الكارثة السورية زادت الأسعار في مناطق سيطرة الحكومة

دمشق/ درعا/ السويداء ـ نورث برس

عشرة أيام والكارثة السورية تتفاقم سواءً، آلاف العائلات المشردة من منازلها ومئات المتطوعين والمتطوعات على امتداد الجغرافية السورية هبوا للنجدة، والتبرع بكل ما هو ممكن حتى بالشراء من المحال التجارية.

لكن في الفترة الأخيرة من ثاني أيام الزلزال تماماً، ومع ازدياد الطلب على المواد الغذائية تحديداً، ازدادت الأسعار بالعموم، وخصوصاً في دمشق التي انطلقت منها أول القوافل المساعدة باتجاه المحافظات السورية، ومن يشتري لوازم منزلية يشاهد عن كثب الزيادة في أسعار الخضار والفواكه والمعلبات والحلاوة والمناديل بمختلف أنواعها.

فوق ال200 ألف ليرة!

تجولت هناء عيسى، معلمة (50 عاماً)، في محال المزة 86 المنطقة العشوائية غرب العاصمة، كانت تحاول أن تشتري شيئاً لترسله للجمعيات مع المنكوبين بما يعادل 50 ألف ليرة سورية أي نصف راتبها الشهري تماماً.

لكنها تفاجأت أن أسعار المعلبات ازدادت في كل صنف بين 1000 و2500 ليرة سورية، عن بداية الشهر يوم اشترت مونة منزلها الشهرية.

وبلهجتها العامية قالت لنورث برس: “ما فيني ابعت أي معلبات للناس معقول علبة الطون بـ11 ألف ليرة، معقول بلد فيه بصل كيلو البصل بـ7000 ليرة سورية”، وتعقب مستفسرة: “ماذا سيرسل الناس للمنكوبين إذا كانت المعلبات التي تحتوي قيمة غذائية بهذا السعر؟”.

وفي منطقة أخرى وسط دمشق ومن منطقة العفيف تحديداً، يتحدث محمد سليمان (33 عاماً) وهو طالب، أنه بالمساعدة مع أصدقائه يجمع التبرعات ويشتري بها معونات للأسر المتضررة، وهي نفس السلع يتم شراءها مرتين أسبوعياً، ومن محال الجملة وليس بيع المفرق، وبين أول مرة وثالث مرة كان الفرق في الأسعار كلها ما يقارب الـ100 ألف ليرة سورية.

ويشير إلى أن أسعار المعلبات ارتفعت للنوعيات الممتازة ما يزيد عن 2000 ليرة سورية، وانتقد الكثير من الناس على السوشال ميديا هذا الموضوع.

وتحدث أحد المواطنين بتاريخ 13 -2-2023 عبر إذاعة المدينة إف إم المحلية الخاصة، يدعى “أبو علي”، من سهل الغاب عن ارتفاع كبير في الأسعار تشهده الأسواق بعد يومين من الزلزال في منطقة سهل الغاب، ليؤكد بذلك أن ارتفاع الأسعار هو في كل المحافظات السورية.

رأي التجار!

وفي الرابع عشر من هذا الشهر، أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قراراً برفع سعر المازوت الصناعي إلى 5400 ليرة سورية بعد أن كان 3000 ليرة سورية.

ويأتي القرار في ظل موجة ارتفاع أسعار قبل رفع سعر المازوت الصناعي، وفي تصريح للصحافة الرسمية عن مصدر في التجارة الداخلية، أن رفع سعر المازوت سيخفض الأسعار دون الإشارة إلى الطريقة، ولكن قرار الرفع مرّ مرور الكرام ضمن الكارثة دون ضجيج ولا توضيح أكثر.

يشير تجارٌ في دمشق، إلى أن الأسعار ارتفعت صحيح بعد الزلزال “بسبب عدم وجود أمان للقدرة على حصول كل المواد المطلوبة في السوق، ولجوء الكبار أو الحيتان إلى الاحتكار”.

وأشار نور الهدى مصطفى وهو بائع في منطقة المزة 86، إلى أن الأسعار على تاجر المفرق أصبحت أغلى “ولذلك أجبرنا أن نبيع بأسعار أغلى للزبائن”، ويضيف: “رفع المازوت الصناعي سيزيد الطين بلةً”.

بينما أشار محمد حسين أبو الهدى وهو صاحب بقالية في منطقة العفيف، إلى سبب آخر لرفع الأسعار، وهو انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء، وخوف التجار الكبار من عودة ارتفاع السعر بعد انخفاض موجة الحوالات الخارجية.

وأضاف لنورث برس: “لذلك يحاسب التجار اليوم على سعر 7500 للدولار الواحد في الحقيقة ويعتبرون أن هذا الانخفاض وهمي”.

