خبير اقتصادي يوضح أسباب الأزمة الاقتصادية السورية ويقترح حلاً مشتركاً طرفاه دمشق والإدارة الذاتية
محمد البوزو – NPA
تزداد المصاعب الاقتصادية في سوريا، نتيجة الارتفاع الشديد في أسعار المواد، والذي يعود لانخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، في حين يُرجع باحث اقتصادي هذا التدهور في العملة لأسباب عديدة، مقترحاً حلاً سياسياً للأزمة السورية بالإضافة لتعاون مشترك، طرفاه دمشق والإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، والتي لديها موارد اقتصادية مقبولة من النفط والغاز.
ووصلت الليرة السورية لأدنى مستوى لها مقابل الدولار الأمريكي في السوق السوداء منذ بداية الأزمة السورية.
ويقول الأكاديمي والباحث الاقتصادي السوري، خورشيد عليكا، في حديث مع "نورث برس" إن الأزمة الاقتصادية ليست بجديدة وإنما "بدأت بالتدهور تدريجياً نتيجة استمرار الأزمة السورية، وعدم وجود حلول سياسية واضحة في الأمد القريب وخروج رؤوس الأموال من سوريا وتفكيك المعامل ونقلها إلى كل من تركيا ومصر".
ووصل سعر بيع الدولار الواحد أمام الليرة السورية الآن في السوق السوداء إلى أكثر من /800/ ليرة سورية، وسط ارتفاع الطلب وانخفاض إمدادات الدولار، وهذا الانخفاض أثر سلبا على حياة المواطنين السوريين.
المصرف المركزي
ويقول الباحث الاقتصادي: إن "المصرف المركزي السوري ليس لديه أي قدرة فعّالة للتدخل في السوق لتحقيق الاستقرار في سعر الصرف، لأن الحكومة فقدت أدواتها السياسية النقدية واستقلاليتها وأصبحت تدار من قبل السياسيين والعسكريين".
وأشار عليكا إلى أنه "لا يزال سعر صرف الدولار الواحد لدى مصرف سوريا المركزي /434/ ليرة سورية في حين أن سعرها في السوق السوداء وصل إلى أكثر من /800/ ليرة سورية وهي تعتبر السعر الرسمي في حين السعر المحدد لدى مصرف سوريا المركزي يعتبر سعراً وهمياً".
وأرجع عليكا السبب الرئيسي في تدهور الليرة السورية إلى تعدد أطراف النزاع في سوريا، ما أفقد الحكومة السورية القدرة على أن تدير الاقتصاد بشكل منفرد، حيث صار كل طرف يدر الاقتصاد من ناحيته".
ارتباط بلبنان
يعتقد مراقبون أن انخفاض قيمة الليرة السورية ناتج عموماً عن تشديد العقوبات الغربية على البلاد، لكن الارتفاع غير المسبوق الذي حدث مؤخرًا ناجم عن الوضع في لبنان المجاور.
وكانت المعابر الحدودية مع لبنان هي بمثابة الرئة التي تتنفس منها سوريا ونافذتها إلى العالم.
فيما تتم معظم تحركات سفر السوريين عبر مطار رفيق الحريري الدولي في لبنان، حيث تم إيقاف معظم الرحلات الجوية إلى دمشق، وأيضا العديد من البضائع المستوردة كانت تصل إلى سوريا عبر لبنان.
وفي ظل ما يعيشه لبنان الآن من "ثورة" مستمرة منذ أكثر من شهر، فإن الانعكاس السلبي لمثل هذا الموقف أصبح الآن جلياً في سوريا.
وحول هذا السبب يقول عليكا: "إن أزمة لبنان المالية، ألحقت ضرراً شديداً باقتصاد سوريا، وخاصة بعد إغلاق البنوك ووضعها شروطاً لعمليات السحب، وذلك عبر تجفيف منبع حيوي للدولارات، ودفع الليرة السورية للتدهور إلى مستويات قياسية منخفضة".
وأردف قائلاً: "الوضع الاقتصادي الخانق في لبنان والعراق وإيران ضغط على التجار السوريين لشراء العملة الصعبة من السوق السوداء في سوريا".
أيضاً أشار الباحث الاقتصادي إلى أن "اقتصاد سوريا، رغم العقوبات الأمريكية والأوروبية عليه والتي كانت تعزله عن النظام المالي العالمي، فقد كان يعتمد على الروابط المصرفية مع لبنان، للإبقاء على أنشطة الأعمال والتجارة منذ ما يقارب التسع سنوات".
وتابع: "تراجع الناتج المحلي الإجمالي السوري من حوالي /60/ مليار دولار قبل الأزمة إلى حوالي /12/ مليار دولار، كما أن احتياطيات العملات الأجنبية للمصرف المركزي السوري كان قبل عام 2011 ما يعادل /17/ مليار دولار، ومنذ عام 2016 حسب البنك الدولي تراجع إلى أقل من /700/ مليون دولار".
