“برسم العبيد”.. فتيات من حلب حرمن الدراسة وأجبرن على العمل

آردو جويد – حلب

تعاني مريم من حرمانها حقها في العيش وبناء مستقبل لها من خلال متابعة دراستها، إذ إنها لم تكمل الصف الخامس من الحلقة الأولى (الابتدائي) من التعليم.

مريم إدريس (12 عاماً)، وهي من سكان قرية جفر المنصور في الريف الجنوبي لمدينة حلب، شمالي سوريا، واحدة من الفتيات اللواتي تسكنَّ في ريف حلب، حرمتهن الحرب حريتهن في الدراسة والاستقلال المادي.

ومع اندلاع الحرب في سوريا، تعددت المخاطر المحيطة بالأسر وخاصة بالفتيات والنساء، حيث تعرضن لأعمال عدائية وانتهاكات جسدية ونفسية، إلى جانب حرمانهن من حقوقهن في التعليم والتفكير بخيارات مستقبلية أفضل، ليواجهن حالياً ظروفاً عصيبة.

تجبر هذه الظروف الفتيات على ترك دروسهن التعليمية والعمل في ظروف قاسية حتى يتمكنَّ من مساندة أسرهن.

الحالة الاقتصادية لاعب أساسي

تقول هبة العلي والدة “مريم” لنورث برس: “الوضع المعيشي لدينا جداً متدنٍ ورجالنا معتادون على عملنا في الزراعة وعلينا تأمين مستلزمات الأسرة، وعلينا أنا وأولادي العمل داخل وخارج المنزل، ودون ذلك لن نعيش”.

ولتسرب الفتيات من المدارس، آثار كارثية على مستقبلهن، إذ تواجهن الفقر والتخلف، كما ينتج عنه انخراط الفتيات بأسوأ أشكال العمالة والاستغلال والزواج المبكر.

وتقول والدة مريم: “أولادنا الثمانية من البنات والصبية يعملون في رعي الأغنام والزراعة لتأمين قوت يومنا”.

وتضيف: “ألقينا خلف ظهورنا مرحلة العلم وحق الطفل في هذه المرحلة العمرية في التعليم الأساسي”.

وتقول “مريم” والدموع على وجنتيها: “أنا بحب المدرسة والرفقة والدراسة سوى، بس تركتها لأخلص من ضرب أبوي اليومي والمشاكل في البيت مع أمي”.

“برسم العبيد”

وتتعرض العديد من الفتيات اللواتي تركن المدرسة، إلى الاستغلال في سوق العمل، إذ يعمل لساعات طويلة في بيئة تفتقر للأمان والراحة، إضافة لاضطرارهن للعمل بعيداً عن مكان سكنهم.

ومنذ أربع سنوات تخرج فريال المصطفى (16 عاماً)، في ساعات الصباح الباكر من كل يوم إلى العمل في مشتل زراعي، وتظل تعمل حتى غياب الشمس.

وتتقاضى “المصطفى”، وهي من قرية جفر المنصور، بريف حلب، 60 ألف ليرة سورية أسبوعياً ما يعادل 4.2 دولار أميركي.

تقول الفتاة لنورث برس، إن العمل هنا هو “استغلال لجميع الفتيات في عمري ونحن 14 فتاة نعمل دون رحمة وبرسم العبيد لقاء أجور زهيدة ولا نملك خياراً آخر في المنطقة”.

والأمر الذي أجبر “المصطفى”، على تحمل كل مساوئ العمل، “يعود لأسباب اقتصادية وعادات تعيشها المنطقة من قبل الحرب، هي الأكثر تأثيراً وعامل ضغط على أسر الفتيات”، تقول الفتاة.

ورصدت نورث برس عدداً يفوق 500 فتاة بين القرى المحيطة في جفر المنصور، تسربن عن الدراسة ويعملن ضمن ظروف صعبة جسدياً ونفسياً.

أخطر أنواع العمالة

ومع دخول فصل الشتاء، تقضي صفاء الصغيرة ذات (11 عاماً)، وهي من سكان قرية بنان في الجهة الجنوبية الشرقية لمدينة حلب، ساعات طويلة بين الأغنام ترعى بها من مكان لآخر حيث يكون العشب والماء.

ومع انشغال إخوتها في الزراعة، تقع مشقة رعي الأغنام على عاتقها، لتسير بها مسافة تتجاوز الكيلو متر، وتضطر لسلك أودية وتلال، ما يعرضها للكثير من الإصابات والجروح، تقول “الصغيرة”، لنورث برس.

وتتطلب مهنة الرعي خفة وسرعة بالتنقل، وبقاءً تحت الشمس أو في البرد القارس لساعات طويلة منذ طلوع الشمس حتى مغبيها أحياناً.

تقول “صفاء” إنها اعتادت على هذا النوع من العمل كونها منذ أربع سنوات وهي تفعل ذلك رغم إصابتها في كسر في القفص الصدري نتيجة ضربة من هجوم أحد الأغنام عليها وبقائها أكثر من شهرين في مشفى المدينة.

وتقضي الفتاة يومها مع الأغنام سعياً لطلب الرزق وكسب العيش، بعد أن حرمت من تعليمها وحقها الطبيعي في النشوء بشكل سليم وبعيد عن المخاطر.

تحرير: معاذ المحمد