صراع غزة.. متى ينتهي وماذا بعد؟

أربيل- نورث برس

لقد دفع الصراع المتصاعد بين إسرائيل وحماس الكثيرين إلى التساؤل حول وقت انتهاءه والضرر الذي سيحدث في هذه الأثناء، وكيف سيكون مستقبل القطاع الساحلي ما بعد الحرب الدائرة؟

قد تكون هذه التساؤلات سابقة لآوانها بالنظر إلى الأحداث النارية التي تشهدها المنطقة والشرق الأوسط بشكل عام، حيث تسلط وسائل الإعلام الضوء على التطورات اليومية أكثر من التوقعات بشأن النتائج.

وبينما تظهر من تصريحات المسؤوليين الغربيين أو الشرق الأوسطيين تلميحات حول مستقبل المنطقة، تتالى التحذيرات من نشوب صراع دولي، لاسيما وأن الولايات المتحدة نشرت تعزيزات كبيرة دعماً لإسرائيل ولردع الهجمات التي تطال مواقعها في سوريا والعراق من قبل “جماعات” تقول عنها واشنطن إنها موالية لإيران.

الحرب والسيناريوهات

أندلعت الحرب بتاريخ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، بهجوم أشبه بأفلام الهوليود شنه عناصر حماس بشكل مباغت، وأسفر عن مئات القتلى والأسرى، مما أثار ذهولاً في الأوساط العسكرية والاستخباراتية وكذلك الرأي العام، وأثار التساؤل حول كيفية التخطيط لهذا الهجوم تنفيذه بوجود منظومة استخباراتية إسرائيلية كانت تستشعر كل حركة على سياج القطاع بل وترصد ما يحدث في القم وطهران وفقاً لدعايات الحرب النفسية على مر السنوات الماضية.

ولا يمكن تهميش الروايات المتضاربة غير الرسمية (حسب رصد ومتابعة القراءات المحلية والدولية)، على أن ما حصل أظهر “قوة” حماس وحطمت “وهم” قدرات منظومتها التي رُسمت في أذهان العالم، أو أن ثمة نظريات مؤامرة منسوبة لجهات عملت في الغرف المظلمة وقادت لأن يحصل مثل هذا الحدث بغية الحصول على نتيجة وهو القضاء على حماس والسيطرة على غزة في نهاية المطاف بشكل أو بآخر.

وعلى الرغم من بعض الدعوات للسلام الدولية، فإن وقف إطلاق النار يبدو شبه مستحيل مالم تحقق إسرائيل ما قالته حرفياً “الوضع في غزة بعد الهجوم لن يكون كما قبله”.

وهذه المدينة الساحلية التي تحوي قرابة مليوني نسمة وتديرهم حماس على خلاف الضفة الغربية التي تديرها السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس زعيم حركة فتح، أمام عدة سيناريوهات والنتيجة في جميعها هو أنها أصبحت شبه مدمرة.

وتشن القوات الإسرائيلية عمليات برية وجوية متصاعدة، في حين فشلت الجهود العربية والإسلامية والدولية بشكل عام من وقف الصراع.

وتعهدت إسرائيل ”بالقضاء” على حماس مرة واحدة وإلى الأبد، ووعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ”بهزيمة حماس وسحقها حتى الموت”.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، متحدثاً إلى الجنود بالقرب من سياج غزة، في الأيام الأولى من الحرب إن “حماس تريد التغيير، وسوف تحصل عليه. ما كان في غزة لن يكون بعد الآن”.

واللغة التي تستخدمها السلطات الإسرائيلية تشير إلى أنه لن تكون هناك عودة إلى الوضع السابق المتمثل في معارك متفرقة وهجمات صاروخية ومناوشات روتينية متقطعة، بل أنها تنوي إنهاء هذا الوضع بشكل كلي وهو السيطرة العسكرية على القطاع الساحلي الفلسطيني الوحيد.

وبسيطرة إسرائيل على القطاع (فرضاً) تكون قد وضعت يدها على كل ساحل البلاد الممتد من لبنان شمالاً إلى مصر جنوباً.

وبالاعتماد على التصريحات الإسرائيلية، يبدو أنها عازمة على مواصلة عملياتها في ظل موجة الإدانات والشجب الأممي والعربي وكذلك في ظل التحذيرات الغربية بشأن المدنيين وتوسع الصراع، إلى أن تفرض سيطرتها عسكرياً على القطاع.

ويدفع هذا السيناريو إلى التفكير في مدى قدرة إسرائيل السيطرة على القطاع دون أن يواجه ما واجهته قبل انسحابها عام 2004، حيث اعترفت في الكثير من المناسبات بأن حماس ليست مجرد مسلحين بل فكر إسلامي متجذر لدى شريحة واسعة من سكان غزة. وشبه مسؤولون إسرائيليون حماس من الحيث الإيدلوجية بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

وبغض النظر عن حجم الضحايا والدمار لدى الجانبين، تمضي إسرائيل حربها بالتوازي مع دعوات سابقة لأوانها في أن تنسحب من القطاع بعد القضاء المفترض على حماس وتسليمه لسلطة محلية بإشراف دولي.

وهذا ما شدد عليه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في زيارته إلى آسيا أعقاب جولته في الشرق الأوسط مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، حين عبر مسبقاً عن رفضه في بقاء إسرائيل داخل غزة.

لذا من الممكن أن يفتح هذا السيناريو الباب مجدداً أمام المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينة على كيفية إدارة القطاع، بل أبواب أخرى للمباحثات مع البلدان العربية بما فيها مصر لدراسة إدارة النازحين إلى أراضيها ريثما يتحقق الاتفاق المفترض.

