الرقة.. اندماج عائلات عائدة من الهول في مجتمعاتهم المحلية هدف لحملة مدنية

الرقة – نورث برس

في صالون للحلاقة النسائية، وبمعدات بسيطة وبدائية وسط مدينة الطبقة تعمل أم عماد (25 عاماً) بشغف على تزيين النساء من سكان المدينة، بعدما قضت سنوات في مخيم الهول برفقة طفليها.

طبيعة الحياة في المخيم منعت “أم عماد” من الاستمرار في عمل كانت تتقن أساسياته قبل دخول المخيم، بحسب ما تقول لنورث برس.

أم عماد ربة عائلة وواحدة من اللواتي غادرن المخيم بكفالة شيوخ العشائر في الطبقة، بعدما أضنتها سنون العيش في المخيم التي قاست فيه حرارة الصيف الشديدة وبرودة الشتاء في الخيمة مع طفليها الذين يبلغان (14 سنة و8 سنوات) من دون أب.

وقتل الأب في غارة جوية عندما كان ضمن صفوف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أثناء سيطرته على المدينة، بحسب قولها.

بعيداً عن التنظيم

لكن خروج هذه المرأة وطفليها من أتون ضراوة العيش في المخيم وقهر ظروفه عزز لديها رغبة أن يعيش ولديها في حياة آمنة بعيداً عن إرثها وتورطها وزوجها في دهاليز التنظيم الذي غير مجرى حياتها إلى الأبد، “أمنيتي الوحيدة أن أرى ولداي في مراتب دراسية عليا”.

وتعتمد هذه المرأة على عملها في الصالون لتدبير أمور منزلها ومعيشة طفليها، لكنها تقول إن مردود هذا العمل لا يكفيهم لسد احتياجاتهم.

لذا لجأ الطفل الأكبر إلى العمل في حمل المواد وعتالتها في سوق المدينة.

وتطمع أم عماد لأن يتطور عملها في صالون الحلاقة وتستكمل معداته اللازمة حتى يزيد دخلها.

ومن خلال مهنتها، استطاعت أم عماد، أن تندمج في مجتمع المدينة بعدما أن كانت عضواً في مجتمع المخيم.

وتقول: “الآن لدي أصحاب وصديقات من المدينة، أتمنى العيش في حياة آمنة”.

هذا النوع من الاندماج والعودة الجديدة إلى حياة مدينتها لم يكن طريقه مريحاً أو مفتوحاً، لكن جهوداً مشتركة بذلت لإيصال أم عماد وغيرها من العائلات إلى هذا المستوى من التفاعل المجتمعي بعد خروجهم من بيئة مخيم الهول.

“لجان حل النزاع”

مع حلول منتصف العام الماضي، تأسست لجان محلية مدنية واجتماعية سميت باسم “لجان حل النزاع” وتتألف من شيوخ ووجهاء العشائر وناشطين وناشطات من منظمات المجتمع المدني في كل من الرقة والطبقة ودير الزور.

وأطلقت تلك اللجان مبادرة في شباط/ فبراير الماضي، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني حملة “بين أهلكم” هدفها إدماج العائلات العائدة من المخيم الهول والخارجة بكفالات من شيوخ العشائر.

ويقول حسن الخمري عضو لجنة حلّ النزاع في الطبقة، إن لجنتهم تعمل على عدة قضايا بحسب احتياجات العوائل العائدة من المخيم منها الاقتصادية والصحية والاجتماعية وإدارية.

كما تعمل على قضايا متعلقة بتسجيل الأطفال في السجلات وتعليمهم في المدارس وتأمين بطاقات المواد الإعاشية المدعومة من الإدارة الذاتية كالخبز ووقود التدفئة والغاز المنزلي “حيث تواجه هذه العوائل مشاكل في تأمينها مع عودتهم إلى المدينة وريفها”.

وبحسب “الخمري” فإن لجنتهم تعمل كوسيط بين عائلات التنظيم العائدة من المخيم، في إشارة إلى عائلات التي كانت جزءاً من تنظيم “داعش”، والإدارة الذاتية والمجتمع ومنظمات المجتمع المدني والإنسانية.

وفي هذا المجال تستعين اللجنة في تسيير أمور هذه العائلات باللجوء إلى منظمات المجتمع المدني وأخرى إنسانية لتأمين احتياجاتهم الأساسية وفق ما هو متاح من دعم لها وكذلك المشافي والأطباء لمعالجتهم عند وجود مشاكل صحية وأمراض.

كما تلجأ إلى مؤسسات الإدارة الذاتية المختلفة لحل مشاكل العائلات الإدارية والرسمية لا سيما تأمين تسجيل الأطفال في المدارس.

ويقول العضو في لجنة حل النزاع في الطبقة، إن الإدارة الذاتية تقدم تسهيلات كبيرة من أجل إنجاح مبادرتهم وضمان اندماج هذه العائلات في المجتمع.

لكنه يستطرد “الإدارة الذاتية والمنظمات والمجتمع المحلي لا تستطيع حل هذه المشكلة الكبيرة، فهي تتطلب دعماً دولياً خصوصاً من هيئات الأمم المتحدة وبرامج دعم واضحة من المنظمات الإنسانية الدولية في مختلف الجوانب التي تعيق اندماج هذه العائلات”، بحسب تعبيره.

ووثقت “لجان حل النزاع” وحوالي أربعة عشرة منظمة مدنية في مناطق دير الزور والرقة والطبقة من خلال حملة “بين أهلكم” خروج 2062 عائلة من مخيم الهول باتجاه هذه المناطق الثلاث وفق نظام الكفالات العشائرية التي أقرت في الملتقى الأول للعشائر الذي عقد في بلدة عين عيسى عام 2019 والذي حدد آلية إخراج العائلات من المخيم بكفالة كل رئيس عشيرة للأفراد المنتمين لعشيرته أمام سلطات الإدارة الذاتية.

وبحسب “الخمري” عضو اللجنة في الطبقة، فإن الحملة تهدف إلى إزالة الصورة النمطية عن العائلات التي كانت يوماً جزءاً من تنظيم “داعش” وتسهيل اندماجهم في الحياة الطبيعية بعيداً عن الفكر الذي ساد المنطقة فترة سيطرة التنظيم على المنطقة وهو ما استدعاه للمطالبة بإعداد وتنفيذ مشاريع مدنية بدعم دولي لإعادة تأهيل هذه العوائل.

إعداد: عبدالحليم سليمان – تحرير: قيس العبدالله