حلب .. حيتان ينهشون منازل سكان بحجة الزلزال

حلب – نورث برس

يجلس جابر (55 عاماً)، وهو من سكان حي السكري شرقي مدينة حلب، بجوار أنقاض منزله الذي تم هدمه للتو من قبل مجلس المدينة بحجة تضرره جراء الزلزال الذي ضرب المنطقة في شباط/فبراير 2023.

يقول لنورث برس: “لم تمنحنا الدولة أي تعويض أو حتى ورقة تثبت حقوقنا ضمن قوائم المتضررين”، بينما تقول شهادات أخرى حصلت عليها نورث برس أن عوائد بيع بقايا المنازل المهدمة تذهب لجيوب مسؤولين ومتنفذين الذين يطلق عليهم السكان المحليين تسمية حيتان.

انقاض للبيع

ويضيف الرجل يأساً: “يتم استغلال هذه الظروف الصعبة لتحقيق مكاسب مادية على حساب أصحاب العقارات المتضررين”.

وفقدت عائلة جابر منزلها وتجردت من ملكية مسكنها مما زاد في معاناتهم في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.

شهادات عدة تفيد بأن عمليات هدم المباني المتضررة تحولت إلى مصدر دخل كبير لجيوب مسؤولين حكوميين في مجلس المدينة.

ويستغل هؤلاء المواد الحديدية والأسمنتية الناتجة عن الهدم لتحقيق أرباح وصفت بالهائلة.

وسط اتهامات بانتهاج السلطات سياسة هدم  لمناطق كانت مأوى للمعارضين بداية الحرب في سوريا قبل 13 عاماً.

أحمد، وهو اسم مستعار لمتعهد يعمل لصالح فرع الإسكان العسكري التابع للحكومة، يقول إن عمليات الهدم تتم بقرار من لجان هندسية وحكومية “تهدف إلى إزالة المباني التي تشكل خطراً على حياة السكان”، بحسب قوله.

ويشير  إلى أن الأجور المقدمة للمتعهدين لا تغطي التكاليف الباهظة لعملية الهدم، مما يدفع المتعهدين إلى الاستفادة من المواد الناتجة عن الهدم لتعويض نفقاتهم.

ويقول: “تكاليف نقل المعدات الثقيلة، مثل الباكر أو النقار، تتراوح بين 3-5 مليون ليرة سورية، وهي مبالغ لا تستطيع الحكومة تغطيتها بالكامل. لذلك، يتم تعويض المتعهدين من خلال السماح لهم بالاستفادة من الحديد وبعض الأنقاض التي يمكن بيعها”.

ما حجم الاستفادة؟

يذكر أحمد أنه يُجمع الحديد ضمن ناقلات وترسل إلى معمل الصهر في المنطقة الصناعية وقيمة الكيلو 3500 ليرة سورية، وتم رفع السعر من قبل المكتب الأمني التابع للفرقة الرابعة بعد ما كان 2450 ليرة سورية.

ولا يستفيد مالك المنزل من هذه الأموال، والمستفيد هو المتعهد والمشرف الموكل من قبل البلدية في نقطة الهدم.

يشير حسام وهو عامل بناء، إلى أن تلال من الأبنية التي تم تسويتها مع الأرض والتي يتم سحب كل ما يمكن الاستفادة منه والعائدة في حقها لأصحابها من قيمة الحديد وتفريغ المباني من قطع السيراميك والرخام قبل هدمها.

يحتوي متر البناء على 60 كيلو من الحديد المسلح والبناء من أربع طوابق بشكل تقريبي يحتوي بين 17 و20 طن من الحديد، وفقاً لتقديرات حسام.

ويجني القائمين على عمليات الهدم وبيع المخلفات بين  50 و70 مليون من كل عملية هدم بناء. بحسب العامل.

اتهامات

وفي السنوات الأخيرة، شهدت مدينة حلب تحولات جذرية وتغييرات على مستوى المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة.

وفي نهاية عام 2016 رحلت الحكومة ضمن اتفاق روسي جميع السكان والفصائل الى مناطق غرب حلب بتجاه مدينة ادلب، غرب سوريا.

يقول الحقوقي السوري رؤوف العلي المقيم في حلب إنه وجهت اتهامات لمجلس المدينة بالسعي إلى تدمير هذه المناطق كجزء من خطة ممنهجة لإزالة آثار المعارضة ومنع السكان من العودة إلى ممتلكاتهم.

ويذكر العلي أنه ينبغي على الحكومة المحلية منح فوائد هذه الاضرار لمن يملكها ان كانت تضع مصلحة المتضررين في المقام الأول.

“فبدلاً من التركيز على إعادة إعمار هذه المناطق وتوفير السكن اللائق للسكان المتضررين، يبدو أن الهدف الرئيسي هو الاستفادة من المواد البنائية المتبقية”، يضيف الحقوقي السوري.

وفي أيلول/ سبتمبر 2023 دعت منظمة العفو الدولية السلطات السورية في حلب إلى تفادي عمليات الإخلاء القسري وضمان حق السكن للقاطنين في المباني المتضررة.

ديانا سمعان، وهي باحثة في الشؤون السورية بمنظمة العفو الدولية، قالت إن “هدم المباني السكنية دون تقديم شرح وافٍ أو توفير إجراءات قانونية سليمة هو انتهاك للقانون الدولي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان”.

رؤية حكومية “متناقضة”

عصام علي، وهو موظف في قطاع العقود الخارجية بمجلس المدينة، كشف وجود خطة لإعادة تدوير الأنقاض واستخدامها في مشاريع التنمية والبنية التحتية.

لكنه أشار إلى عجز كبير في المعدات والتمويل واليد العاملة، “مما يستدعي التعامل مع هذا الأمر”، بحسب وصفه.

وبين علي لنورث برس، أن هناك معمل لإعادة تدوير الأنقاض في منطقة الراموسة وفرز المواد المطحونة الى أصناف عديدة ومواد البناء تختلف بالمواصفات الفنية من منطقة وأخرى وهو ما يساعد في تحقيق المواصفات المطلوبة لأعمال المجبول.

وبحسب مسؤول في مجلس مدينة حلب، فأن توجيه الاهتمام نحو إعادة تدوير واستخدام مخلفات الهدم لتنفيذ الأعمال المتبقية وتغطية تكاليف الفرق العاملة حق للحكومة في إدارة المشاريع من مخلفات الهدم.

ووفقاً لمجلس المدينة تم الكشف على 56422 بناء من تاريخ الزلزال وحتى منتصف العام الجاري، منهم 3863 بناء يجب هدمه وتعمل الفرق على هدم الأشد خطورة وتتوزع بين احياء السكري والعامرية الأكثر ضرراً والصالحين والفردوس والمدينة القديمة ومحطة بغداد والسليمانية.

ويبدو أن دوامة الهدم ستستمر في تلك الأحياء وبذلك يستمر سيل الأموال نحو جيوب المستفيدين.

تحرير: تيسير محمد