سامر ياسين – نورث برس
يفتح الخمسيني سعد هاتفه بشكل يومي، ويدخل إلى معرض الصور ويبحث عن صورة أخيه الذي فقد حياته برصاصة طائشة، ويبقى يحدق بها، حتى تذرف دموعه، ويتساءل دائماً، من الذي قتل أخي؟!
سعد يوسف (53 عاماً)، من سكّان مدينة الحسكة، فقد أخاه (عبد الرحيم) برصاصة طائشة، مجهولة المصدر حتى الآن، في يوم رأس السنة من عام 2019، عندما كان جالساً يشرب الشاي مع جيرانه أمام باب منزله، الواقع بحي الكلاسة في مدينة الحسكة.
“كان يعلم بأنه سيقتل بطلقة طائشة”
سعد سرد لنورث برس تفاصيل الحادثة التي أودت بحياة أخيه، وقال “عندما كان أخي جالساً مع جيراننا أمام باب المنزل، سمع من حوله صوت ارتطام شيء بآخر، فتوقع الجميع بأن الكرسي الذي يجلس عليه أخي قد كسر، ولكن تبين بعدها فوراً بأن طلقاً نارياً أصاب رأسه من الأعلى، حتى أنه أصدر صوتاً من حنجرته أنذر بخطورة إصابته”.
الأربعيني عبد الرحيم يوسف، أخ سعد، من سكان حي الكلاسة بمدينة الحسكة، لديه طفل وطفلتين، طفلته الأخيرة فتحت أعينها على الحياة لكن بدون أب.
يقول “سعد”: “العام الذي توفى فيه أخي كان 2018، وذاك الحين كانت مظاهر إطلاق النار بشكل عشوائي منتشرة بكثرة، سواء على مستوى حفلات الزفاف أو الحفلات الخاصة والعامة، حتى أن أخي قال قبل وفاته بأن يشعر بأنه سيقتل بطلقة طائشة يوماً ما”.
ورغم انخفاض مستوى هذه التصرفات في المدينة “ولكن ما زالت هذه المظاهر مستمرة ويجب إيجاد حل لها”، بحسب “سعد”.
وأرجع الرجل السبب “لقلة الوعي الكبيرة الموجودة لدى شريحة من السكان في المدينة، بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية الخجولة بهذا الصدد”.
وأشار إلى أنه يجب على قوى الأمن الداخلي والجهات الأمنية المعنية بهذا الشأن فرض عقوبات قاسية على هؤلاء الأشخاص، وأخذ تدابير احترازية أكبر للحد من تكرار هذه الظاهرة كل عام، وذلك لتجنب حدوث ذات الحالة التي حصلت مع أخيه، حسب تعبيره.
وقبل أيام، أعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إجراءات وتدابير أمنية قبيل الاحتفال بعيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية.
ومنعت هيئة الداخلية في الإدارة، في تعميم، “إطلاق الأعيرة النارية من قبل المواطنين والقوات العسكرية والأمنية تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة القانونية”.
خوف من المناسبات
وعبر سكان من الحسكة لنورث برس عن خوفهم من تكرار هذه الحالات وإطلاق الرصاص الحي بشكل متكرر في أغلب المناسبات الخاصة والعامة، وأنه يجب على القوى الأمنية إيجاد حلول لها، والحد من تكرارها.
وأعرب صالح المحمد، أحد سكان مدينة الحسكة، عن استيائه من تكرار هذه الحالات، وقال لنورث برس: “إطلاق الرصاص الحي بشكل عشوائي في المناسبات يعتبر قلة وعي، وعدم إدراك لخطورة الموضوع، فيستطيع الشخص التعبير عن الفرح بعدة طرق وأساليب سلمية، والتأثير السلبي لهذه الحالات يعود على الشخص الذي يطلق الرصاص نفسه، إضافة إلى الخطورة الكبيرة على سكان المنطقة”.
وأكثر ما يؤلم يوسف كدّو، أحد سكان مدينة الحسكة أيضاً، أنه “في كل عام يقتل شخصين أو ثلاثة، كضحية لإطلاق الرصاص العشوائي بعيد رأس السنة، فيجب على الشعب أن يكون هادئاً ويتحكم بتصرفاته، ويبتعد عن إطلاق الرصاص الحي”.
وشدد هو الآخر، على أن هذا الأمر “يتطلب من الجهات الأمنية منع أي شخص أن يطلق الرصاص الحي، ومعاقبة كل شخص يقوم بهذه التصرفات، ومصادرة سلاحه، ليبقى الأمن والأمان مستتب في المدينة”.
ورغم التعاميم التي تصدرها هيئة الداخلية التابعة للإدارة الذاتية وقوى الأمن الداخلي في شمال وشرق سوريا، قبل بداية كل عام، تمنع بموجبها أي شخص من إطلاق الأعيرة النارية بغرض الاحتفال، إلا أن هذه الحالات لم تتوقف أبداً، ويبقى الخوف مسيطراً على سكان أغلب المناطق في آخر ساعة من كل عام.
وتسجل الجهات الطبية والمشافي كل عام عشرات الحالات من الوفيات أو الإصابات برصاص عشوائي، يعود سبب إطلاقه على أنه فرح واحتفال بعيد رأس السنة، أو مناسبات قومية ودينية أخرى، أو احتفالات بمناسبات خاصة وعامة.
وسجل قسم الرصد والتوثيق في نورث برس، مقتل وإصابة 111 مدنياً ضحايا لإطلاق الرصاص الطائش في سوريا منذ بداية العام.
ومن الحصيلة السنوية قتل 42 شخصاً بينهم 17 طفلاً وست نساء, وأصيب 69 شخصاً بينهم 15 طفلاً وسبع نساء.
قوانين
وفي عام 2014 صدر قانون عن هيئة الداخلية في الإدارة الذاتية ومصادق من المجلس التشريعي عام 2016، يقيّد حيازة السلاح واستعماله بشكل خاطئ.
وفي تموز/ يوليو من عام 2021، إجريت تعديلات على قانون حيازة السلاح ليتضمن إجراءات شديدة وعقوبات صارمة بحقّ المخالفين بصدد الحيازة واستخدام السلاح.
القانون الجديد، حينها، صادق عليه المجلس العام في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في الخامس عشر من آب/ أغسطس من العام ذاته ويحوي 47 مادة.
ويتضمّن القانون شروط ترخيص المسدسات الحربية من عيار 5 لعيار 10,5 ملم، إذ أنّه لا يشمل ترخيص المسدسات المعدّلة، كما يسمح بترخيص بنادق الصيد ذات الفوهة أو الفوهتين، والبنادق الآلية الرشاشة كلاشنكوف AK 47.
وينص قانون الأسلحة والذخائر على عدم السماح بحمل وحيازة قطع السلاح المرخّصة بأسماء أشخاص آخرين، ويسمح لكل شخص فقط بترخيص قطعتين مختلفتين من الأسلحة النارية، ومدّة صلاحية الرخصة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
وتنتشر قوى الأمن الداخلي (الأسايش) في شوارع وأحياء مدن شمال شرقي سوريا. والعام الماضي حددت الهيئة غرامة مالية تصل إلى 100 ألف ليرة سورية ومصادرة السلاح والاعتقال وتقديمهم للنيابة العامة.
ورغم ذلك يتخوف السكان من الرصاص الطائش هذه الليلة ويرون أن تلك الإجراءات قد لا تمنع وقوع ضحايا خلال الاحتفالات.