بعد الخسارات الكبيرة في جيل الشباب.. زيادة أعداد المسنين في المجتمع السوري

ليلى الغريب ـ دمشق

على خلاف سُنّة الحياة، منذ أكثر من عقد والآباء في سوريا يدفنون أبناءهم الشباب، أو يودعونهم مقهورين إلى بلدان بعيدة علّهم يصلون إلى أوطان آمنة بعيدة عن الحروب والصراعات.

هذا الاستنزاف الدائم لجيل الشباب جعل المجتمع السوري يسير في طريق مختلف من المجتمع الفتي الذي عرف بارتفاع نسبة النمو السكاني فيه، إلى مجتمع تزداد فيه نسبة المسنين، مع كل ما لهذا الأمر من تأثيرات اقتصادية واجتماعية.

تقديرات عالمية وإحصاءات محلية

لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الاسكوا” كانت أشارت إلى الارتفاع المتزايد في أعداد كبار السن في سوريا، وقدرت نسبتهم بنحو 7.2%  من عدد السكان لعام 2015 ، وهذا حسب تقديرات الاسكوا يعادل 1.7 مليون نسمة.

وتوقعت وصول  النسبة إلى 13% في عام 2050، أي ما يعادل  5.7 مليون نسمة.

وذكرت “الأسكوا” أنها دعمت مشروع الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان لوضع استراتيجية وطنية لكبار السن 2021 إلى 2030.

كذلك أظهرت بيانات المسح الديمغرافي لعام 2018، ارتفاع نسبة كبار السن في سوريا من 4.4% بعام 2010 إلى 5.3%  للعام المذكور، وأظهر بحث القوة العاملة لعام 2019 انخفاضاً في نسبة القوة البشرية 63% على حساب كبار السن (5%).

وكان تقرير حالة سكان سوريا لعام 2022 قد بين أن نسبة الشباب من الفئة العمرية 15 إلى 49 سنة انخفضت بسبب الهجرة والوفيات، وقدرت مفوضية الأمم السامية لشؤون اللاجئين أعداد السوريين المهجرين بسبب الأزمة بنحو 5.6 مليون نسمة لغاية 2021.

وكل هذه الأرقام تؤشر إلى زيادة أعداد المسنين في المجتمع السوري، بعدما كان يتميز بمعدل نمو سكاني مرتفع، وتحولت التحديات من وضع خطط تنمية تتناسب مع تزايد النمو السكاني إلى وضع خطط لكيفية التعامل في توسع ظاهرة المسنين الذين يفتقدون لأدنى الخدمات بعد تقاعدهم من العمل.

خطة استراتيجية

وأمام هذا الواقع أطلقت الحكومة استراتيجية جديدة للعناية بكبار السن بهدف تلبية احتياجاتهم من جهة، وتحسين حياتهم وتعزيز دورهم في المجتمع، من جهة ثانية، كما في الخطة وذلك كإجراء فرضته التغيرات الديمغرافية، والاجتماعية بعد الحرب.

ومن الإجراءات التي جاءت في استراتيجية التعاون بين مؤسسات الدولة والوزارات (وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الثقافة والإعلام والصحة) لتأمين حقوق المسن في حياة كريمة، سواء عن طريق راتب تقاعدي، أو تأمينات اجتماعية تؤمن له ما يكفيه دون الحاجة لأحد، وأن لا يعتمد على أبنائه لتأمين حاجاته الأساسية.

وعن مصادر التمويل لتحقيق هذه الاستراتيجية قال مدير سابق في هيئة شؤون الأسرة، لنورث برس، إنه يخشى أن يبقى المشروع حبراً على ورق مع الظروف الاقتصادية القاسية التي تمر فيها البلاد.

وأنه يمكن ببعض الجوانب أن يتم الاعتماد على المجتمع المحلي والتبرعات لتحقيق هذه الاستراتيجية، كما يحصل مع دار السعادة للمسنين بدمشق والتي تعتمد في تقديم خدماتها التي يمكن وصفها بالجيدة على التبرعات.

القارة العجوز

وعن الآثار الاقتصادية لهذه التغيرات البنيوية في المجتمع السوري، قال المدير المختص بالقضايا السكانية، إن أبرز ما تعانيه أوروبا خلال عقود، هو قلة عدد الفئات الشابة ولهذا يطلق عليها “القارة العجوز” وربما كان هذا أحد الأسباب التي شجعت تلك البلدان على فتح أبوابها للاجئين، لتعويض النقص في قوة العمل.

وأن التكاليف الاقتصادية كبيرة للمجتمعات التي يغلب فيها عدد المسنين على الشباب بسبب فقدانها لقوة العمل التي تنتج وتعيل. وأمل الباحث أن يجد المهاجرون من سوريا طريقهم للعودة إلى بلدهم بعدما تستقر الأوضاع فيها.

تحرير: تيسير محمد