دير الزور.. المدينة المستعصية على الاستقرار في خاصرة سوريا الشرقية
غرفة الأخبار – نورث برس
منذ بدء الحرب في سوريا، شهدت منطقة دير الزور بشرقي سوريا قرب الحدود العراقية أحداث دموية وصراعات لقوى وفصائل مختلفة من فصائل معارضة مسلحة إلى فصائل إيرانية، وكانت أعنفها فترة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ساهمت كل تلك الأحداث المتقلبة بإبعاد الاستقرار عن هذه المنطقة حتى اليوم.
ورغم إعلان قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والتحالف الدولي القضاء على تنظيم “داعش” من المنطقة في آذار/ مارس 2019، إلا أن التنظيم لازال يشكل خطراً على السكان، حيث تنشط خلاياه بشكل كبير في دير الزور نظراً لطبيعة المنطقة الجغرافية.
كما أن التنظيم يستهدف تلك المنطقة التي كانت تساهم في ذروة نشاطه بتمويل عملياته وعناصره، نظراً لغنى دير الزور بالثروات الباطنية.
وبعيداُ عن تنظيم “داعش” تتداخل في دير الزور أطراف نزاع، حيث تتواجد قاعدتين للتحالف الدولي، إحداها أكبر قاعدة للتحالف بزعامة الولايات المتحدة في سوريا، وتتواجد في حقل العمر النفطي ويُطلق عليها القرية الخضراء، بالإضافة لقاعدة في حقل كونيكو للغاز.
فيما تتواجد فيها أيضاً القوات الحكومية والفصائل المرتبطة بإيران، ويفصل نهر الفرات بين مناطق سيطرة “قسد” شريك التحالف الدولي في الحرب على “داعش”، وبين القوات الحكومية والفصائل الموالية لإيران.
ولهذا السبب، باتت دير الزور هدفاً ليس للتنظيم فحسب، بل أن الحكومة السورية تسعى لإحداث فوضى فيها طمعاً بحقول النفط التي من شأنها أن تحل أزمة خانقة تعاني منها حكومة دمشق، كما أن إيران تحاول نقل صراعها مع أميركا إلى دير الزور، خوفاً من غضبٍ أميركي يستهدف طهران.
منذ 2019 حتى أواخر آب/ أغسطس 2023، كان التنظيم التحدي الأكبر الذي يواجه “قسد” والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لكن الأمر تغيّر بعد ذلك، حيث تحوّل اعتقال قيادي سابق في مجلس دير الزور العسكري يُدعى أحمد الخبيل ويُعرف بـ “أبو خولة” من قبل “قسد” لارتكابه انتهاكات، إلى فوضى أمنية استغلتها دمشق وطهران وأنقرة.
تلك التوترات أعاقت تقديم الخدمات في دير الزور وزادت من حالة عدم الاستقرار، وشكّلت خطراً أمنياً آخر، استدعى الإدارة الذاتية لعقد مؤتمر “تعزيز الأمن والاستقرار نحو تطوير وترسيخ التشاركية في دير الزور”، في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر.
وأتى المؤتمر استجابة لوعود قوات سوريا الديمقراطية بتحسين أوضاع سكان دير الزور ومطالب السكان على خلفية التوترات الأمنية التي حدثت بداية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي.
وبالإضافة لما تعانيه دير الزور، شهدت المنطقة توترات أمنية وتصعيد من قبل فصائل مرتبطة بإيران، حيث استهدفت بأكثر من 50 هجمة قاعدتي التحالف الدولي في دير الزور بحجة نصرة غزة، التي اندلع فيها صراعاً بين إسرائيل وحماس، بدأ في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ويصف أنس المرفوع، وهو سياسي سوري وممثل مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” في دير الزور، أن ما جرى من هجمات المسلحين على “قسد” بـ “مؤامرة” من قبل دمشق وإيران، خاصة أن متزعّم ما يسمى بـ “مقاتلي العشائر” ظهر في عدة مناسبات مع أشخاص محسوبين على إيران، ويعتبرون عرابي المصالحة لدى القوات الحكومية.
ويضيف لنورث برس، أن تحقيق الاستقرار في دير الزور مرتبط بتقديم الخدمات وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان، والاهتمام بالقطاعين الصحي والزراعي، وتطوير التعليم وإعادة فتح المعابر النهرية التي تخدم فئة واسعة من السكان.
ويقول المرفوع إن تحقيق الاستقرار في دير الزور يحتاج لضغوط دولية وأميركية على وجه الخصوص على كل من إيران وتركيا لردعهما عن استهدف المنطقة.
ثم أن إيران تحاول جاهدة عن طريق دعم المسلحين وهجماتها على القواعد الأميركية للسيطرة على دير الزور الغنية بالنفط، لذا تلجأ لدعم فصائل ومسلحين محليين.
وربط ممثل “مسد” في دير الزور بين الاستقرار وتغيير سلوكيات السكان، بتوفير آليات فعّالة لرفع المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والأمني للسكان.
وقال إن الأحداث في دير الزور فرضت تغيير الاستراتيجيات السياسية والعسكرية والمدنية، إذ تحتاج لرؤى شاملة وجرعات آنية ومستقبلية، منها تبني إصلاحات إدارية ومكافحة الفساد بشكل جدي، على حد وصفه.
ويتطلب إعادة الاستقرار إلى دير الزور جهداً مجتمعياً جماعياً تشارك فيها منظمات المجتمع المدني والعشائر والمؤسسات المدنية ورجال الدين، والإعلام، وكذلك تفعيل الحياة السياسية، وأن يكون مؤتمر وطني للحوار مبني على المصالح المشتركة بين شعوب المنطقة، وفقاً للمرفوع.
ويضيف أن هناك ضرورة لتشكيل لجان للمتابعة والمحاسبة من خلال تقارير وبيانات، وإصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتطوير العقيدة العسكرية، ومنع المظاهر المسلّحة، طبقاً للمرفوع.