وبذلك فمن المتوقع أيضاً أن يكسر الجمود في مساعي حل الدولتين وبالتالي بدء مباحثات التطبيع مجدداً مع الدول العربية في حال انتهى الصراع في غزة على هوى ما تخطط له الحكومة الإسرائيلية.

لكن الباحث السياسي أيمن عبدالنور وهو سوري مقيم في واشنطن، يرى أن السيناريو الوحيد أمام إسرائيل هو “إفراغ شمال غزة وليس جنوبها أو إرسال سكانها إلى سنياء كما قيل”.

وأشار عبدالنور، إلى أن إسرائيل تريد وضع شمال غزة تحت وصاية جهة بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وغالباً ستساهم حركة فتح في إدارة المنطقة وتجري انتخابات في أعقاب الصراع في فترة أربعة أشهر بمشاركة سكان من جنوب القطاع.

وفيما يعتقد أنه من الصعب التكهن في مستقبل القطاع، قال عبدالنور، إن قضية الصراع في غزة لم تعد قضية داخلية بل هي قضية دولية لدرجة أنها أصبحت ذات تأثير على الوضع الداخلي في الولايات المتحدة ولاسيما هي مقبلة على الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024.

غزة سابقاً

سيطرت حماس قبل أن تدرج في قوائم المنظمات “إرهابية” لدى واشنطن، بشكل كامل على غزة عام 2007 بعد انسحاب إسرائيل من القطاع عام 2005.

في عام 1993، في اتفاقيات أوسلو، اعترفت إسرائيل بفريق مفاوضي منظمة التحرير الفلسطينية على أنه “يمثل الشعب الفلسطيني”، مقابل اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود بسلام، وقبولها لقراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 242 و338، ورفضها “العنف والإرهاب”.

 نتيجة لذلك، أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1994 إدارة إقليمية للسلطة الوطنية الفلسطينية، تمارس بعض الوظائف الحكومية في أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة.

وفي عام 2007، أدت سيطرة حماس على قطاع غزة إلى انقسام الفلسطينيين سياسياً وإقليمياً، حيث تركت حركة فتح التابعة لعباس تحكم الضفة الغربية إلى حد كبير واعترفت دولياً بالسلطة الفلسطينية الرسمية، بينما ضمنت حماس سيطرتها على قطاع غزة.

وكما ورد في اتفاقيات أوسلو، سمحت إسرائيل لمنظمة التحرير الفلسطينية بإنشاء مؤسسات إدارية مؤقتة في الأراضي الفلسطينية، والتي جاءت في شكل السلطة الوطنية الفلسطينية. منحت السيطرة المدنية في المنطقة (ب) والسيطرة المدنية والأمنية على المنطقة (أ)، وظلت بدون تدخل في المنطقة (ج) ( مناطق قسمت بصلاحيات إدارية وعسكرية بين فلسطين وإسرائيل في الضفة الغربية بموجب اتفاقية أوسلو).

في عام 2005، بعد تنفيذ خطة فك الارتباط الإسرائيلية أحادية الجانب، سيطرت السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل كامل على قطاع غزة باستثناء حدودها ومجالها الجوي ومياهها الإقليمية.

في أعقاب الصراع الفلسطيني الداخلي في عام 2006، سيطرت حماس على قطاع غزة حيث كان لديها بالفعل الأغلبية في المجلس التشريعي الفلسطيني، وسيطرت فتح على الضفة الغربية.

هذا الانقسام الفلسطيني بجغرافية الإدارة الأيدولوجية، عُدّت كعوامل معرقلة لآليات بناء سلام والوصول إلى حل الدولتين، بينما يبدو أن سلطة محمود عباس كانت ولازالت أقرب إلى أن يشجعها الجانب الغربي وحلفاءه في المنطقة والخليج للتفاوض معها والوصول إلى حل، على عكس حركة حماس المتهمة بالتشدد وتلقي الدعم من محور المقاومة المتمثل بإيران بالرغم من الاختلاف المذهبي.

وما تخشاه إسرائيل في حربها هذه، هو العودة إلى المربع الأول بتضاؤل الصراع الناري شيئا فشيئاً وبالتالي استمرار المناوشات والرشقات مع بقاء حماس بالمنطقة، علماً أن هذا الاحتمال يتضارب مع الوعيد الإسرائيلي الحالي الذي يشدد على حسم الوضع في غزة لصالحه بإنهاء حركة حماس من الوجود على خارطة السيطرة.

وإذا انتهى أو توقف الصراع من دون أن تحقق الحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة نتنياهو مكاسب على الأرض، فإن ذلك يجعله في مرمى تنامي القوى المعارضة في الداخل، فضلأً أنه قد يغلق مساعي فتح المفاوضات والحوار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لسنوات أخرى، كذلك يجمد إلى أجل غير مسمى المفاوضات التي كانت تبحث في الأروقة السياسية العربية للتطبيع مع إسرائيل كالسعودية على سبيل المثال لا الحصر.

وتعد الولايات المتحدة هي من أكثر الدول تأثراً من الصراع على الصعيد العسكري حيث تتعرض مواقعها لهجموم من قبل “وكلاء إيران” بمنطقة الشرق الأوسط، وكذلك سياسياً لما للقرارات التي تتخذها إدارة بايدن تأثير على مستقبل حزبه في الانتخابات 2024.

وقال الباحث السياسي أيمن عبدالنور، إن المحاولات لحل الوضع من جانب الولايات المتحدة وقطر ومصر وغيرها من التحركات الدبلوماسية لم ترتق لمستوى الحل الفعلي مقارنة بحجم الدمار والضحايا. كما أن القمم العربية والإسلامية لم تستطع أن ترسل رسالة حاسمة أو أن تطالب بشكل قوي لاتخاذ قرار قوي.

إعداد وتحرير: هوزان زبير