الضربات الأميركية الموجعة لإيران غير كافية!

لا يتناسب تزايد حجم القوة العسكرية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط عامة، مع حجم الردود الأميركية على تحرشات الأذرع الإيرانية ضد قواتها. وقد بات الصمت الأمريكي على بعض تلك التحرشات يُفهم إيرانياً على أنه عجز وتحاشٍ وخوف من الصدام مع إيران، وتلك نقطة غاية في الأهمية تبحث عنها الأجندة الإعلامية لنظام ولاية الفقيه لترويجها وقطف الثمار من نشرها.

في المفردات، شهدت المنطقة العربية مزيداً من عمليات الهجوم على القواعد الأميركية في سوريا والعراق عبر هجمات ليست مخفية وتبنتها جميعاً أذرع وميليشيات محلية تتبع لولاية الفقيه، بلغت وفق بعض المصادر لما يزيد عن 40 هجوماً عبر المسيرات أو عبر رشقات صاروخية منذ اندلاع الحرب في غزة؛ فقد هوجمت قاعدة “حرير” الجوية في شمال أربيل، وكذلك قاعدة “عين الأسد” في الأنبار بالعراق، وفي سوريا هوجمت قواعد الشدادي وحقل العمر ومعمل كونيكو وكذلك طالت الهجمات، ولأكثر من مرة، قاعدة التنف على مثلث الحدود العراقية السورية الأردنية، حتى الصواريخ التي اعترضتها المدمرة الأميركية “كارني” في البحر الأحمر وقيل حينها إن الصواريخ أطلقها الحوثي وكانت في طريقها نحو إسرائيل. هناك من أكّد أن تلك الصواريخ كانت تستهدف المدمرة الأمريكية وليس إسرائيل، وخرجت ميليشيات تتبع لإيران لتتبنى الهجوم على القواعد الأميركية في سوريا والعراق عبر ما أسمته “المقاومة الإسلامية”، وعلى مدار أكثر من خمسة أسابيع فقط ردت القوات الأميركية مرتين: الأولى نهاية الشهر الماضي والثاني منذ أيام قليلة، قيل إن الهجمات الأميركية تعمّدت تدمير مستودعات سلاح ميليشيات تتبع لفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني، أعقبها عودة ضربات وتحرشات أخرى بالقواعد الأميركية المذكورة.

الضربات الأميركية الجوية التي طالت مواقع للحرس الثوري الإيراني في أرياف دير الزور ودمّرت مستودعات وبعض مواقع ميليشيات تعمل تحت الراية الإيرانية لم تكن مقنعة ولا رادعة، وهذا الرد المتواضع وغير المجدي كان مثار استغراب الكثير من المراقبين الدوليين خاصة أن عملية تحاشي الأميركيين الوقوع بصدام واشتباك مع إيران كان مبرره سابقاً أن القوات الأميركية الموجود في منطقة الشرق الأوسط ليست مخصصة للحروب الكبيرة وليست كافية إذا ما اندلعت حرب مع إيران، وبالتالي وأمام ضعف القدرات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وكي لا تتسبب بأضرار لحلفائها في المنطقة سلكت واشنطن طريق تحاشي التصعيد وانتهجت سياسة الاحتواء وبتنا نسمع البيت الأبيض ووزارة الدفاع تردد مقولة نظام الأسد: نحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين! أو ننتظر نتائج التحقيق، رغم أن القاصي والداني يعلم أن تلك الهجمات قامت بها أذرع إيران بأوامر من الحرس الثوري الإيراني وقيادة نظام ولاية الفقيه، وأن عملية التحرش تهدف للتضييق على الوجود الأميركي في العراق وسوريا ودفعه للانسحاب من المنطقة لتصول وتجول إيران على مزاجها وتعلن انتصارها على محور الشر و”الشيطان الأكبر”.

