كارثة الزلزال وحّدت السوريين مجدداً.. فمن أشعل الطائفية؟
دمشق ـ نورث برس
بعد حرب ارتدت رِداء الطائفية لأكثر من عقد من الزمن، ظهر السوريون بصورة مختلفة بعد مرور وقت قصير على حدوث الزلزال الذي امتد إلى سوريا، وتسبب بخسائر بشرية ومادية كبيرة.
كانت محافظة كدرعا مثلاً سبّاقة في إرسال المساعدات إلى مناطق منكوبة كالساحل، وذلك بعدما ساد اعتقاد عام أن العداء مستحكم بين سكان منطقتين، الأولى انطلقت منها شرارة المظاهرات، والثانية (اللاذقية) التي كان غالبية سكانها يرفضون هذه المظاهرات.
ولم يتوقف الأمر على محافظة دون أخرى بل ساهم سكان مختلف المحافظات السورية بتقديم إمكاناتها لإغاثة المنكوبين.
تغليب الجانب الإنساني
وفي تصريح لنورث برس، قال إعلامي من درعا، إن المبلغ الذي تبرع به أهل درعا للمتضررين من الزلزال “يصل إلى أكثر من مليار ليرة ونصف المليار، وأن هذا المبلغ قابل للزيادة، يضاف له أيضاً تبرعات عينية من صناعيي المدينة”.
وعن قراءته لاندفاع الكثير من الناس في سوريا للمساعدة دون التفكير بدين أو انتماء المتضررين، قال الإعلامي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن الكارثة ليست من صنع الإنسان، وإنما هي كارثة طبيعية، ومن الطبيعي أن يتعاطف الجميع مع ضحاياها، وأن يكون هنالك تغليب للجانب الإنساني في التعاطي معها.
ولم يخف الإعلامي رأيه بضرورة إرسال معونات للمتضررين في إدلب، وليس للمحافظات التي تقع تحت سيطرة الدولة فقط.
وتمنى أن تصل التبرعات لمستحقيها في إشارة إلى أن هنالك من لا يثق بطريقة توزيع المعونات العينية، أو توظيف المبالغ المادية.
لهفة مبشرة
وأشار قيادي في الحزب القومي السوري إلى أن لهفة السوريين على بعضهم في كارثة الزلزال “تبشر بالخير”، وقال إنه يأمل أن تستفيد الدولة منها وتؤسس لعهد “وطني سوري” جديد مترفع عن الطائفية والمناطقية.
وقال لنورث برس، إن الآلام لمت شمل السوريين، وأن ما يظهر من تماسك مجتمعي بين شتى المكونات السورية، “فرصة ذهبية يجدر بأصحاب الشأن تطويرها نحو حل وطني جامع، وإثبات أنهم يتمتعون بحد أدنى من الوطنية”.
وقال إن صورة التكاتف والتعاضد التي ظهرت، يمكن أن تكون بمثابة أرضية خصبة لحل شامل جامع يلملم جراح السوريين، وينهي معاناتهم، فالحالة الشعبية موجودة ويبقى الموضوع عند الساسة.
وأضاف المصدر أن “الساسة لا يبحثون عن حل، وأنهم مصدر الخلاف وسببه، ومن هنا يحق لنا أن نسأل: كيف لمن أوقد النار أن يعمل على إخمادها؟”.
عادوا لفطرتهم
وعن رأيها في تفاعل السوريين مع مصائب بعضهم، قالت منى سعيد وهي موظفة في القطاع الحكومي الصحي إن الشعب تعايش بكل طوائفه عبر العصور، لكن خلال سنوات الحرب “هنالك من عمل على إحياء الطائفية بين الناس إلى حد القتل لأسباب طائفية”.
وأضافت لنورث برس، “هنالك دول أيضاً عملت على تأجيج الطائفية, وقدمت الكثير من المغريات وصرفت المال، وقد يكون هنالك من لا مصلحة له بتوافق السوريين مع بعضهم، ولكن تبين أن هذه الأفكار ليست متأصلة لدى السوريين وسرعان ما عاد الكثير منهم إلى فطرتهم في هذه الكارثة”.
في حين استعرض شمس بكفلوني، وهو أحد الناشطين في الإغاثة لنورث برس، الكثير من القصص التي يجب توثيقها، لأنها تستحق ذلك، منها: “الرجل الذي جمع كل مونة بيته وانطلق بها من طرطوس إلى اللاذقية على دراجة نارية، لكي يوصلها إلى المهجرين”.
وكذلك السيدة “المسيحية” التي خلعت الغطاء عن رأسها لتضعه على رأس امرأة مسلمة خرجت من تحت الأنقاض.
وذكر الناشط أيضاً قصة الشاب العسكري الذي يقف على الحاجز، وتبرع بكيلو رز من بيته، لأن هذه إمكاناته فقط. وعن الأمانة التي تمتع بها أشخاص أعادوا أموالاً ومصاغ ذهب وجدوها في البيوت المهدمة لقسم الشرطة، لإيصالها لأصحابها.
وجه آخر
وعن رأيه في طريقة تصرف السوريين تجاه كارثة الزلزال، قال طبيب نفسي لنورث برس، إن لهذه الكارثة وجه آخر، وهو أنها أعادت للسوري هويته الإنسانية بعدما كان هنالك من يعتقد أن الحرب أظهرت الكثير من السوريين كأشخاص سيئين وقتلة وحاقدين.
ولكن السرعة بالتفاعل في الكارثة، أظهرت أشياء مختلفة، منها حجم الطيبة الكبير الذي طفى على السطح، وليس كما أفهمتنا الحرب أننا قتلة وكائنات رخيصة، بحسب الطبيب.
وقال إن هنالك أناس تعمل على الأرض ويظهر المشهد بأن الجميع يد واحدة كل حسب مقدراته، رغم حصول حوادث.
خلف الطائفية
في حين رفض دبلوماسي سابق، وصف الأحداث التي مرت بها سوريا بالحرب الطائفية، وأشار إلى أن الحروب التي توصف بالطائفية “يكون خلفها مصالح سياسية”، وأن الناس في البلدان التي تتعدد فيها الطوائف لا يتحاربون إذا لم يكن هنالك من يعمل على ذلك.
وأرجع السبب في ذلك إلى أن “حركة التاريخ والجغرافية تفرض عليهم العيش المشترك قبل أن تجد القوى الفاعلة في هذه البلدان أن من مصلحتها تحريك الطائفية وترك أبناء البلد الواحد يتحاربون وينفذون المطلوب”.
وأشار الدبلوماسي السابق، إلى أن ردود فعل السوريين في هذه الكارثة فندت فكرة العمل على تحريك الطائفية، خاصة بعدما أبدت الناس الكثير من التعاطف والرغبة في المساعدة دون تمييز، وذلك من داخل سوريا وخارجها أيضاً.