ويشارك “أبو الهدى” التاجر السابق في موضوع المازوت الصناعي، وأنه “سيرفع الأسعار على الأقل 20%”، حسب تعبيره.

استبشروا خيراً

واستبشر السكان في سوريا خيراً، بانخفاض أسعار المواد الغذائية، بعد أن رفعت الولايات المتحدة الأميركية جزءاً من العقوبات المفروضة على الحكومة السورية، وتزامن ذلك مع وصول مساعدات وحوالات نقدية، حسنت قليلاً من قيمة الليرة السورية وأنعشتها من موتها السريري.

وشهد سعر صرف الليرة السورية تخبطاً مطلع الأسبوع الحالي، في السوق السوداء، بعد تحسن كبير وصل إلى 5800 ليرة أمام الدولار بعدما وصلت إلى مستوى قياسي بـ 7400 ليرة نهاية الأسبوع الفائت، لكنها عادت للهبوط مجدداً لتجاري السبعة آلاف ليرة.

لكن بعض السوريين رأوا أنه من المبكر الحديث عن تأثر الأسعار  للمواد الأولية بانخفاض سعر صرف الدولار أمام الليرة.

ويقول مروان الحلبي (37عاماً) من محافظة السويداء، إنه لم يلمس أي انخفاض في أسعار الحاجات الأساسية، “فكيلو السكر مازال سعره في حدود 6500، وليتر الزيت 20000ليرة”.

ويضيف أن السكر والزيت من أبرز المواد التي تعتمد على الدولار “ولكن الموطن لم يلمس سوى ارتفاع في الأسعار”.

ويشدد على أن انتعاش قيمة الليرة ليوم، ورفع العقوبات لن يؤثر على الأوضاع المعيشية في البلاد “لأن الأسباب التي تقع خلف الأزمة الاقتصادية مازالت قائمة”.

ويشير “الحلبي”، إلى أن “الفساد الموجود داخل أجهزة الدولة لن يتأثر لا برفع عقوبات ولا بتقديم مساعدات”.

تبريرات

وبررت الحكومة السورية ارتفاع الأسعار رغم رفع العقوبات، على لسان وزير التجارة وحماية المستهلك عمرو سالم، إذ قال: “قلة المواد نتيجة كارثة الزلزال والتي كانت متوفرة أصلاً ولكن بكميات قليلة قبل الزلزال هو السبب في ارتفاع الأسعار”.

وعلق المحامي عارف الشعال، في منشور له على فيسبوك، أنه إذا لم يلمس السكان فرقاً في الأسعار خلال هذه الفترة، “يمكن بسهولة أن نستنتج مباشرة وبدون تشويش  فيما إن كانت المشكلة الاقتصادية بالعقوبات أم بالفساد السرطاني وسوء الإدارة”.

ورغم اكتفاء محافظة درعا الذاتي من إنتاجها المحلي لبعض المزروعات إلا أن أسعار المواد الأساسية مازال يحلق.

ويقول أحمد الحمد (45عاماً) اسم مستعار لتاجر في مدينة درعا لنورث برس، إن “ارتفاع قيمة الليرة أمام الدولار ورفع ما يسمى عقوبات لم تأثر لغاية الآن على الأسواق”.

ويستعرض بشكل سريع بعض الأسعار، “ارتفاع بدءاً من كيلو الحليب الذي وصل إلى 3800 ليرة، وحليب الأطفال المستورد والذي من المفترض أن يلمس المواطن تأثره بانخفاض الدولار إلا أن ثمن العلبة تجاوز الـ80 ألف ليرة”.

ويشير إلى أن “التجار الكبار” كما وصفهم، لم يعترفوا بهذا الانخفاض “الوهمي” لصرف الدولار.

ومن الحجج التي  يتذرع بها التجار، أن استيراد المواد كان في ظل سعر صرف الدولار بحدود السبعة آلاف ليرة، ولن تنخفض قيمة المواد بالمخازن حتى نفادها.

ويقول الخبير الاقتصادي كرم شعار، لنورث برس، إن أثر الزلزال سينعكس على تحسن في قيمة الليرة السورية، ولكن هذا التحسن “مرحلي” لن يستمر.

ويشير إلى أن انخفاض سعر الصرف  كمان حدث في حدود 600-700 ليرة وانعكاس هذا الانخفاض على الأسواق “لن يكون لحظياً سيحتاج الوقت وسيكون محدوداً جداً”.

ويستبعد الخبير أن يستمر سعر الصرف في التحسن، “هناك ارتفاع كبير في تدفقات القطع الأجنبية بسبب الزلزال، لكن هذه التدفقات لن تستمر طويلاً وستنخفض مع الزمن”.

إعداد: دهب المحمد/ إحسان محمد/ رزان زين الدين ـ تحرير: قيس العبدالله