المرأة في شمال شرقي سوريا.. كيف ستعمل الإدارة الذاتية على تعزيز دورها؟
أفين يوسف ـ القامشلي
برز دور المرأة في مناطق شمال شرقي سوريا منذ بداية الأزمة السورية، بدءاً من مناطق الجزيرة وعفرين وكوباني وصولاً إلى الرقة والطبقة ومنبج ودير الزور، حيث انخرطت المرأة في مختلف المجالات العسكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
وساهمت المرأة في بناء جسم الإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة عام 2014، وترسخ دورها من خلال تأسيس التنظيمات والمؤسسات المعنية بشؤون المرأة، إضافة إلى صدور القوانين الخاصة بها وتضمين العقد الاجتماعي بنوداً تشدد على المساواة بين الجنسين.
تقول الرئيسة المشاركة في المجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، بيريفان خالد، لنورث برس، “كان للمرأة منذ ثورة روج آفا دور بارز في قيادة الثورة على كافة الأصعدة”.
وتضيف: “بداية ثورة روج آفا برز دور المرأة في الكومينات والمجالس المحلية، وبعد تأسيس الإدارة الذاتية كان وما يزال لها دور ريادي في كل المؤسسات والقطاعات”.
من جانبها، تشدد عضوة منسقية مجلس المرأة في شمال وشرق سوريا، جيان حسين، على أن “المرأة اتخذت دوراً ريادياً منذ بداية الأزمة السورية، وأنها قادت ثورة روج آفا وبرز دورها في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والدبلوماسية والسياسية والاقتصادية”.
وشاركت المرأة من خلال “وحدات حماية المرأة” في القضاء على أعتى “التنظيمات الإرهابية” وساهمت في تحرير المدن السورية من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بحسب “حسين”.
وتقول لنورث برس: “أصبحت المرأة في شمال شرقي سوريا مثالاً يحتذى به على مستوى العالم، وكان للمرأة الكردية بشكلٍ خاص تأثير على النساء من كافة مكونات المنطقة من عرب وسريان وآشور وأرمن وشركس وتركمان”.
مواد في العقد الاجتماعي ترسخ دور المرأة
وتضمن العقد الاجتماعي الأول الذي تم صياغته في إقليم الجزيرة بداية تأسيس الإدارة الذاتية عام 2014 بنداً أساسياً يقضي بمشاركة المرأة في كل من المجلس التشريعي والمجلس التنفيذي.
فيما تضمن ميثاق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إبان تأسيسها في 6 أيلول/ سبتمبر عام 2018، بنداً أساسياً يقضي بتمثيل المرأة بنسبة 50% في كافة المؤسسات والمجالس ابتداء من الكومين ووصولاً إلى مجالس الإقليم ومراكز القرار.
ويتضمن “العقد الاجتماعي الجديد” الذي تم المصادقة عليه في 12كانون الأول/ ديسمبر 2023، مواداً وبنوداً تقضي بضمان حرية المرأة وحقوقها في المجتمع وفي الإدارة الذاتية والمساواة بين الجنسين.
وتوضح “خالد”، بأنه في عام 2016 ولترسيخ دور المرأة في إدارة كل المؤسسات بدءاً بالكومين ووصولاً للمجالس والهيئات ومراكز القرار، “تقرر نظام الرئاسة المشتركة في كل مؤسسات الإدارة الذاتية”.
وتعتبر “عضوة منسقية مجلس المرأة” ،أن سن القوانين المتعلقة بالمرأة، ومشاركتها أيضاً في صياغة العقد الاجتماعي وسن القوانين العامة الأخرى، “إنجاز كبير”.
وتستدرك بالقول: “لم يكن للمرأة حقوق ضمن القوانين والدساتير المتعاقبة في سوريا، وكان يتم تنميط دورها في المجتمع والعائلة على حد سواء”.
وتشير “خالد” ، إلى أن الإدارة الذاتية أصدرت قراراً إدارياً عام 2018 يلزم بأن تمثل المرأة نفسها في كافة الاجتماعات والنقاشات، وأن أي قرار أو تعميم صادر عن أي مؤسسة يجب أن يُذيل بتوقيع الرئيسين المشتركين معاً، وإلا “فإنه يعتبر لاغياً”.
قانون الأسرة ضمان لحقوق المرأة
وتشير الرئيسة المشاركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، إلى تعديل “قانون المرأة” وتغيير تسميته إلى “قانون الأسرة”، وتوضح لنورث برس، “يعتبر قانون الأسرة الضامن لحقوق المرأة وأفراد الأسرة والطفل”.
وإبان تأسيس الإدارة الذاتية صادق المجلس التشريعي على “قانون المرأة” الذي أصدرته هيئة المرأة عام 2014، وتضمن بنوداً تجرّم الممارسات والانتهاكات بحق المرأة، وكان يقضي بالمساواة والعدالة بين الجنسين.
وعدّل “مجلس المرأة في شمال وشرق سوريا” في مؤتمره الأول في 11حزيران/ يونيو 2021، تسمية “قانون المرأة” إلى “قانون الأسرة”، وأقر المبادئ الأساسية الـ 26 للأحكام العامة الخاصة بالمرأة.
