ليل السوريين يتنازعه الخوف من الهزات وشائعات تنذر بزلازل جديدة
دمشق ـ نورث برس
لا صوت يعلو فوق الحديث عن الزلازل والخوف من الموت ورهبة الخطر والمجهول الذي يتربص بالسوريين.
مشاعر مشتركة بين السوريين، على اختلاف الجغرافيا أو انتماءاتهم الدينية والسياسية. الشائعات والهزات الارتدادية ترهق السوريين، إضافة لأخبار تتحدث عن مواعيد لزلازل جديدة.
يأتي في مقدمتها توقعات تنسب للمهتم الجيولوجي الهولندي فرانك هوغربيتس، تشير إلى تواريخ محددة لحدوث زلزال جديد، وهذا زاد من الرعب خاصة بعد حدوث زلزال كان قد توقعه في 20 الشهر الجاري، وجعل الكثير من الناس تغادر بيوتها في اليوم الثاني والثالث تباعاً لما يتم تداوله من أنها ثلاثة أيام خطرة يمكن أن يحدث فيها زلزال.
خوف من المنازل
تقول مها أحمد سيدة خمسينية، اصطحبت ولديها الشابين إلى أحد حدائق دمشق، لنورث برس، إنها من الناحية النظرية تؤمن بفكرة أنه لا يمكن التنبؤ بساعة حدوث الزلزال، ولكن بيتها في منطقة مخالفات بدمشق، وليست متأكدة فيما إذا كان من البيوت التي يمكن أن تحتمل زلزالاً أو حتى هزة قوية.
وتخوفها جاء بعد متابعتها للكثير من تصريحات مختصين في المجال العقاري، يؤكدون انهيار أكثر من 70% من بيوت المخالفات عند حدوث زلزال متوسط الشدة، ولأنها ليست متأكدة من مدى متانة البيت الذي لم تمض فيه وقتاً طويلاً بعد شرائه، فضلت مغادرته.
ترى “أحمد” أن البقاء في الحديقة كما عشرات الأسر غيرها التي بقيت في الحدائق مع أولادها طوال الليل وفي البرد، “أرحم من احتمال أن يحصل زلزال متوقع ويكون ثمنه حياتهم”.
هلع وقلق
مشاهد الدمار والموت تحت الإنقاض لا تفارق يوميات السوريين، وإذا كان هذا في دمشق التي ما زالت بعيدة عن مصدر الزلزال، فإن سكان اللاذقية ينطبق عليهم المثل القائل “من يحرقه الحليب ينفخ على اللبن”.
تقول حنان العشي، من سكان اللاذقية، إنها لم تذق طعم النوم في الليل منذ حدوث الزلزال، إذ أنها تغط لدقائق، لتستيقظ على كوابيس مرعبة.
وتشير إلى أن الزلزال الأخير، “زاد الأمر سوءاً خاصة أنه لم يكن هزات ارتدادية كما كانوا يقولون وهذا أثار المزيد من الهلع والرعب في النفوس”.
وتبين أنها أمضت الليل بعد الزلزال الأخير الذي حصل باكراً، وهي مستيقظة تحصي أعداد الهزات الارتدادية التي لم تتوقف طوال الليل.
في حين حزمت رانيا سعيد، من اللاذقية، أمتعتها واتجهت إلى بيت أهلها في ريف جبلة. تقول “سعيد” لنورث برس، إن الكثير من إخوتها الذين يسكنون في المدينة اتجهوا إلى بيت أهلها، ورغم ضيق الحال، إلا أنها مضطرة لفعل ذلك “فبعض الضيق خير من الموت”، إذ أن بيتها في الطابق الرابع وتعرض لتشققات بسبب الهزات المستمرة.
ويتوزع السوريون الذين يسكنون في المحافظات المنكوبة بين مراكز الإيواء أو عند الأهل والأقارب. تقول خديجة عبدالله، من حلب إنها كانت تقيم في مكان للمتضررين في جبلة، وبعد إخلاءه لأسباب صحية قررت الذهاب إلى بيت أختها في دمشق، إذ أن بيت أهلها في حلب لا يتسع للمزيد من الأخوة.
كشف الحقائق
وفي تحليله للهلع الذي يعيشه الناس والأرق، قال اختصاصي نفسي لنورث برس، إن الزلزال كشف حقائق أو جزءاً من حقائق في النفس ولم يعملها، وأن هذا الحديث ينطبق على الأشخاص الذين لم يخسروا أهاليهم أو منازلهم.
وأشار إلى أن مصيبة الزلزال أزالت أقنعة الأفكار التي يحتمي فيها المرء ليرى معنى لحياته، والتي يمكن أن تكون العائلة أو المال أو النجاح، ويأتي حدث كالزلزال ليضع الناس أمام حقائق جديدة، تغيير في المعنى الذي كانوا يعتمدون عليه، وذلك مع الغياب التام للثقة في أي شيء.
أضاف المصدر، أن هذا يفسر “الميل الحقيقي للعودة إلى الإيمان الديني، لأنه وحده القادر على إراحة النفوس المضطربة، وأنه يجب أن يغير الزلزال من أولويات الناس واهتماماتها، لأنه ليس طبيعياً أن لا يستفيد الأشخاص من تجربة قاسية بكل هذا الحجم بشيء”.
وأشار المصدر إلى أن هنالك فئة من الناس تفاجأت بخوفها الشديد من الزلزال رغم اعتقادها بأنها من الأقوياء، وهنالك فئة من الناس استغربت تماسكها رغم أنها من الذين يخافون. وكل هذا يندرج ضمن الحقائق التي اكتشفها حدث الزلزال في النفوس، حسب قول الاختصاصي النفسي.