخ لا في الماضي ولا في الحاضر. ونؤكد نحن اليوم أن قبيلة العكيدات مترامية الأطراف ولكل عشيرة شيوخها ووجهاؤها ولا تتمثل القبيلة بإبراهيم الهفل أو شقيقه أو عمه. إلا أن متصدري المشهد هم أتباع للنظام و الإيرانيين”.
ويرى سليمان أن ذلك من شأنه أن يحدث نوع من الصراع الجديد الذي قد يتفاقم، ويخلق نوع من عدم الاستقرار فيما يتعلق بخرق المستقر نسبياً منذ فترة في دير الزور، وهذه الخطوة ستهدد الاستقرار في شرقي سوريا خلال الفترة القادمة عبر تشكيل “ميليشيات” من المكون القبلي، التي من الممكن أن تؤدي إلى إحداث صدع في الاستقرار القبلي في دي الزور، وفقاً لرأيه.
ويشير إلى أن تلك “الميليشيات” ستؤدي إلى خرق القواعد “غير المتفق عليها، إلا أنها مستقرة نسبياً منذ فترة من الزمن” بين غرب الفرات وشرقه، ويعتقد أن ذلك يمثل تحول نوعي في المواجهات عبر استخدام أدوات جديدة.
ويقول سليمان أن إيران ترغب في أن تحول دير الزور إلى واحدة من الساحات التي ترد فيها على إسرائيل، في إطار ردها الذي تتوعد فيه على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” بطهران.
فيما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”، عن مستشار في الحكومة السورية ومسؤول أمني أوروبي قولهما إن “دمشق أبلغت طهران أنها لا تريد الانجرار إلى حرب، بسبب الظروف التي تمر بها بلاده”، وأشارت إلى خلافات داخل “محور المقاومة” تؤخر الرد على إسرائيل، خصوصاً أن المصالح المتنوعة للمجموعات المتحالفة مع إيران.
ويرى المحلل المصري أن ما جرى في دير الزور يخدم إيران الراغبة بالسيطرة على المنطقة وتطويع الداخل السوري لزيادة مكونات التأثير والضغط لتحقيق مصالحه في إطار صراعها مع أميركا وإسرائيل.
ساحة لرد إيران
في السياق ذاته، يقول أثير الشرع، وهو كاتب وصحفي ومحلل سياسي عراقي، إن “استهدافات إسرائيل المتكررة لقيادات فصائل المقاومة بما في ذلك اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، نتج عنها حالة ترقب بالرد الإيراني”.
وبدأت الهجمات المنطلقة من مناطق نفوذ الفصائل المسلحة المدعومة من إيران بريف دير الزور أعمالاً ربما تكون خارج السياق المرتقب، ومع وجود قواعد أميركية في ريف دير الزور أبزرها حقل العمر وكونيكو، والتي من المتوقع أن تكون أهدافاً لهجمات سواء بالصواريخ أو الطائرات المسيرة المفخخة كما حصل لقاعدة “رميلان” (خراب الجير) في أقصى شمال شرقي سوريا، بحسب الشرع.
وفي 10 آب/اغسطس الجاري، أُصيب 8 جنود أميركيون على الأقل بقصف طال قاعدة “خراب الجير” بريف الحسكة من قبل فصيل مدعوم إيرانياً، لذا يعتقد المحلل العراقي بأنه “تزداد احتمالية تحول مناطق شمال شرقي سوريا إلى إحدى ساحات الرد الإيراني على إسرائيل”.
ويضيف أن “الحكومة السورية لا يمكنها الاستمرار برفض المطالب الروسية والإيرانية تجاه ملفات المنطقة وفي ظل توافقها مع مواقف كل من إيران وروسيا تجاه الإدارة الذاتية والوجود الأميركي في المنطقة وخصوصاً بريف دير الزور، التي تعد استراتيجية أيضاً للجانب الإيراني حيث توجد فصائل مسلحة في الضفة الغربية من نهر الفرات، كما يشكل التحرك المسلح الأخير بريف دير الزور فرصة لتأليب الرأي العام في المنطقة ضد الإدارة الذاتية والقوات الأميركية”.