الرصاص في رأس السنة.. أفراح قد تتحول إلى أتراح في القامشلي
القامشلي – نورث برس
منذ ثلاث سنوات، يعيش عبود بكلية واحدة بعد أن اضطر الأطباء لاستئصال الأخرى جراء تضررها بشكل كبير بطلق ناري، لذا يحافظ على نمط حياة صحي لحماية الكلية المتبقية.
في مثل هذا اليوم من العام 2019، قضى عبود حنا (22 عاماً) من سكان حي السريان بمدينة القامشلي، ليلته في أحد مشافي المدينة بعد أن أصيب برصاص طائش أطلقه أشخاص احتفالاً برأس السنة الميلادية.
منذ ذلك الوقت، يحرص “حنا” في كل ليلة رأس السنة عدم الخروج من منزله وخاصة عند اقتراب عقارب الساعة من الحادية عشر بعد منتصف الليل، خشية تكرار الحادثة معه في ظل استمرار ظاهرة إطلاق الرصاص العشوائي.
وخلّف إطلاق النار العشوائي خلال أعياد ومناسبات ورأس السنة في الأعوام الماضية، ضحايا، وحوّل احتفالات من مناسبة للبهجة إلى فاجعة لبعض العائلات.
يقول الشاب العشريني إنه ونظراً لإصابته الخطيرة بقي قرابة شهر في المشفى لحين استقرار وضعه الصحي، إذ أصيبت الرصاصة ظهره وخرجت من منطقة البطن عندما كان يعبئ بيدون مازوت في حوش منزله.
ورغم النداءات التي تسبق رأس السنة باتخاذ اجراءات رادعة لمنع إطلاق الرصاص ومحاسبة مطلقيها، لكن تكاد لا تمضي الاحتفالات بالعام الجديد في سوريا دون حوادث وإصابات، فكما أن الموت يومي من الحرب وكورونا والأمراض التي لم تعد تجد لها علاجاً، هنالك الموت في الأفراح.
وفي رأس السنة الميلادية، كما في نجاح طلاب الشهاديتين الإعدادية والثانوية والأعراس، يتخيل لك أن هناك معركة يستخدم فيها حتى الرشاش، إضافة إلى المسدسات والبنادق.
إجراءات هل تكفي؟
وكإجراءات لمنع إطلاق الرصاص، انتشرت قوى الأمن الداخلي(الأسايش) في شوارع وأحياء مدن شمال شرقي سوريا، حسبما أشار إليه بنكين كدو، نائب الرئاسة المشاركة لهيئة الداخلية في إقليم الجزيرة.
المسؤول في الإدارة الذاتية قال إن المخالفين سيواجهون غرامة مالية تصل إلى 100 ألف ليرة سورية ومصادرة السلاح والاعتقال وتقديمهم للنيابة العامة.
ودعا “كدو”، السكان للتعاون مع قوى الأمن من خلال الإبلاغ عن أي شخص يطلق الرصاص، ليتم اعتقالهم وتقديمهم للنيابة العامة.
ولكن يجد سكان أن تلك الإجراءات قد لن يجدي نفعاً مع انتشار السلاح “بشكل كبير” بين المدنيين.
ورغم أن هناك قانون صادر عن هيئة الداخلية في الإدارة الذاتية عام 2014 ومصادق من المجلس التشريعي عام 2016، يقيّد حيازة السلاح واستعماله بشكل خاطئ، إلا أن ذلك لم يمنع من وقوع ضحايا خلال الاحتفالات.
ولذا تمنع هيفي شاهين (47 عاماً) من سكان القامشلي أطفالها من الخروج من المنزل ومشاهدة الألعاب النارية في المساء.
وفي تموز/ يوليو الماضي، قال كنعان بركات، الرئيس المُشارك لهيئة الداخلية بإقليم الجزيرة إنهم أجروا تعديلات على قانون حيازة السلاح ليتضمن إجراءات شديدة وعقوبات صارمة بحقّ المخالفين بصدد الحيازة واستخدام السلاح.
القانون الجديد صادق عليه المجلس العام في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في الخامس عشر من آب/ أغسطس الماضي ويحوي 47 مادة.
ويتضمّن القانون شروط ترخيص المسدسات الحربية من عيار 5 لعيار 10,5 ملم، إذ أنّه لا يشمل ترخيص المسدسات المعدّلة، كما يسمح بترخيص بنادق الصيد ذات الفوهة أو الفوهتين، والبنادق الآلية الرشاشة كلاشنكوف AK 47.
وينص قانون الأسلحة والذخائر على عدم السماح بحمل وحيازة قطع السلاح المرخّصة بأسماء أشخاص آخرين، ويسمح لكل شخص فقط بترخيص قطعتين مختلفتين من الأسلحة النارية، ومدّة صلاحية الرخصة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
ظاهرة تتنامى
وتقول “شاهين” بينما كانت تتبضع في سوق المدينة لشراء مستلزمات رأس السنة والتحضير للاحتفال مع عائلتها “لا يمكننا الخروج للخارج ومشاهدة الألعاب النارية، نخاف أن نكون ضحية رصاصة طائشة”.
وتضيف، “نصاب برعب عندما يبدأون بإطلاق الرصاص، كل عام يتحول الفرح للحزن لبعض العائلات”.
وتتساءل السيدة الأربعينية عن الأسباب التي تدفع البعض للتعبير عن فرحهم بإطلاق الرصاص، في الوقت الذي تتوفر فيه ألعاب نارية وأدوات أخرى يمكن التعبير بها؟
هذه الظاهرة كانت بحسب سكان “قليلة جداً” قبل الحرب وتنامت أكثر خلال سنوات الحرب، حت باتت مظهراً للتباهي بها في المناسبات.
وبعد ساعات سيودع “حنا” و” شاهين” كما جميع سكان الكرة الأرضية عام 2022 ويستقبلون 2023، على أمل أن تمر الليلة “بسلام” دون وقوع ضحايا.