القامشلي – نورث برس
طالت انتقادات مجسماً “بيئياً” من الحديد والإسمنت وضع أمس وسط مدينة القامشلي، واُطلق عليه تسمية “شجرة الحياة” وقال المشرفون إنها رسالة استنكار “لقطع أشجار الزيتون في عفرين” الخاضعة للسيطرة التركية.
وأمس الثلاثاء، دشنت هيئة الإدارة المحلية بإقليم الجزيرة في الإدارة الذاتية، وجمعية “الجدائل الخضراء”، ومنظمة “art’situ” (فن الموقع) الفرنسية ورئيسها الفنان باسكال بيجانان، “شجرة الحياة” وسط القامشلي، وتتكون من قاعدة إسمنتية وجذور من الأسلحة وخوذ جنود تتفرع منها أغصان قال المشرفون إنها لشجرة زيتون وجميعها مطلية باللون الرمادي.
وطال المجسم انتقادات فحواها أنه لأغراض بيئية رمزية لكنه صُنع من الحديد والإسمنت وسط شارع مختنق بيئياً حيث يتعالى ضجيج مولدات كهربائية موضوعة على بعد أمتار من “شجرة الحياة”.
ويعتمد الفرنسي باسكال بيجانان على الحديد في أعماله، وقال للصحفيين أمس إن المجسم رسالة تضامن مع شعوب المنطقة.
إلا أن العمل لم يعجب الشاعر كمال نجم المنحدر من ريف القامشلي، وكتب على موقع فيس بوك “إذا قال لك الأجنبي إن هذه شجرة حياة وليست كومة حديد، فهذا يعني أنها شجرة حياة..”.
المخرج السينمائي محمود جقماقي قال إن فكرة المشروع بدأت منذ سنتين وحينها كانت رد فعل على أشجار حجرية في مدخل مدينة تل كوجر (على الحدود السورية العراقية)، “انتقدنا وتنمرنا على القائمين على ذلك المشروع، ماذا تفعلون اليوم؟؟؟”.
وبرأيه فأن “شجرة حقيقية واحدة في القامشلي يبني عصفور عشه بين أغصانها خير من موناليزا وكل الفنانين في كوكب أوربا الشقيقة”، وفقاً لتعبيره.
بينما قال جهاد درويش وهو صحفي من القامشلي على نفس المنصة “عذراً منكم.. وبالتحديد من الفنان الفرنسي باسكال، إنها ليست شجرة الحياة، إنها شجرة حديدية موضوعة على طبقة سميكة من الإسمنت وخلفها حوالي خمس مولدات لتوليد الطاقة الكهربائية.. العمل الفني الخاص بك هو انتهاك بيئي يضاف الى لائحة الانتهاكات البيئية”.
وقال إن الحديث عن آلية صناعة مثل هذه الشجرة يوضح حجم الأضرار على البيئة، وأضاف “كان من الممكن زراعة شجرة في الساحة وإضافة اللمسات الفنية إليها”.
الناطق باسم جمعية “الجدائل الخضراء” في شمالي سوريا، زيور شيخو، قال في تسجيل صوتي لنورث برس إنهم بدأوا بالفعل على المشروع منذ سنتين وأن المواد الخام الداخلة فيه كلّفت ما يقارب 6000 دولار أميركي دفعتها المنظمة الفرنسية.
فنياً، قال فنان تشكيلي لنورث برس، إن أعمال “بيجانان” ذات “قيمة عالية” وهو مختص بعمل مجسمات الحديد، لكن هذا العمل ليس بقيمة فنية ولا يضيف جديد سوى تلوث بصري موجود بالمنطقة.
وانتقد صناعة المجسم بالحديد لأنه المادة الأولى في التاريخ الداخلة بصناعة الأسلحة ليومنا هذا، قائلاً كان من الممكن صناعة مجسم شجرة من مواد أخرى.
وخلال السنوات الفائتة، تعرضت تماثيل ومنحوتات نصبت في ساحات ومداخل مدن شمال شرقي سوريا، لموجة انتقادات، بينما قال نقاد وفنانون تشكيليون إن هذه الأعمال مشوهة وتفتقد للمعايير الفنية.
ولفت فنانون ومسؤولون في مؤسسات الإدارة الذاتية إلى عدم وجود أي لجان تقييمية أو استشارية تملك قرار رفض أعمال نحتية لمعالم المدن أو طلب تعديلها أو استبدالها.
وقال بيان مشترك للمشرفين على العمل إن “الفنان الفرنسي استخدم الحديد وبقايا الأسلحة ومخلفاتها التي حارب بها خيرة أبناء المنطقة الإرهاب والاستبداد لإرساء السلام، وقد تم اختيار أوراق شجر الزيتون للأغصان في اشارة لرمزية هذه الشجرة والتي من خلالها يستعرض الفنان الابادة البيئية في عفرين”.
وقال باسكال بيجانان، “ليس هناك شك في رسالتها (شجرة الحياة)، لماذا أسلحة الحرب على تمثال يعبر عن الحرية والسلام؟ الأسلحة للأسف جزء من تاريخ الشعب الكردي”.
وأضاف أنها علامة تفاهم وتعاون بين فرنسا والشعب الكردي، بحسب تعبيره، وستعرض مراحل إنشاء المجسم عبر فيلم وثائقي خلال الفترة القادمة.
وتعليقاً على الانتقادات البيئية التي طالت المجسم، قال زيور شيخو إن جمعيتهم مستمرة بزرع الأشجار لتغيير الواقع البيئي “المؤلم”، لكن “لا مانع من وجود مجسم يذكرنا بالكارثة البيئية خاصة في المناطق التي تحتلها تركيا”.
وتجاوب شيخو مع الانتقادات بأنها “محقة إلى حد ما” ودعا إلى “تكاتف الجميع” لإزالة كافة مسببات الأضرار البيئية خاصة فيما يتعلق منها بالمولدات الكهربائية.
لكنه أيضاً قال إن تحميل مجسم فني رمزي كل أعباء الكارثة البيئية “أمر غير عادل”.