متنفذون يتحكمون بأراضي الوقف تحت مسمى المشاريع الخيرية

آردو جويد – حلب

في خضم الصراعات الاقتصادية والإدارية التي تعصف بمناطق سيطرة الحكومة السورية، يبرز ملف الأوقاف كأحد أبرز مظاهر الفساد واستغلال السلطة.

وتعد أراضي الأوقاف، التي كانت تخصص لتكون مصدراً لدعم المشاريع الخيرية وبناء المساجد والمراكز الصحية، رمزاً للخير والعطاء. لكن، خلف الستار ، تتكشف سيطرة متنفذين وتحويل الأوقاف من إرث خيري إلى أدوات للربح الشخصي والمكاسب غير المشروعة.

في هذا التقرير، نكشف النقاب عن تحول المناقصات الوهمية وإدارة الأراضي الوقفية إلى قنوات فساد يستفيد منها المتنفذون، وكيف أن الفساد والتلاعب في توزيع عائدات الأوقاف يتسبب في حرمان الفقراء والمحتاجين من الدعم الذي كان يفترض أن يحصلوا عليه.

مناقصات وهمية

يقول محمد، وهو موظف في مديرية أوقاف حلب، إن وزارة الأوقاف السورية تعد من أغنى الوزارات على صعيد الملكية العقارية. لأنها تمتلك مجموعة واسعة من الأراضي والممتلكات الوقفية، كانت قد صادراتها الحكومة خلال عقود مضت أو تنازل عنها أصحابها لصالح الاعمال الخيرية.

يبدأ الفساد بإعلان المناقصات التي توزعها مديريات الأوقاف لتأجير الأراضي والمكاتب والمحلات التجارية. بينما يُفترض أن تكون هذه المناقصات شفافة وقانونية.

يقول محمد: “يجب التمييز بين المناقصات المشروعة وتلك التي تعتبر وهمية، التي تتمثل في استغلال الإجراءات القانونية لإعطاء انطباع بالشرعية، في حين لا تلتزم هذه المناقصات بكافة القواعد المعمول بها لتحصل أموال طائلة كون اقل عقد للأوقاف بين 5-10 سنوات والدفع مسبق”.

ويشير إلى أن إحدى القضايا الرئيسية هي نقص الشفافية. كثير من الأحيان يتم الإعلان عن المناقصات بطريقة ليست معلومة للمتقدمين بشكل كافي، ما يتيح الفرصة لجهات معينة للسيطرة على النتائج لمصالح متنفذين في القرار.

وذكر “محمد” أن مسؤولين الأوقاف هم السلطة الأقوى في اتخاذ القرارات ضمن الحكومة السورية على مر العقود الماضية وخاصة الوزير عبد الستار السيد الذي كلف في الحقيبة منذ عام 2007 وحتى الآن.

وتقوم الوزارة بتحديد قيمة الإيجارات بناء على عدة معايير، مثل موقع الأرض، المساحة، والغرض من الاستخدام. وتعمل على تنمية الأوقاف عبر إبرام عقود إيجار مع مستأجرين يقومون بتطوير الأراضي والابنية واستخدامها بما يتماشى مع القيم الوقفية المتغيرة.

وبين “محمد” ان مدينة حلب تحتوي أكثر من 40 % أراضي وقف لصالح وزارة الأوقاف منها أراضي زراعية وعقارات وفنادق وهي مستثمرة بشكل كامل وأسعار العقار أن كانت اجار أو شراء لا تختلف عن أسعار الاسواق وهي ترتفع بشكل سنوي في القيمة.

التوزيع العادل للعائدات

يشدد رؤوف العلي، وهو محامي من حلب، على أن الأوقاف وأعمالها تمثل جزءا أساسياً من النسيج الاجتماعي والاقتصادي والديني في المجتمعات الدينية. وعادةً ما تخصص هذه الأراضي لأغراض محددة، مثل بناء المساجد ودعم الفقراء والمحتاجين. ولكن في السنوات الأخيرة، شهدت سوريا، وخاصة في حلب ودمشق، استغلالاً لأموال استثمار أراضي الوقف من قبل عدد من المتنفذين في الحكومة المحلية.

وفقاً للعلي، منذ اندلاع النزاع في حلب في عام 2012، شهدت المدينة تصاعدا كبيرا في النزاعات على الأراضي والممتلكات. ومع تدهور الوضع الأمني والاقتصادي، تحولت الأراضي الوقفية من مصدر للخير والعطاء إلى محور صراع بين الفساد الحكومي والانتهازيات الخاصة.

استغل المتنفذون الفوضى وخروج السكان لفرض سيطرتهم على الأراضي التي تعود ملكيتها إلى جمعيات أو أفراد. مشيراً إلى أن العديد من المالكين لم يتمكنوا من استعادة حقوقهم منذ سنوات، بحسب قوله.

يضيف “عمل الأوقاف هو خيري ديني اجتماعي وغير تجاري، حيث تمتلك الأوقاف عقارات مجانية تم الحصول عليها من أصحابها كتبرعات لفعل الخير. ومع ذلك، تحولت مؤسسة الأوقاف من جهة دينية خيرية لمساعدة المحتاجين والفقراء إلى مصدر للثروة السنوية”، وهو ما يراه العلي انحرافا عن الهدف الأصلي للأوقاف.

من جانب آخر، لم تستجب أوقاف حلب لأزمة المتضررين من كارثة الزلزال في العام الماضي بتأمين مأوى لهم، على الرغم من امتلاكها لأبراج سكنية فارغة. وترك العديد من السكان يواجهون قساوة الشتاء وحاجاتهم الملحة دون مأوى.

أما مراكز الأيتام، فإن تأمين طعامهم وملابسهم يعتمد على المصادرات التي يقوم بها مجلس المدينة من أسواق الطعام والملابس، في حين تدعي الأوقاف أنها لا تمتلك أجور رواتب موظفيها ضمن المديرية والجوامع. ويقول المحامي: “في ظل هذه الظروف، يثار التساؤل حول مصير مليارات الأموال من العقارات الوقفية”.

استيلاء وانتهاك الحقوق

تعتمد عملية الاستيلاء على هذه الأراضي عبر عدة آليات بدءا من القرارات الإدارية التي تصدر في ظل ظروف غير شفافة إلى استغلال القوة العسكرية أو الأمنية لفرض السيطرة. وغالبا ما يتم تجاهل حقوق السكان الأصليين، هذه الحقوق غالبا ما تقابل بالتجاهل أو القمع نتيجة تهجير السكان الأصليين ، وهو ما يعطل مفهوم الوقف ويحوله إلى أداة للربح الشخصي.

يقول محمد سماقية (75 عاماً)، وهو من سكان حي الجديدة بحلب القديمة، إن عائلته تمتلك أراضي واسعة في المدينة من سفح القلعة الشرقي بتجاه الشمال وصولاً الى مركز المدينة حالياً، وأراضي في الجهة الشرقي على ضفة نهر قويق وصولاً الى منطقة عين التل.

ويشير الرجل السبعيني إلى أنه تمت مصادرة أراضي واسعة من أملاك العائلة، تحولت منها مرأب لحافلات النقل الداخلي في عين التل وبساتين وفنادق في منطقة بستان كل اب وابنية اثرية تحولت لأرض وقف بقرار من محكمة الامن القومي بدمشق بعدم ردها الى مالكيها.

ويصف “سماقية ” الأثر الاقتصادي الناتج عن هذا الاستيلاء بالـ “مدمر”، إذ يحرم أصحابها من الاستفادة من هذه الأراضي التي كان من المفترض أن تُستخدم لدعم الفقراء وتنفيذ المشاريع الاجتماعية. وتضعف الثقة في المؤسسات الحكومية ويترسخ شعور بالظلم في نفوس اصحابها.

وطالب ان تعيد الحكومة النظر في سياساتها وتعمل على وضع آليات واضحة وشفافة لحماية حقوق الأفراد وضمان استخدام الأراضي الوقفية في سبيل المصلحة العامة و”خاصة من يستولي على الممتلكات هم أقرباء لبعض صاحب السلطة يريد ان يأكل حقوق الاخر باسم السلطة وقوة القبضة الأمنية”.

تحرير: تيسير محمد