يسرى درويش.. مسيرة تعليم وتأسيس أوقفتها مسيّرة تركية
القامشلي – نورث برس
في غرفة ليست بالكبيرة في مدينة عامودا غربي القامشلي، يتصفح نضال إبراهيم صور زوجته منذ أيام الجامعة، ينظر إلى محاضرات اللغة الفرنسية وكتب اللغة الكردية، غمرته الدموع حين نظر إلى صورة يسرى درويش المعلقة على الجدار حديثاً بعد أن استهدفتها مسيّرة تركية قبل أيام.
يوم الثلاثاء الفائت، أعلنت الإدارة الذاتية في شمالي سوريا، فقدان مسؤولين لحياتهم باستهداف مسيرة تركية لسيارتهم في ريف مدينة القامشلي، وهم الرئاسة المشتركة لمجلس مقاطعة القامشلي “يسرى درويش”، ونائبة الرئاسة المشتركة “ليمان شويش”، وسائقهم “فرات توما”، وإصابة الرئيس المشترك لمجلس المقاطعة “كابي شمعون”، أثناء قيامهم بجولة ميدانية لمؤسسات الإدارة الذاتية في المقاطعة.
يسرد إبراهيم محطات هامة في حياة زوجته يسرى متسائلاً عن السبب الذي جعلها هدفاً لمسيرة تركية، وهي مدرّسة للكردية والفرنسية ولم توجه سلاحاً ضد الدولة التركية.
يسرى محمد درويش (53 عاماً) من مدينة عامودا غربي القامشلي, درست بجامعة حلب اللغة الفرنسية, ودرّستها لسنوات لكن مع بداية عام2012 حين حصل الكرد على شكل الحكم الذاتي في سوريا، بدأت بتعليم الكردية وتأسيس مؤسساتها، وأدارت مدارس عامودا الكردية لسنوات.
نضال ويسرى تزوجا قبل 15 عاماً، يقول لنورث برس: “زوجتي مدنية تعمل ضمن المؤسسات الاجتماعية التي تخدم الأهالي, هي لا تحمل السلاح ولا تحارب, لماذا يتم استهداف المدنيين بهذه الطريقة الوحشية؟”.
منذ عامين عملت يسرى إدارية في مجلس مقاطعة عامودا وقبل ثمانية أشهر تسلمت مهام الرئاسة المشاركة لمقاطعة القامشلي، وهي تقسيمات خدمية إدارية اعتمدتها الإدارة الذاتية في المنطقة.
تقول الإدارة الذاتية إن الاستهداف التركي للمدنيين “يهدف لضرب استقرار المنطقة ويأتي بالتزامن مع قرار الإدارة بالبدء بمحاكمة عناصر تنظيم داعش الأجانب”.
هكذا أوضحت الإدارة أسباب القصف في بيانها، وطالبت المجتمع الدولي وكل من الولايات المتحدة وروسيا بوضع حد للاستهدافات التركية المتكررة.
أما نضال فيقول إن زوجته كانت محبوبة في مجتمعها درّست المئات من أبناء عامودا اللغتين الفرنسية والكردية، بعد تخرجها من جامعة حلب لم يتم تعيين يسرى كمدرّسة مثبتة في المدارس حينها لأنها مكتومة القيد لا تحمل الهوية السورية، لذلك كانت تدرس بنظام الساعات.
ومكتومي القيد هم من لم تسجلهم دمشق في سجلاتها الإحصائية ولم تمنحهم الجنسية، يحصلون على بطاقة مكتوم القيد لكنهم لا يحصلون على وظيفة أو عقار أو أي سجل باسمهم حتى ولو تخرجوا من الجامعات، وهي سياسية إقصائية مثل قرار الحزام العربي، طبقتها الحكومة في مناطق الكرد بالجزيرة السورية.
بالعودة إلى يوم استهدافها، يقول نضال إبراهيم “هي المرة الأولى التي خرجت فيها من المنزل دون أن تودعني”، تنهمر دموعه مطالباً بوقف هذه الهجمات على سكان المنطقة.

“أين حقوق الإنسان، لا أحد يساندنا، يقفون في صف الدولة التركية القوية، كيف وأين أشتكي على المرتزق أردوغان”، يقول نضال.
يتساءل، كيف تشكل زوجته خطراً على الأمن القومي التركي وهي لم ترمي حدودها المتاخمة بحجرة واحدة، “على العكس الطائرات التركية ومدفعياتها لا تتوقف عن قصفنا، العام الفائت أحرقوا قمحنا وأرزاقنا، تحاربنا تركيا بشتى الوسائل المتاحة لها”.
تقول هناء خالد وهي صديقة يسرى ومسؤولة في إدارة مدارس عامودا، إنها في حالة صدمة ولا تصدق رحيل صديقتها التي عملت معها لسنوات في تدريس اللغة الكردية.
“كانت يسرى معلمة وإدارية في السلك التعليمي والتربوي, وعملت مؤخراً لخدمة مجتمعها، ما ذنبها ليتم استهدافها بهذا الشكل”.
ترى خالد أن تركيا تهدف من خلال استهدافها للمدنيين إلى نشر الرعب والخوف بين السكان وزعزعة الأمن والاستقرار بمناطق شمال شرقي سوريا.
لم تبدِ الولايات المتحدة ولا روسيا الضامنتين في المنطقة أي رد فعل على الاستهداف التركي ليسرى ورفاقها، اكتفى مسؤول الخارجية الأميركية ماثيو ميلر بـ “القلق” على تزايد العنف، وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جون كيربي، إنهم “يتفهمون المخاوف التركية”.