عليكا أوضح، أن "فرض البنوك اللبنانية قيوداً مشددة على سحوبات العملة الصعبة، والتحويلات النقدية إلى الخارج، بحيث يتعذر وصول التجار السوريين إلى أموالهم، إذ أنه وبحسب ثلاثة رجال أعمال وخمسة مصرفيين في دمشق وفي الخارج، فإن تدفق الدولارات إلى سوريا من لبنان شبه متوقف".
تأثير إيران
ومن الأسباب التي تحدث عنها الباحث الاقتصادي، أن "الدعم الإيراني توقف للحكومة السورية بشكل شبه كلي بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية عليها."
وأوضح هذا بقوله: "كانت إيران تدعم شهرياً الحكومة السورية بـ /200/ مليون دولار، ما عدا مساعدتها عسكريا وفي مجال إمدادات النفط، فقد كانت الحكومة السورية مطمئنة للدعم الإيراني ومعتمدة عليه لتخفيف مصاعبها الاقتصادية، لكن بعد أن رزحت طهران في العامين الأخيرين تحت وطأة حصار اقتصادي دولي كبير، لم تعد تستطيع تحمل تكاليف هذا الدعم".
المتضرر الأول
للتخفيف من صعوبة الوضع حاولت حكومة دمشق زيادة الرواتب، حيث أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، مرسوماً تشريعياً يقضي بإضافة مبلغ /20000/ ليرة سورية إلى الرواتب والأجور الشهرية المقطوعة لكل من العاملين المدنيين والعسكريين.
ومع ذلك، فإن الزيادة بعيدة عن تلبية مطالب الأسرة السورية المتوسطة نتيجة لارتفاع الأسعار والانخفاض الحاد في قيمة الليرة السورية.
وقام بعض التجار بإغلاق متاجرهم عن طيب خاطر بسبب الفوضى في أسعار الصرف وأسعار الدولار، حيث أن الأسعار ارتفعت بالفعل عشرة أضعاف منذ بداية الحرب السورية إلى الآن .
ويأتي الوضع المتدهور أيضا مع بدء الطقس البارد في سوريا، وسيتعين على الناس قريباً التعامل مع مشكلة أخرى، وهي تأمين وقود التدفئة للسخانات وغاز الطهي.
وباتت العائلة السورية، المكونة من /5/ أفراد، بحاجة إلى دخل شهري يقارب /250/ ألف ليرة سورية أي ما يعادل اليوم /300/ دولار، لتوفير أهم المستلزمات والحاجات المعيشية.
ارتفاع الأسعار سينعكس بشكل سلبي فقط على الأهالي كون تلك الأنظمة تستطيع العيش مع حالة التدهور لليرة السورية وأن المستهلك هو فقط المستهدف من هذا التدهور والارتفاع في أسعار السلع والخدمات.
جهود مشتركة
يقترح الأكاديمي والباحث الاقتصادي السوري، خورشيد عليكا، للتخفيف من هذا التدهور الاقتصادي في قيمة الليرة السورية تعاوناً مشتركاً، طرفاه دمشق والإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، "الإدارة الذاتية الديمقراطية لها موارد اقتصادية مقبولة وخاصة النفط والغاز ومعبر سيمالكا والزراعة والثروة الحيوانية أيضاً، ولكنها تعتبر بلا شك جزء من سوريا وما تتعرض له سوريا من ردات وعملتها من تدهور تنعكس أيضاً على الادارة الذاتية الديمقراطية باعتبار عملتها الرئيسية تعتبر الليرة السورية أيضاً.
وأردف أنه "لا بد للإدارة من بذل مزيد من الجهد لتحسين الخدمات في مناطق سيطرتها، إلا أن احتلال تركيا بالتنسيق مع مرتزقته من المعارضة السورية مجدداً لكل من سري كانيه وكري سبي، خلق أزمة جديدة لدى الإدارة وخاصة بعد تهجير أكثر من /300000/ من مكونات المنطقة وخاصة الكرد من أرضهم التاريخية وتشردهم وتوزعهم على بقية المناطق الكردية الأخرى في روج آفا".
تدهور متسارع
"انتعاش الوضع الاقتصادي بسورية بحاجة إلى حل سياسي حقيقي وبدون الحل السياسي لن يتحقق الاستقرار السياسي وبالتالي الاقتصادي حيث أن جميع الدول الغربية تمتنع عن تقديم مساعدات أو المشاركة في إعادة الاعمار بدون وجود حل سياسي للأزمة السورية.
كما أضاف أنه "لا يمكن تقديم أي رؤى اقتصادية على الواقع السوري، في ظل اقتصاد مشتت ومؤجر ومباع لجهات متعددة، وحتى لو استطاع المصرف لفترة معينة ضبط أسعار الصرف أو خفضها قليلاً فإنها ستعود لمستويات تتجاوز الألف ليرة سورية، هذا يعني بأن التدهور القادم لليرة السورية سيكون متسارعاً".