لكن الآن، ومع وصول أكبر حاملتي طائرات للبحر الأحمر والمتوسط “أيزنهاور وجيرارد فورد” تحملان أكثر من 150 طائرة مقاتلة وقاذفة ومن أحدث طائرات الجيل الخامس، ومع وصول أكبر غواصتين نوويتين أمريكيتين للمنطقة “أوهايو وفرجينيا” تحمل كلاً منها (154) صاروخ توما هوك المدمر، ترافقهما حوالي 18 قطعة بحرية تمتاز بالقوة والقدرات القتالية البحرية العالية، لتضاف كل تلك المقدرات للقواعد الأمريكية الموجودة أساساً في قطر والبحرين والإمارات والعراق والأردن وتركيا. وطريقة انتشار تلك القطع البحرية التي تشكل عماد القوة البحرية الأمريكية الضاربة، كانت على شكل حصار لمنطقة الشرق الأوسط، بحيث توضعت في الخليج العربي، بحر العرب، بحر عمان، البحر الأحمر، إضافة للبحر المتوسط، ومع أمدية صاروخية تصل لألفي كيلو متر يصبح بمقدور الولايات المتحدة الأميركية خوض حرب ضد دول المنطقة مجتمعة وليس فقط ضد إيران، ومع ذلك ما زالت القيادة الأميركية مترددة وردودها حتى بحق الدفاع عن النفس ما زالت توصف بالهشاشة والضعف وغير المتناسبة.

هناك من قال إن واشنطن تحاول بتلك الفترة تطبيق نظرية الاحتواء على إيران وأذرعها كي لا تتسع ساحات الحرب وتؤثر على الحرب الدائرة في قطاع غزة، وأن وحدة الساحات التي لم تفعّلها إيران حتى الآن بخذلان واضح لفصائل قطاع غزة وفضح كامل لما يسمى محور المقاومة الذي وعد بإشعال الجبهات في حال تعرض أحد الشركاء لهجوم، وها هي إسرائيل تحرق قطاع غزة مع ساكنيه، بينما يكتفي الحوثي بصاروخين طائشين، ويكتفي نظام الأسد بطلقات خجولة لم تتجاوز حدود الجولان المحتل من اللواء 112 بالفرقة الخامسة الموجود في منطقة إزرع بريف درعا، وينشغل نصر الله بحرب “العامود” وحرب الشاشات شأنه شأن كل أقطاب محور إيران في المنطقة التي باتت على قناعة جديدة أن حروب إيران ما هي إلا حروب شاشات وحروب إعلام وتصريحات لا مرتسم لها على أرض الواقع، وتلك مناورة إيرانية وهروب تحاول أميركا الاستفادة منها وحصر الحرب الدائرة ضمن حدود قطاع غزة، ثم لاحقاً وبعد تحقيق الأهداف الإسرائيلية في غزة، يمكن للولايات المتحدة إكمال ما تم الحديث عنه قبل حرب غزة، من أن هناك خطة أمريكية لقص وقطع أذرع إيران بكامل منطقة الشرق الأوسط وإعادتها لداخل حدودها، وإنهاء حالة الهيمنة الإيرانية على بعض الدول العربية إن كان عبر ذراعها حزب الله أو عبر التخلص من الميليشيات الولائية في العراق، وكذلك كل الميليشيات التي صنعتها أو استقدمتها إيران لسوريا.

“أكون أو لا أكون” عبارة أطلقها شكسبير في مسرحيته المشهورة “هاملت” وعلى الولايات المتحدة انتهاج هذا المبدأ وتلك المقولة، فاليوم ومع بوادر الهيمنة الإيرانية على المنطقة، ومع النفوذ الروسي المتزايد بالشرق الأوسط، والتسلل الصيني لملفات حساسة في المنطقة بمشاريع ضخمة كطريق الحرير الجديد و “الحزام والطريق”، لا يكفي طرح مشروع طريق الهند ولا الاكتفاء بضربات هزيلة على ميليشيات إيران، بل الأمر يحتاج لإثبات وجود عسكري ونفوذ بالمنطقة يعيد للأميركان هيبتهم ويرسخ قناعات بدأت بالتلاشي لدى الحلفاء حول النفوذ وجدوى القوة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. وعليه، فإن عملية مواجهة تحرشات إيران وعبث أذرع إيران يجب أن تكون من أوليات العمل العسكري الأميركي عبر ضربات حاسمة وحازمة ومؤثرة تردع إيران وتعيدها لحجمها الطبيعي، إذا ما أرادت واشنطن أن تعيد ثقة الحلفاء وأن تعود لتمسك براية النفوذ الأوحد في منطقة الشرق الأوسط.