إجراءات التقشف مستمرة والفقر يفرض عادات استهلاكية جديدة على السوريين
ليلى الغريب ـ دمشق
تخلَّى غالبية السوريين عن عاداتهم اليومية في كل شيء، مع الظروف الاقتصادية الخانقة. وتحول الضيوف إلى عبء لا طاقة للناس به، بعدما كانت أبسط الجلسات وأقلها كلفة هي “كاسة” المتة وتوابعها من مقرمشات وبذر وبعض أنواع الحلويات التي تقدم للضيوف في المناطق الشعبية.
لكن حتى هذه الضيافة أصبحت تعبر عن وضع جيد لأصحابها، لذلك عمدت الكثير من الأسر إلى استبدالها بخليط من الأعشاب المحلية التي يتم تجفيفها ووضعها في عبوة بلاستيكية، أو أن يتم طحن مادة الهندباء والتعامل معها كمشروب المتة.
نوع واحد
ويمكن في بعض الحالات الاستثنائية أن يتم إضافة بعض المتة لهذا الخليط، ويمكن أن يعوض البوشار عن البذر في بعض الأحيان. أما الفاكهة فأصبحت تقتصر على نوع واحد في البيت، وغالباً يتم تجاهلها.
ومما فرضته الظروف أيضاً أن يتم تقديم إما القهوة أو المتة والزهورات، علماً أن القهوة كانت ضيافة أساسية في المنازل، ولكن بعدما وصل سعر الكيلو إلى أكثر من 100 ألف ليرة سورية تغيرت طريقة الاستهلاك.
تقول الخمسينية نهلة عزيز، إنهم أصبحوا يعتمدون على الشاي، لأنه يمكن لملعقة شاي أن تعد أبريقاً يكفي للضيافة مهما كان العدد كبيراً، بعدما تعذر تقديم القهوة أو المتة للضيافة، كما كان يفعل الأهل حسب قولها، علماً أن سعر كيلو الشاي وصل إلى 160 ألف ليرة.
أغذية الأطفال
التقنين والتقتير وتغيير العادات في الاستهلاك الذي تفرضه الظروف الاقتصادية القاهرة لم يتوقف عند هذا الحد، بل تجاوزها الأمر إلى حليب الأطفال، حيث أصبحت الكثير من الأمهات تعتمد على تمديد حليب البقر لتقديمه للرضع بدلاً عن الأنواع الأخرى من الحليب التي لا طاقة لهم بشرائها كل أسبوع بمبلغ يصل مئات الآلاف.
وأشارت الثلاثينية ناهد العلي، لنورث برس، أنها بعدما دفعت كل راتبها ثمن لعبوتي حليب أمنتهم بشق الأنفس لابنها البالغ 6 أشهر عادت لاستخدام حليب البقر الممدد، لأنه مع ارتفاع أسعاره إلى 6500 ليرة للكيلو يظل أقل تكلفة، رغم أنه غير محبذ للأطفال دون عمر السنة كما أكد لها الأطباء.
وبينت أنها تحاول الاستغناء عن السيريلاك والأطعمة الجاهزة للأطفال، بإعداد ما يشبه هذه الوجبات في المنزل مثل الأرز المطحون والمسلوق الذي تعده في البيت.
للهدايا قصصها أيضاً، إذ إن غالبية الناس اضطرت لتغيير عاداتها في موضوع تقديم الهدايا التي كانوا يقدمونها في مناسبات النجاح أو الزواج بين الأهل والرفاق.
وبينت سكينة محمد، أنها تراجعت عن الكثير من الزيارات لأجل الهدية التي لا تستطيع شرائها، وأن من اعتاد أن يتبرع بمبلغ 100 ألف مثلاً للناجحين أو المتزوجين تم تعديلها إلى النصف رغم أن هذا المبلغ لم يعد يحقق شيئاً، ولكن مع هذه الظروف يقدر الجميع الأعذار والإمكانات.
أمر واقع
وضمن هذا السياق، بينت اختصاصية علم الاجتماع دولت اسكاف، لنورث برس، أن الظروف فرضت تغيير الكثير من العادات والثقافات الاجتماعية، وأنه لا غضاضة في ذلك، إذ ليس من المنطقي لأي أسرة أن تحرم أبنائها لكي تقدم هدية، أو تستلف المال لتقديم ضيافة.
ودعت للاعتماد على الإنتاج المحلي في كل بيت قدر الإمكان، إذ إن المواد المستوردة أصبحت غير متوفرة لدى أغلب المنازل بسبب ارتفاع أسعارها بالتزامن مع سعر الدولار، كالمشروبات الغازية، ويمكن للمنتجات المحلية كالليمون والبرتقال والتين والزبيب وغيرها مما هو موجود في الأراضي السورية أن يتم الاعتماد عليه كبديل، وهذا سيحقق فائدة مزدوجة للمنتج من جهة وللمستهلك من جهة أخرى.
مواد بديلة
أو الاستغناء عن اللحوم الطبيعية بمواد مصنعه من الصويا تعطي الفائدة والطعمة القريبة من اللحوم، وبتكاليف أقل.
وهذا ينطبق على الحلويات أيضاً، فيمكن إعداد أنواع من الحلويات في المنزل بأقل التكاليف، رغم أن أقل التكاليف أصبح مكلفاً على دخل الأسر مع وصول سعر كيلو السكر إلى أكثر من 15 ألف ليرة.