وتعتبر “حسين”، بأن قانون الأسرة هو الضامن الأساسي للحفاظ على حقوق المرأة في المجتمع، خاصة فيما يتعلق بمنع تعدد الزوجات وزواج القاصرات الذي أصبح ثقافة مجتمعية، وخصوصاً في المناطق ذات الغالبية العربية وذات الطابع العشائري.
وينظم “قانون الأسرة” الذي صادق عليه المجلس التشريعي في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، العلاقات الأسرية ضمن الأسرة الواحدة ويبين الحقوق والواجبات فيها.
صعوبات في تطبيق قانون الأسرة
وتشير “حسين” إلى العقبات والصعوبات في تطبيق قانون الأسرة في بعض المناطق مثل الطبقة والرقة ومنبج ودير الزور ذات الغالبية العربية، وتُرجع أسباب ذلك إلى “ترسُّخ الذهنية الذكورية في تلك المناطق، وتمسُّك المجتمع بالمفاهيم المجتمعية المتجذرة فيها منذ القدم”.
وتشدد على أن، “تطبيق القوانين المتعلقة بالمرأة يحتاج إلى الوقت”، وتضيف بأن التغيير لا يحدث من خلال الشعارات والقوانين فقط، بل يتطلب “توعية الجنسين” للحقوق والواجبات المترتبة عليهما، وألا يحدث ذلك “لصالح المرأة على حساب الرجل”.
وتشير “حسين” إلى أن مجالس المرأة تعمل على تنظيم حملات توعوية بحقوق المرأة إضافة إلى شرح محتوى القوانين المتعلقة بالمرأة والهدف منها.
ولاقت تلك القوانين استحساناً من المجتمعات في تلك المناطق، وكانت نظرتهم لتلك القوانين إيجابية بنسبة كبيرة، حتى أنهم طالبوا بالإسراع بعملية تفعيلها وتطبيقها في مناطقهم.
وتشير “حسين” إلى استمرار الانتهاكات بحق المرأة، وتقول: “ما تزال المرأة تتعرض للانتهاكات ويتم مهاجمتها والتعدي على حقوقها بشكل مستمر، وما يزال يتم رفض تنظيم عمل المرأة في بعض المناطق وفي بعض المؤسسات أيضاً”.
وترى “حسين” بأنه رغم الصعوبات بتطبيق القانون وخصوصاً فيما يتعلق بتعدد الزوجات وزواج القاصرات، إلا أنه ساهم نوعاً ما في تقليص تلك الانتهاكات.
فيما تشير “خالد” إلى مساعي الإدارة الذاتية، لأن يشمل قانون الأسرة كافة المناطق للحفاظ على حقوق المرأة في المجتمع وأيضاً في الإدارة الذاتية.
وتقول: “نحن على قناعة بأن ذلك قد يحتاج إلى بعض الوقت، بسبب ترسّخ بعض المفاهيم المجتمعية التي يصعب تغييرها بشكل مباشر”.
“منسقية المرأة” جسمٌ تنظيمي
وتشير “خالد” إلى، أنه لترسيخ دور المرأة على كافة المستويات في الإدارة الذاتية، تم تأسيس منسقية المرأة في المقاطعات، ومن ثم تم ضمها تحت مظلة منسقية المرأة لشمال وشرق سوريا.
وتهدف “منسقية المرأة” إلى تنظيم عمل المرأة وترسيخ دورها في المؤسسات وفي مراكز القرار، لتصبح جسماً تنظيمياً لكل الشؤون المتعلقة بالمرأة ضمن نظام الإدارة الذاتية، ولكي “لا يقتصر دورها على التواجد الشكلي فقط”. بحسب “خالد”.
وتشدد “خالد”، على أن المنسقية عملت على تنظيم المرأة وبناء قدراتها وتمكينها من الناحية الحقوقية والتعليمية وتطوير مهاراتها وخبراتها في كل المجالات.
عقد اجتماعي خاص بالمرأة
وناقشت منسقية المرأة في اجتماعها السنوي الذي عقد في 8 كانون الثاني/ يناير الجاري، آليات صياغة “عقد اجتماعي خاص بالمرأة”.
وبهذا الصدد تقول “خالد”: “سيكون هذا العقد بمثابة قانون يرسخ حقوق المرأة في الإدارة الذاتية وسيكون جزءاً من العقد الاجتماعي العام”.
وتصف “حسين” الأمر بأنه “خطوة باتجاه ترسيخ حقوق المرأة وخصوصيتها ضمن القوانين العامة”، وتضيف بأنه “ضروري من أجل توحيد القوانين المتعلقة بالمرأة تحت مسمى واحد”.
وتشير إلى أنه سيتم العمل على صياغة العقد الاجتماعي الخاص بالمرأة بعد الانتخابات المقرر إجراؤها في مناطق شمال شرقي سوريا.
وتشدد “حسين” على ضرورة مشاركة كافة التنظيمات والمؤسسات المعنية بالمرأة في شمال شرقي سوريا وبكافة مكوناتها وتحت مظلة منسقية المرأة، في صياغة العقد الاجتماعي الخاص بالمرأة.
وتضيف بأن، “العقد سيحافظ على خصوصية المرأة والقرارات المتعلقة بها، كونها عملت منذ بداية تأسيس الإدارة الذاتية على تنظيم نفسها بنفسها، وبنت مؤسساتها الخاصة”.