القامشلي – نورث برس
خنقتها العبرة، وهي تلملم بعض الثياب والأشياء الضرورية خوفاً من حدوث زلزال آخر، إذ استذكرت لحظة خروجها من منزلها في سري كانيه (رأس العين)، بسبب اشتداد القصف وغزو تركيا وفصائل مسلحة موالية لها للمدينة، لكن حينها لم تتمكن أيتان من أخذ أي أغراض لها ولعائلتها.
أيتان ملا درويش (45 عاماً) وهي من نازحي مدينة سري كانية، وأم لخمسة شباب تسكن في الطابق الثاني من بناء مكون من خمس طوابق في مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا.
تروي السيدة قصتها لنورث برس، فبعد الاجتياح التركي لمدينتها، “كنا مجبرين على النزوح. في البداية سكنا في الحسكة لمدة شهر، وبعدها انتقلنا إلى القامشلي ولا نزال إلى الآن”.
“ما أشبه اليوم بالأمس”
عايشت “ملا درويش”، لحظات الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من الشهر الجاري، للوهلة الأولى أحست بأن البناء سيسقط، وشعرت بأن الموت اقترب، وبدون وعي منها، بدأ شريط ذكرياتها يعود بها سريعاً للوراء.
وتقول: “حياتي كلها مرت أمامي منذ طفولتي حتى كبرت، لم أشعر بما حولي، فقط كان في مخيلتي كيف كنت أعيش في سرى كانية, وكيف نزحنا, وأيضاً شعرت أنه لربما لو كنت بمدينتي لم كان انتابني هذا الشعور”.
وتصف السيدة حالها: “لحظة الزلزال لم أخف من الموت, بل تمنيت ذلك لنتخلص من هذا الألم وهذه الحياة وكل شيء محيط بنا”، فأي خسارة بعد منزلها في سري كانية، لا يؤبه بها.
وكما سكان البناء، خرجت “ملا درويش” مع أبناءها إلى دوار “أورنينا” ويقع خلف البناء، وتلقت حينها اتصالاً من زوجها، الذي كان في عمله ببلدة تل تمر بريف الحسكة، ليطمئن على حال عائلته.
وبعد ساعتين من حدوث الزلزال “عدنا إلى المنزل، ولكن “ملا درويش”، اعتقدت بوجود هزات أخرى، لتقوم بتجهيز بعض الأشياء “الإسعافية” كما وصفتها، من ثياب وبطانيات ومواد غذائية بسيطة.
لحظة جمع بعض الحاجيات الضرورية، كانت بمثابة الصدمة التي أعادت ذاكرة السيدة الأربعينية، إلى لحظة النزوح من سري كانيه، “كنت أفكر حينها ماذا سآخذ معي، وماذا يمكن أن آخذ من منزلٍ مساحته 300 متر مربع، هو شقاء العمر كله”.
تقارن “ملا درويش”، بين الزلزال الطبيعي والحرب التي شاهدتها، “الزلزال لحظات فقط، أما الهزات التي كنا نعيشها في سري كانيه أصعب بكثير. فشعور الرعب والخوف من القصف المستمر، والقهر لحظة الخروج من مدينتي وبشكل قسري لا يعادله شعور آخر”.
“خوفاً من الصدمة”
لم توقظ جيهان بناتها، لحظة الزلزال خشية من تعرضهم لصدمة، فهي قبل فترة فقدت إحدى بناتها كانت تعرضت للخوف أثناء الاجتياح التركي لعفرين، وأصيبت بمرض قصور الكلى لتخضع على مدار السنوات الماضية لجلسات غسيل كلى، إلى أن وافتها المنية نتيجة المرض منذ ستة أشهر.
عند حدوث الزلزال، أخبرت جيهان حنان حسين (50 عاماً)، النازحة من عفرين وتسكن في بناء جديد في حي قدور بيك بالقامشلي، زوجها بضرورة عدم إيقاظ بناتها.
لكن بناتها شعروا بالزلزال، واستيقظوا على أثر الاهتزاز في المنزل، وخرجوا كما بقيت السكان في البناء المؤلف من أربعة طوابق.
وفي هذا الوقت بدأت العائلة تستذكر الأحداث التي مرت بها في عفرين، فمشهد الهروب متقارب ولكن الحدث مختلف.
تذكرت العائلة أيام القصف بمختلف أنواع الأسلحة التي تعرضت له عفرين، والارتجاجات التي كانت تحدث في مكان القصف، وحالة الهلع والخوف التي كانت تنتاب السكان وهروبهم لحظة انهيار الأبنية.
وتصف “حسين” حالها خلال اللحظات الأولى من الزلزال، “كان ينتابني شعور أنني في عفرين أثناء النزوح من عفرين خرجنا على أقدامنا مشياً إلى جبل الأحلام فقط معنا حقيبة ملابسنا”.
وتضيف جيهان حنان حسين، والتي انضمت بعد نزوحها من عفرين لرابطة عفرين الاجتماعية، وهي رابطة مسؤولة عن تسيير أمور نازحي عفرين في الجزيرة السورية، “ولكن هنا حتى حقيبة ملابسنا لم نأخذها, كان المهم لنا أن ننقذ أرواحنا”.