فنانون ونقاد: التماثيل في شمال شرقي سوريا تشويه بصري و إساءة لرموز المجتمع

الدرباسية – دلال درويش – نورث برس

 

تعرضت تماثيل ومنحوتات نصبت في ساحات ومداخل مدن شمال شرقي سوريا، مؤخراً، لموجة انتقادات على صفحات التواصل الاجتماعي، بينما قال نقاد وفنانون تشكيليون أن هذه الأعمال مشوهة وتفتقد للمعايير الفنية.

 

ولفت فنانون ومسؤولون في مؤسسات الإدارة الذاتية إلى عدم وجود أي لجان تقييمية أو استشارية تملك قرار رفض أعمال نحتية لمعالم المدن أو طلب تعديلها أو استبدالها.

 

"نقص الكفاءات"

 

وقال الفنان التشكيلي محمد شاهين، من مدينة كوباني، شمالي سوريا، إن عيوب هذه الأعمال تعود إلى اختيار أشخاص لا يتمتعون بالكفاءة والأكاديمية لتنفيذها، "الفنانون الأكاديميون قلة للأسف، بعد أن هاجر معظم فنانينا إلى أوروبا، لهذا ظلت الساحة لذوي القدرات المحدودة".

 

وعبر "شاهين" عن أسفه لما آل إليه حال الفن، "حتى أصبح مادة للتنمر والسخرية على مواقع التواصل".

 

وكانت هيئة الثقافة في إقليم الفرات قد أصدرت بياناً على حسابها الرسمي على موقع فيسبوك في /21/ أيار/ مايو الفائت، اعتذرت فيه للأهالي عن تنفيذ "عمل نحتي غير موفق" والمتمثل بالكرة الأرضية وسط مدينة كوباني، لتقوم الهيئة لاحقاً بإزالة العمل.

 

وقال "شاهين" إنه طرح على الإدارة الذاتية قبل الآن التواصل مع الفنانين وتشكيل لجنة مختصة لتقييم مشاريع الأعمال قبل القيام بنصبها لكي تتولى اللجنة مسؤولية هذه الأعمال وتتخطى هذه المشاكل، "وإلا فإن التشويه البصري والجمالي سوف يستمر" وفق قوله.

 

وتُعرف مناطق شمال شرقي سوريا بثرائها التاريخي بالمنحوتات التي تجسد تاريخ شعوبها والحضارات التي مرت عليها، كالسومريين والآشوريين والحوريين والميتانيين وغيرهم، ولعل أبرزها المنحوتات في موقع (تل حلف) التاريخي بالقرب من مدينة سري كانيه، وكذلك مجسمات منطقة (عين دارا) في مدينة عفرين والعديد من المواقع الأثرية في المنطقة.

 

"تشويه مرعب"

 

وقال الكاتب والناقد التشكيلي طه خليل، من القامشلي، إن "التشويه البصري والمعرفي مرعب في أغلب التماثيل التي وضعت حتى الآن في ساحات ومداخل المدن، بدءاً من تمثال المرأة الحرة في عامودا ومروراً بتمثالَي كاوا الحداد في سري كانيه وعفرين، ووصولاً إلى تمثال المرأة الحرة في ساحة آرين ميركان في كوباني".

 


(صورة تمثال المرأة الحرة في عامودا)

 

وأضاف "خليل" أن المسؤولين الإداريين شاركوا في وضع هذه الأعمال "غير الفنية"، وهم يتحملون مسؤولية ذلك.

 

 ووصف حالها بأن "هناك أخطاء تشريحية مضحكة في هذه الأعمال بالإضافة إلى القبح والتشوه في الوجوه المنحوتة، وهذا ما أعده استهتاراً بقيم مجتمعنا ورموزه من قبل الذين يوافقون على نصب هذه التماثيل".

 

ويرى "خليل" الحل في أنه "يجب أن تكون هناك لجان مختصة من فنانين ونقاد تشريح وعلماء تاريخ، وإلا فإننا نكون قد ارتكبنا جريمة بحق رموزنا وأعيننا".

 

وكانت جملة من الانتقادات والسخرية قد اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي بعد نصب تمثال لحمامة في ساحة بحي المفتي في الحسكة في أيار/ مايو الفائت، لكن القائمين على وضع التمثال أبقوه رغم الانتقادات.

 

وأشارت التعليقات الساخرة إلى أن تمثال الحمامة يشبه دجاجة أو إحدى الطيور الأخرى، ووصل الأمر إلى حد السخرية من أن "الحمامة لا تجلس على مؤخرتها" في إشارة إلى التمثال الذي يفترض أن يرمز للسلام.
 

"استشارة دون جدوى"

 

وقال الفنان التشكيلي منير شيخي، من مدينة الدرباسية شمال الحسكة، إن هيئة الثقافة طلبت في نهاية العام 2017 تشكيل لجنة من الفنانين المختصين بخصوص عمل نحتي كانت تخطط لوضعه في إحدى ساحات مدينة القامشلي، وأنهم رفضوه لأنه غير جدير، "لكن المؤسف إنه بعد ذلك وضعت عشرات الأعمال في ساحات المدن من دون أن نشعر بها لا نحن في لجنة الفنانين ولا هيئة الثقافة" بحسب تعبيره.

 


(نصب الكرة الأرضية كوباني)
 

وعزا "شيخي" ذلك إلى ضعف التنسيق بين مؤسسات وهيئات الإدارة الذاتية الثقافية وعدم إلمام المسؤولين فيها بهذه الأمور لعدم وجود مختصين.

 

وأشار إلى أن الأعمال التي أنجزت تعاني من "مشكلات سحيقة جمالياً وتعبيرياً (..) وهي من أعمال أشخاص غير مختصين وغير مهنيين وبعيدين عن المشهد الفني"، على حد تعبيره.

 

وأضاف أن "هذه الأعمال تسببت بتلوث بصري وتشويه، ما سيترك تأثيراً سلبياً على جمالية المدن والذاكرة البصرية للأجيال القادمة".

 

من جانبها قالت نائب الرئاسة المشاركة لهيئة الادارة المحلية والبيئة في إقليم الجزيرة، بيريفان عمر، إن آلية إنجاز التماثيل ووضعها في الساحات "غير محددة حتى الآن، رغم أن تشكيل لجنة من المختصين هو الحل الأمثل للحد من هذه الظاهرة".

 

وأضافت:" مشروع تشكيل لجنة لتقييم الأعمال النحتية قبل نصبها قيد الدراسة، ولكننا نحاول في البداية إيجاد آلية لاختيار فكرة العمل النحتي قبل كل شيء".