فوضى أمنية وانتهاكات.. أسباب تمنع نازحي تل أبيض من العودة لمنازلهم
فياض محمد – الرقة
يجد إبراهيم نفسه مجبراً على البقاء في مخيم تل السمن الذي نزح إليه منذ ما يقارب الأربع سنوات، رغم صعوبة الإقامة فيه والظروف المعيشية، إلا أنه “أفضل من العودة”.
يفضّل إبراهيم الإبراهيم، وهو نازح في مخيم تل السمن، شمالي الرقة، شمالي سوريا، البقاء في المخيم على العودة إلى منزله في بلدة سلوك بريف تل أبيض، بسبب استيلاء فصائل موالية لتركيا على أراضيهم.
في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، اجتاحت القوات التركية وفصائل مسلحة موالية لها، منطقتي تل أبيض، وسري كانيه/ رأس العين، في عملية أطلقت عليها “نبع السلام”، أسفرت عن تهجير نحو 300 ألف من سكان المنطقة، وفق تقارير.

لايزال “الإبراهيم” يتعلق بأمل العودة، لكن “دون وجود تركيا وفصائلها في منطقته”، إذ إن الانتهاكات التي تُمارس بحق المدنيين هناك، هي ما تمنعه.
فوضى أمنية ومخاوف
يتشابه الرجل في الحال، مع عشرات الآلاف من سكان تل أبيض، غالبيتهم يقطنون في مخيم تل السمن، وجزء منهم انتقل للعيش في مدينة الرقة وقراها، بعد أن تحولت منطقتهم إلى بيئة تسودها الفوضى الأمنية والانتهاكات بحق السكان، وفقاً لعشرات التقارير الحقوقية.
ودفعت العملية التركية لنزوح نحو 300 ألف شخص من ديارهم، بينهم، تهجير ما يقارب 175 ألف شخص من المنطقة الممتدة بين سري كانيه وتل أبيض والتي كان يزعم الرئيس التركي إنشاء “منطقة أمنة” فيها وفقاً لتقارير.
“المنطقة الآمنة”؛ التي زعمت تركيا إنشائها، لا يأمن “الإبراهيم” وأقرانه العودة إليها، رغم امتلاكهم منازل وأراض زراعية من شأنها تحسين أوضاعهم المعيشية.
يجد هؤلاء في الخيام ملجأً لمتابعة حياتهم دون مضايقات أمنية وتحكّم من قبل فصائل معارضة موالية لتركيا، لعناصرها سطوة على المدنيين دون محاسبة، وفق تقارير وما يقوله سكان.
بعيداً عن منازلهم يقاسي “الإبراهيم” وأقرانه ظروفاً معيشية واقتصادية صعبة، فضلاً عن انتشار الأمراض، ومواجهة الظروف المناخية القاسية صيفاً وفي الشتاء.
وخُصص مخيم تل السمن 35 كم شمال مدينة الرقة، لنازحين من مدينة تل أبيض وريفها، الذين نزحوا جراء عملية “نبع السلام”، ويقطن في المخيم حوالي 6621 نازح موزعين على 1261 عائلة، غالبيتهم من كبار السن وأطفال ونساء.
وبعد أن كان النازح سيد نفسه في قريته التي يمتلك فيه قطعة أرض يعتاش منها وعائلته، يضطر الرجل للعمل بالمياومة بما يتوفر له من عمل، حيث يجني حوالي 500 ألف ليرة، لا تكفيه لتأمين أساسيات عائلته.
يعاني نازحو منطقة تل أبيض من ظروف نزوح قاسية، نتيجة قلّة المساعدات الإغاثية المقدمة لهم.
“أرضي راحت، لا أمل لنا بالعودة سوى بخروج تركيا من منطقتنا”، يقول “الإبراهيم”، بلسان حال غالبية النازحين في مخيم تل السمن، والمهجرين من شمالي الرقة.
مخاوف من المتشددين
وعلى مقربة من خيمة “الإبراهيم”، تكمن خيمة وفاء الباشا، امرأة في الأربعينيات من عمرها، نزحت عند دخول فصائل المعارضة المسلحة، التي تحتوي على عناصر متشددين بعضهم من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
ووثقت تقارير إعلامية وجود عناصر سابقين من تنظيم “داعش” ضمن صفوف الفصائل المتواجد في تل أبيض وريفها، واستهدفت طائرات التحالف الدولي قياديين في التنظيم في بلدات تسيطر عليها الفصائل الموالية لتركيا.
استهدفت طائرة مسيّرة تابعة للتحالف الدولي، قيادياً في تنظيم “داعش”، في بلدة حمام التركمان بريف تل أبيض بثلاثة صواريخ، أثناء قيادته دراجة نارية بالقرب من البلدة أدت لمقتله.
كل ذلك، كان سبباً يحتّم على وفاء ترك بلدة تل أبيض، خوفاً من المتشددين، الآن؛ وفي أعلى خيمتها نصبت المرأة صليباً، دلالة على أنها من الديانة المسيحية، وتعلقاً بمعتقدها.
وقبل بدء الحرب السورية كان يقطن في تل أبيض حوالي 150 عائلة من الديانة المسيحية، نزحوا غالبيتهم إبان سيطرة التنظيم على مدينتهم، وعادوا للنزوح مجدداً مع دخول فصائل المعارضة المسلحة الموالية لتركيا إليها.
تقول “الباشا”، إن ما يدفعها للبقاء في المخيم صعوبة الظروف المعيشية، لكن الأهم وفق قولها “الكرامة فوق كل شيء”، وتطالب المرأة المنظمات الدولية والحقوقية بالضغط على تركيا للخروج من تل أبيض، لتعود لموطنها.
الكرامة أولاً
في حديثه عن أسباب عدم عودته ونزوحه من بلدته بريف تل أبيض، يقول مصطفى الحسين، وهو نازح في مخيم تل السمن “كرامتنا غالية علينا”.
لذا ترك الرجل ممتلكاته واختار النزوح في مخيم، على أمل العودة، والتي يراها وأقرانه لن تتحقق بوجود الفصائل الموالية لتركيا، نظراً لما ترتكبه من انتهاكات بحقوق الإنسان في المنطقة التي تسيطر عليها.
يقول “الحسين”، إن تركه بلدته ونزحوحه من أرضه، حفاظاً على كرامته وعرضه من الاستباحة.
من جهته قال محمد شيخ علي، وهو إداري مخيم تل السمن، إن النازحين عانوا خلال السنوات الماضية من “شح” المساعدات الإنسانية، ورغم جهود الإدارة الذاتية لدعمهم، لكنها لا تغطي حاجة النازحين.
وأضاف أن قطاع التعليم في المخيم “مهمل”، إذ لم تدخل أي منظمات لتعليم أطفال النازحين، فضلاً عن قلة الأدوية والنقاط الطبية.
وأشار إلى ازدحام كبير في المخيم، نتيجة تزايد أعداد النازحين، في ظل استمرار القصف التركي على الشمالي السوري، لا سيما في ريف عين عيسى.
وطالب المسؤول الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالعمل على إعادة النازحين إلى مناطقهم، وإخراج تركيا من الأراضي السورية.