“ارتدادات الزلزال” تصل إلى العلاقات السورية السعودية

دمشق ـ نورث برس

الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، كانت له أيضاً ارتدادات سياسية متفاوتة الشدة، سواء بين البلدين المنكوبين أو بينهما ودول الجوار.

ومنذ بدء تدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا، كانت الأنظار تراقب الارتدادات السياسية المرافقة لها، وخاصة فيما يتعلق بالسعودية، التي بدت علاقاتها مع سوريا تتأرجح بين قرب تطبيع كامل، أو عودة إلى القطيعة التي بادرت إليها الرياض منذ بداية الأزمة السورية عام 2011.

تأخر إرسال المساعدات السعودية إلى سوريا، كان مؤشراً على أن العلاقات بين البلدين ما زالت دون مستوى التطبيع، إلا أنها ليست في طور القطيعة الكاملة، وهو ما يشير إليه وصول طائرة سعودية إلى الشمال السوري، إذ حطت أولى الطائرات السعودية في مطار حلب، وبعد ستة أيام على كارثة الزلزال، في حين كانت السعودية سباقة لتقديم المساعدات لتركيا في الحال.

علاقة متقلبة

القطيعة السياسية بين البلدين تعود لبداية الأزمة في سوريا، إذ برز دور السعودية باكراً عام 2011، لدفع الدول العربية، والخليجية خاصة، إلى اتخاذ مواقف صارمة من سوريا، قبل أن تعلن القطيعة الكاملة معها، وتغلق سفارة الرياض في دمشق، عام 2012.

وهو موقف بقي مستمراً، رغم مرونة بعض الدول، تجاه سوريا، وخاصة الإمارات العربية التي ترجمت علاقاتها الجيدة مع سوريا، بجسر مساعدات جوي شبه متواصل، وكانت الدولة الأكثر تقديماً للمساعدات إلى سوريا.

العلاقات المتقلبة بين الرياض ودمشق، والتي ما زالت تميل نحو القطيعة أكثر، رغم بوادر الانفتاح، يعزوها كثير من المحللين إلى الدور الأميركي، وتأثير واشنطن في قرارات الرياض.

ويرى الكثير من المحليين أن هذا يرتبط بعوامل عدة، أبرزها الدور الإيراني في سوريا، وكذلك تأثير القرار الأميركي على السياسة السعودية.

تقييم ميداني

يقول محلل سياسي سوري لنورث برس، إن السعودية تأخرت بإرسال المساعدات إلى سوريا، وذلك بسبب التقييم الميداني استخباراتياً وسياسياً، وهو تقييم تطلب من الرياض أياماً من دراسة تبعات القرار، قبل الموافقة على هبوط طائرات إغاثية في مطار حلب، لتكون الطائرة السعودية الأولى التي تصل سوريا منذ 2012.

ويعرب المحلل السياسي عن اعتقاده بأن تحسن العلاقات بين البلدين مرهون بدور إيراني أقل فعالية في سوريا، إذ أن إيران العدو الإقليمي الأول للسعودية في المنطقة، ولن تقبل الرياض بدور حاسم لطهران في سوريا.

السعودية تتطلع لدور مختلف وأكثر نفوذاً وتأثيراً في المنطقة، وهو دور لا تمانعه روسيا، اللاعب القوي في سوريا، لكن ذلك الدور يصطدم بوجود إيراني قوي في سوريا.

ويرى المحلل السياسي أن قراءة الدور السعودي يجب أن تلحظ علاقات السعودية بالولايات المتحدة، وكذلك موازين القوى في المنطقة وخاصة سوريا التي تحولت إلى ساحة نفوذ وساحة صراع، وهو صراع لم يحسم بشكل نهائي بعد وهو ما يبقي البلاد وكأنها على صفيحة غير مستقرة.

العائق الإيراني

تريد السعودية دوراً إقليميا في القرار السوري، وليس فقط في الجغرافية السورية، حسب المحلل، ولهذا هي تتساهل مع الوجود التركي في شمالي سوريا، لكنها لا تقبل الدور الإيراني هناك، فالعداء بين البلدين يجعل مصالحهما في حالة تنافر دائم.

ويضيف المحلل، أن الرياض تدرك التأثير القوي للقرار الإيراني على دمشق، ولهذا فإن كل ما تقدمه لسوريا سيكون مرهوناً بابتعاد دمشق عن طهران، وهو هدف يدرك الجميع أن تحقيقه بالكامل ودفعة واحدة، أمر غير ممكن.

لذلك تتصف العلاقات بين الرياض ودمشق بـ”التأرجح”، ويمكن وصفها بأنها تسير وفق سياسة: “خطوة مقابل خطوة، فما يتم تقديمه، يجب أن يكون له مقابل، أو تعود العلاقات خطوة إلى الوراء”.

خطوة للأمام

ضمن ذلك السياق يمكن قراءة تصريحات المسؤولين السعوديين مؤخراً، ومنها ما أعلنه وزير الخارجية فيصل بن فرحان في مؤتمر ميونيخ للأمن، حين ألمح إلى إمكان حدوث تغيير في علاقات بلاده بسوريا.

وعلّق على ما يشاع عن بوادر عودة التطبيع، وكذلك حول ما يشاع من تسريبات زيارة مرتقبة له إلى دمشق بالقول إن “الدول العربية بدأت في تطوير معالجة جديدة للاقتراب من سوريا وأن الحوار مع دمشق مطلوب نظراً لأن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار”.

ولكنه أعلن أيضاً أنه لا يتوقع زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للسعودية كما الحال مع الإمارات وسلطنة عمان.

الاقتصاد

واقع العلاقات الاقتصادية بين الرياض ودمشق، كان يبدو متقدماً خطوة عن العلاقات السياسية، إذ أن العلاقات الاقتصادية لم تنقطع بين البلدين، رغم أنها تراجعت بشكل حاد، خاصة منذ 2013 بعد إغلاق معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن (المعبر الرئيسي للبضائع السورية باتجاه السعودية)، والإجراءات المتشددة من قبل السعودية بشأن دخول السيارات السورية.

ولكن بيانات المعابر الحدودية تبين أن حركة السيارات التي تذهب للسعودية هي الأكثر بين دول المنطقة بعد العراق.

وكانت وزارة الاقتصاد السورية، وفي خطوة اقتصادية لا فتة، سمحت مؤخراً، وقبل كارثة الزلزال، بالاستيراد مباشرة من السعودية، لتخفيض التكاليف، حسب تصريح وزير الاقتصاد السوري سامر الخليل.

تراجع الحركة

وتشير الاحصاءات إلى أن حجم التبادل التجاري الذي وصل إلى 140 مليار ليرة، شهد تراجعاً كبيراً خلال سنوات الحرب، إذ بلغت قيمة الصادرات السورية إلى السعودية في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، 279 مليون ريال، بينما الصادرات السعودية إلى سوريا، بلغت في الفترة ذاتها 105.4 مليون ريال.

وينظر أصحاب الفعاليات الاقتصادية إلى تحسن العلاقات بين البلدين بإيجابية كبيرة، ويرون أن المساعدات قد تكون فرصة لعودة العلاقات السياسية التي سيتبعها علاقات اقتصادية أفضل تحقق المنفعة في أسواق البلدين.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله