سهم جديد يوجه للقطاع الزراعي الحكومي.. بورصة الأسمدة في صعود مستمر

دمشق ـ نورث برس

لا تتوقف الحكومة السورية عن التغني بالزراعة وأهمية الإنتاج الزراعي في دعم “الصمود والتصدي”، ولكن لا تتوقف عن إصدار قرارات تأتي بمثابة الصفعة للزراعة والعاملين فيها.

آخر هذه الصفعات رفع سعر الأسمدة من قبل الحكومة السورية بنسبة قاربت  100%.

ويترافق هذا القرار مع رفع الأسعار في القطاع الخاص لأكثر من خمس مرات خلال 15 يوماً فقط.

هكذا أصبحت

ارتفع سعر طن سماد الفوسفات من مليون و250 إلى مليونين ونصف المليون، ووصل سعر طن اليوريا من مليون ونصف إلى 3 ملايين ليرة,. وكل هذا مع قرب البدء بزراعة القمح، الذي يحتاج إلى ما لا يقل عن 100 ألف طن سماد.

وإذا كان هذا الرفع الثالث لسعر الأسمدة عند الحكومة، فإلى جانبها ارتفاع غير محدود للأسمدة في القطاع الخاص، حيث أكد تاجر أسمدة من حلب لنورث برس، أن سعر الأسمدة ارتفع 5 مرات خلال أقل من 15 يوماً.

وإن السعر ارتفع في كل مرة بما لا يقل عن 100 إلى 150 ألف ليرة للطن الواحد.

وعزا المصدر، الأمر إلى تحكم شخص واحد في سوق السماد، حيث يقوم بتمويل كل تجار حلب وريفها بالأسمدة.

وأشار المصدر إلى أن هذا التاجر يخبر التجار الذين يستجرون من عنده بـ”التريث قبل كل رفع سعر، وتوقفه عن البيع لأيام يرتفع السعر في نهايتها فعلاً، بشكل لا يدع مجال للشك بتحكم هذا الرجل في عملية التسعير”.

وأضاف المصدر، أن الفترة التي يتم فيها التوقف عن البيع “ترتفع الأسعار بشكل جنوني في السوق، لتتوفر بعدها المادة بالسعر الذي حدده هذا الحوت”، كما يصفه.

ضربة موجعة

الارتفاع الكبير بأسعار الأسمدة يشكل الضربة القاصمة للزراعة، كما يقول المزارع رامز العلي من ريف اللاذقية لنورث برس. 

وأضاف أن قرارات رفع الأسعار التي تصدرها الحكومة تشير إلى أنها “لا تحسب أي حساب للبلد ومواطنية، وأنه عوضاً عن تقديم الدعم للزراعة خاصة لكي لا يتوقف المزارعون عن العمل تقوم برفع الأسعار للمواد الأساسية التي تحتاجها الزراعة”.

وتساءل “العلي” عمّا يحول دون تأمين حاجة المزارعين من الأسمدة عن طريق المصارف الحكومية كإجراء يجنبهم اللجوء للسوق الحر وشراء السماد بأسعار أعلى من الأسعار العالمية، وتركهم تحت رحمة الاحتكار والمحتكرين وهم ينتجون مواد زراعية تساهم في حماية الاقتصاد والبلد في ظل ظروف الحصار الصعبة؟.

وأضاف المزارع أنه إذا كانت الحكومة رفعت سعر السماد للمرة الثالثة خلال فترة قصيرة، “فهل سيتم وضع حد للقطاع الخاص الذي يتحكم بسعر مادة أساسية كالأسمدة؟”.

والنتيجة “الحتمية” لرفع أسعار الأسمدة، كما أشار “العلي” هي تقليص كميات الأسمدة التي يحتاجها الدونم والتي لا تقل عن 6 أكياس، خاصة أن هناك مشاكل أيضاً في تأمين البدائل بعد تراجع أعداد الثروة الحيوانية، وارتفاع تكاليف الأسمدة العضوية من مخلفات الحيوانات. 

ولفت “العلي” النظر إلى أن تأمين البنزين والسماد من السوق الحر يعني أن كل عملهم ليس لهم لأن سعر المنتج لن يغطي تكاليف هاتين المادتين فقط.

لهم مبرراتهم

مدير المصرف الزراعي في وزارة الزراعة، أحمد الزهري، قدم في تصريحاته  تبريرات “لا تغني ولا تسمن”, حيث أشار إلى أن أسعار السماد في سوريا رغم قرار الرفع الأخيرة ما زالت الأقل عالمياً ومن القطاع الخاص، بنسبة لا تقل عن الضعف.

وطمأن “الزهري”، المزارعين أن “الحكومة تعمل بكل طاقاتها لتأمين السماد لهم، ومن بينها الاستيراد، وأن المصرف يقدم تسهيلات ليحصلوا على السماد”.

وبيّن أن المصرف يشتري مخصصاته من القطاع الخاص، ومن ثم يبيعه للمزارعين لأن معمل السماد في حمص شبه متوقف نظراً لعدم توفر الغاز وغيره من مستلزمات التشغيل.

وتحتاج سوريا حسب تقديرات وزارة الزراعة سنوياً إلى ما لا يقل عن 500 ألف طن أسمدة، وهذه الكميات كان يتم تأمينها عن طريق الإنتاج المحلي قبل أن تستولي روسيا على معمل الأسمدة في حمص، في عام 2019 وتوقع عقد استثماره لمدة 40 عاماً.

وبدل أن تقدم قيمة مضافة للبلد في هذا العقد، أصبحت مشاكل المعمل أكثر من مشاكله الكثيرة أيام إدارته من قبل الدولة السورية.

إدارة عرجاء

الخبير التنموي محمد العيسى عبّر لنورث برس، عن استياءه من طريقة تعامل الحكومة مع القطاع الزراعي.

وقال إن الأسمدة مقطوعة منذ مدة طويلة من المصارف العامة، وانتعشت أسعارها في السوق السوداء بعد النقص الكبير للمادة، وكان هذا مؤشر لرفع أسعارها، علماً أن تحسين الوضع للإنتاج الزراعي يتطلب التعامل بطريقة مختلفة مع المواد الأولية للزراعة.

وأشار إلى أن عواقب هذا القرار غير المدروس كثيرة منها تراجع الإنتاج الزراعي من جهة وارتفاع أسعار إنتاجه من جهة ثانية وهذا يزيد من الفجوة الهائلة بين الدخل والأسعار. 

وأضاف “العيسى”، أنه قد يكون للحكومة ظروفها لرفع الأسعار، لأن سعر السماد مرتبط بالدولار، “ولكن اقتصاد الدولة الإنتاجي يتطلب سياسة وإدارة مختلفة”. وأشار إلى أن أثر رفع سعر السماد “سيظهر على السكان كما النبات والأشجار”.

في حين قال خبير اقتصادي لنورث برس، إن اللجنة الاقتصادية التي أوصت برفع السعر، “عليها أن توصي أيضاً برفع أسعار القمح وغيره من المحاصيل الزراعية”.

وأشار إلى أن التسعير يتم على سعر صرف السوق السوداء، وتساءل عن الأسباب التي تحول دون قيام وزارة التجارة الداخلية بطلب بيان تكلفة للسماد والدخول بتفاصيل هذا البيان من قبل لجنة مختصة لمنع ارتفاع الأسعار؟.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله