نشأت الطائفة الدرزية في مصر كفرع من الشيعة الإسماعيلية في عهد الخليفة الفاطمي السادس الحاكم بأمر الله، حيث بدأ بعض علماء الدين الإسماعيليين بتنظيم حركة تعلن أن الحاكم شخصية إلهية. نشأ الإيمان من التقليد الباطني للمعتقد الإسماعيلي في بداية القرن الحادي عشر، عندما رحبت مجموعة صغيرة من الإسماعيليين بالخليفة الفاطمي الحاكم كالمهدي وتجسيد لله في وحدته، لذلك يسمّون أنفسهم بالموحّدين. اندثرت الطائفة الدرزية في مصر بشكل تدريجي، ولكنها استمرت في المناطق المعزولة والبعيدة في سوريا ولبنان، حيث نجح المُبشّرون في تأسيس مجموعات مجتمعية هامة، فحيثما وُجِدوا يشكل الدروز مجتمعات متماسكة تُغلق أبوابها أمام الأشخاص الأجانب منذ عام 1043 ميلادي، ولم يُسمح لهذه المجموعات بتغيير طائفتها. تتجذر التعاليم الأساسية للطائفة الدرزية في الإسلام حيث يؤمن الدروز بقوة في وحدانية الله، وصدق القرآن ككلام من عند الله، وصدق النبي محمد كرسول من عند الله. ولكن بعض معتقداتهم مثل التجسّد تميزهم عن الأيديولوجية الإسلامية الرئيسية. بالإضافة إلى ذلك، يتضمن المعتقد الدرزي بعض عناصر الغنوصية (المعرفة) والأفلاطونية الحديثة والزرادشتية، وحتى الفلسفة اليونانية الكلاسيكية في معتقداتهم الدينية. وبالنسبة لحكماء الدروز، فإن إيمانهم هو مدرسة فلسفية ضمن مجال الإسلام، وليس ديانة منفصلة.
على الرغم من صغر حجم مجتمعهم، كان للدروز دور بارز في تاريخ الشرق الأوسط، فخلال الحروب الصليبية، ساعد الجنود الدروز القوات الأيوبية وفيما بعد القوات المملوكية لصد تقدم الصليبيين على سواحل لبنان. تمتّع الدروز بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي تحت حكم الدولة العثمانية، ولكنهم غالباً ما كانوا يتمرّدون ضدها، وكانوا محميين من السيطرة العثمانية المباشرة بسبب تضاريس مناطقهم الجبلية كالعديد من الجماعات العرقية الأخرى في الشرق الأوسط، مثل الكرد. يعيش الدروز في عدة دول مختلفة، مفصولين بحدود رسمت بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في أوائل العشرينيات من القرن الماضي. على الرغم من أن لبنان يحتوي على أكبر تجمع للدروز، إلا أنه يتواجد في سوريا أكبر عدد سكاني للدروز حيث يتجاوز 600,000 نسمة. معظم الدروز في سوريا جاؤوا من لبنان في القرن الثامن عشر واستقروا حول السويداء في منطقة جبل الدروز حيث يعيش الغالبية العظمى من الدروز هناك حتى هذه الأيام. يوجد تجمعٌ كبيرٌ من الدروز أيضاً في إسرائيل حيث يبلغ عددهم حوالي 150,000 نسمة، ويتواجدون بالكامل في مناطق شمال البلاد. يضمّ الأردن أيضاً مجتمعاً صغيراً من الدروز، وتوجد مجتمعات مهاجرة في دول الخليج والولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية، وخاصة في فنزويلا.
في هذه الأيام كما في جميع فترات تاريخهم، يظل الدروز غامضين، ومع ذلك بالنظر إلى جميع الأساطير والاعتقادات الخاطئة التي تحيط بهم، يظل الغموض الحقيقي هو أنه كيف استطاعت هذه الطائفة الصغيرة التي تشكّل أقلية صغيرة ضمن أقلية أن تتعايش بسلام في المشهد السياسي والثقافي المضطرب في الشرق الأوسط وتلعب دوراً مهماً فيها.
والسبب الأكثر احتمالية لذلك هو أن الدروز مخلصون للأرض التي يعيشون عليها ويحمونها، كما رأينا في لبنان وسوريا وإسرائيل. ومنذ استقلال سوريا في عام 1946، كان الدروز داعمين بارزين لحكومات سوريا والأنظمة السورية بغض النظر عن الخلفيات الفكرية، فالدروز فريدون من بين الجماعات العربية في إسرائيل ومعروفون بولائهم للدولة. بعد أن هدّدت القيادة السنية في القدس بالسيطرة على مرقد يثرون في طبريا في عام 1942، انضمّ الدروز إلى القوات اليهودية في حرب 1948، ومنذ ذلك الحين شارك الجنود الدروز في القتال لصالح إسرائيل في كل حرب عربية-إسرائيلية، فهم الجماعة العربية الوحيدة التي تُجنَّد في قوات الدفاع الإسرائيلية، ويشاركون في أمن الحدود والهيئات الدبلوماسية الإسرائيلية. وبعد تأسيس لبنان، أصبح الدروز بقيادة كمال جنبلاط قوة تحدّت النموذج الطائفي الذي كان يفضِّل المسيحيين وأصبحوا بمثابة القادة الفعليين لحزب اليسار السياسي، وعلى الرغم من الفشل التاريخي في تغيير النموذج الطائفي اللبناني الذي كان مغايراً لمصلحة الدروز فإن المشاركة السياسية للدروز كانت مهمة.
عندما ضربت موجة الربيع العربي سوريا في آذار/مارس 2011 وأسفرت عن اندلاع الانتفاضة الشعبية في المراحل الأولى من الصراع المدني، اختار الدروز اتخاذ موقف الحياد، ولكن في وقت لاحق وبسبب تحول الانتفاضة إلى حرب أهلية دموية مصحوبة بتصعيد من قبل التنظيمات الإسلامية الجهادية، واجه الدروز تهديداً لوجودهم بشكلٍ غير مسبوق بصفتهم أقلية صغيرة للغاية، حيث أدرك الدروز حينها ولأول مرة منذ قرون عديدة أن وجودهم الأساسي في المنطقة لم يعد حقيقة واضحة. وتم التأكد من مخاوف الطائفة الدرزية من الجهاديين في حزيران من عام 2015 عندما تمّ ذبح عشرات الدروز في قرية صغيرة بالقرب من إدلب في شمال غربي سوريا من قبل إرهابيين جهاديين من جبهة النصرة، وعلى إثر ذلك وصلت غالبية الدروز للاعتقاد بأن النظام السوري بقيادة بشار الأسد هو أقل الشرور وأن انهياره سيؤدي إلى تفكك الدولة نفسها, ولذلك قرر الدروز الوقوف إلى جانب النظام السوري. وكانت هناك احتجاجات عديدة ضد الحكومة السورية في مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في الأسابيع القليلة الماضية، وقد أشعلت هذه الاحتجاجات ارتفاعات مفاجئة كبيرة في أسعار الوقود، ولا يمكن اعتبار هذه الاحتجاجات تهديداً لدمشق لأنها تهدف إلى الحصول على ظروف اقتصادية أفضل بدلاً من الضغط من أجل أي مطالب سياسية.
يمكننا أن نستنتج أن الدروز وجدوا مكاناً لهم في كل دولة يعيشون فيها، وبالتالي قد يتمكّن الدروز في السنوات القادمة من ترك أثر بما يخص سياسة الدولة والمساهمة على الأقل في الفسيفساء الدينية للمنطقة، ومع ذلك بصفتهم أقلية فليس لديهم حلفاء، ولذلك فإن وجود الدروز يعتمد على التوصل إلى ترتيب مع جهات فاعلة أكثر قوة. وتُعتبر الطائفة الدرزية في إسرائيل الأغلبية اليهودية المهيمنة, وفي لبنان ذو الطوائف المتعدّدة لا توجد أغلبية واضحة لها حيث يمكن إنهاء أي تحالفات حسب المصالح الحالية والوضع السياسي الأوسع. وفي سوريا ذات التقسيمات الطائفية تتغير موازين القوة من أجل البقاء حيث يتعيّن عليهم التحالف مع مجموعة مهيمنة سياسياً.
المقال للكاتب مانيش راي، كتبه لقسم الإنكليزي في نورث برس وترجم للغة العربية