مسيحيو إدلب لا يحتفلون بأعياد الميلاد ورأس السنة

إدلب- نورث برس

في منزله بمدينة إدلب، يتابع جرجس عبر شاشة التلفزيون احتفالات المسيحيين بعيد الميلاد ورأس السنة، حيث تزينت شوارع وأحياء ووضعت أشجار الميلاد ومجسمات لسانتا كلوز وغيرها.

جرجس أسعد (32 عاماً)، اسم مستعار لمسيحي من مدينة إدلب يقول إنه يشعر بحسرة وهو يتابع أجواء الاحتفالات حول العالم بينما هو لا يجرؤ حتى الاحتفال في منزله سراً خوفاً من أن يعلم به الشارع وجاره وهو عنصر في هيئة تحرير الشام(جبهة النصرة سابقاً).

ولا يقتصر الأمر على عدم الاحتفال بعيد الميلاد ورأس السنة، فالشاب الثلاثيني كغيره من المسيحيين المتبقين في إدلب، لا يغامرون بممارسة طقوسهم في الكنائس خوفاً من تعرضهم للتضييق.

وفي إدلب وعلى خلاف باقي المناطق السورية، غابت مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد ورأس السنة، إذا يعجز المسيحيون سواء في المدينة أو ريفها عن تزيين منازلهم أو شراء أشجار العيد وإقامة أية احتفالية في الكنيسة أو حمل الصليب، خوفاً من مضايقات أو حتى قتلهم “بذريعة الشرك”.

ويقول “أسعد” إن سماح “تحرير الشام” بافتتاح كنيسة “القديسة آنا” وإقامة الاحتفال الديني فيها، كان “دعاية لتحسين صورتهم أمام الغرب، وخاصة أن كنيسة إدلب لا زالت رهن أيادي الجولاني التي تنتفع منها كمعهد شرعي”.

وفي آب/ أغسطس الماضي، افتتح مسيحيون كنيسة “القديسة آنا” في قرية اليعقوبية بريف إدلب الغربي وأقاموا فيها احتفالاً دينياً بمناسبة عيد القديسة، وذلك للمرة الأولى منذ 11 عاماً.

وهو ما رآه متابعون وناشطون استمراراً لمساعي أبو محمد الجولاني، زعيم الهيئة للتقرُّب من الغرب، وإظهار نفسه على أنه شخصية معتدلة غير متشددة.

“تيارات متشددة”

وتتحدث تقارير صحفية؛ عن وجود ما يقارب 200 شخص من الطائفة المسيحية في إدلب حتى نهاية عام 2021 وجُلّهم كبار السن ويتوزعون في مدينتي جسر الشغور وإدلب وقرى القنية واليعقوبية والجديدة وحلوز والغسانية وينتمي معظمهم لطائفة الروم الأرثوذوكس.

فيما كان عددهم قبل الحرب السورية، يُقدّر بنحو عشرة آلاف نسمة في مناطق إدلب.

ويقول حنا داوود(57 عاماً)، اسم مستعار لمسيحي في مدينة إدلب إن كافة الأعياد والمناسبات والقداسات الخاصة بالمسيحية مرت دون أن “نجرؤ على إلقاء التحية المقدسة بيننا”.

ويضيف، “لا يختلف وضعنا هذا العام عن سابقه بسبب التشدد الديني والنظرة التكفيرية تجاهنا رغم الحديث الإعلامي المتكرر عن حماية الأقليات، تحية العيد عاجزين عن ممارستها علناً، فعن أي حماية يتحدثون!”.

ويبرر إداري في دار القضاء بإدلب، عدم السماح للمسيحيين بممارسة أعيادهم وطقوسهم بوجود تيارات إسلامية متشددة لا زالت تحت راية الهيئة لا سيما المهاجرين وأصحاب فكر تنظيم القاعدة.

وحتى لو سمحت الهيئة للمسيحيين في إدلب وريفها بممارسة طقوسهم وأعيادهم، إلا أن الخوف من إحداث بلبلة داخلية وتأليب المهاجرين وأصحاب العقلية المتشددة لاسيما الحزب التركستاني الاسلامي والأوزبك، يمنع ذلك بحسب الإداري.

وفي إطار التبرير والالتفاف على حق المسيحيين، يشير الإداري إلى أنه من الصعب حماية المسيحيين في حال إعلان طقوسهم وأعيادهم بصورة واضحة  من هجمات التيارات التي لا زالت تنظر للمسيحيين على أنهم “مباحو الدم والمال”.

ولعل احتفالية “كنيسة آنا” في اليعقوبية بريف جسر الشغور أكبر دليل على ذلك، حيث قامت الهيئة بحماية الاحتفال بعشرات من عناصرها خشية مهاجمة المحتفلين مما يعكس خطورة الموقف، وفقاً لما يذكره الإداري.

“وعيد”

ويؤكد الإداري في دار القضاء بإدلب أنه إلى الآن لازال المسيحيون لاسيما كبار السن يخشون المرور في شوارع وأسواق إدلب بالقرب من مقاتلي الهيئة خصوصاً المهاجرين منهم بسبب “الألفاظ التكفيرية والوعيد الذي يوجه لهم دون أن يستطيعوا فعل شيء”

وتضمُّ إدلب، عدة كنائس، واحدة في قرية اليعقوبية؛ التي جرى افتتاحها في آب/ أغسطس الماضي وأخرى في قرية القنية  التي لا تزال مغلقة، إضافة إلى كنيستين في قرية الجديدة، لا زالتا مغلقتين ومثلهما في مدينة إدلب، واحدة منهما هي كنيسة “مريم العذراء”.

وتقول دارين سليمان(28 عاماً) اسم مستعار لشابة مسيحية من سكان قرية اليعقوبية بريف جسر الشغور غربي ادلب إنهم منذ العام 2013 لم يحتفلوا بأعيادهم وطقوسهم الخاصة، “منذ عشر سنوات لم نضع شجرة عيد ميلاد ولم نشاهد صورة لبابا نويل”.

 وتذكر الشابة العشرينية أنها عام 2017 تعرضت للاعتقال من قبل “هيئة الأمر بالمعروف” آنذاك، بسبب منشور كتبته على الفيس بوك “المجد للرب في السماء وعلى الأرض السلام” مع صورة لها ولوالدتها المسنة.

وتشير إلى أن الاعتقال كان على أساس أنه تلك العبارة “تعكس النصرانية وهي تخالف شروط الذمة كما يسمونها”.

وتم الإفراج عن “سليمان” بوساطة من بعض وجهاء قريتها بعد نحو شهرين، “ومنذ ذلك الوقت لم نعد قادرين على ممارسة طقوسنا حتى على وسائل التواصل الاجتماعي”.

إعداد: هاني سالم- تحرير: سوزدار محمد