شغفهن بالرياضة كسر قيود المجتمع.. لاعبات سوريات كرديات تقلدن بالذهب

القامشلي – نورث برس

ضمن صالة رياضية خاصة بفنون التايكوندو بمدينة الحسكة، تبذل اللاعبة دليار حسين (27 عاماً) المصنفة الأولى على مستوى سوريا، جهوداً مضنية في تدريب مجموعة من الفتيات تحضيراً للاستحقاقات القادمة.

وفي بيئة تغلب عليها قيود مجتمعية محافظة إلى حد ما، تمكنت سوريات بينهن “دليار” من شق طريق النجاح في عالم الرياضة بعد اعتلاءهن منصات التتويج ونيلهن الذهب في ميادين البطولات القتالية والجلد المدور.

دليار الحاصلة على حزام أسود (أعلى مراتب الأحزمة) في التايكوندو، حصدت خلال مسيرتها الممتدة منذ 12 عاماً، 9 ميداليات متنوعة خلال مشاركتها في بطولات محلية ودولية، أبرزها ذهبيتين في بطولة عمان بالأردن خلال عامي 2016 و 2019 وفضية بطولة بيروت المفتوحة 2019 وبرونزية بطولة في ولاية أوردو التركية 2013.

وخلال فترة انتشار وباء كورونا 2020، شاركت اللاعبة عبر تقنية أونلاين ضد لاعب وهمي ضمن البطولة التي أقيمت في مصر وحصدت الميدالية الفضية خلالها.

البطلة والمدربة والأم

تروي “حسين” بدايتها بينما تقف أمام جدارية ضمن الصالة ممتلئة بالكؤوس والميداليات التي حصدها لاعبو المدرسة التي تنتمي إليها منذ تأسيسها عام 2009.

وتقول لنورث برس: “عندما بدأت بممارسة اللعبة كنت الأكبر بين رفيقاتي وخاصة هي لعبة قتالية، الجميع كان يشكك بقدراتنا نحن كفتيات”.

وتضيف: “لكن هذه القاعدة باتت من الماضي، بات بمقدورنا لعب الألعاب القتالية”.

وتنتمي الشابة العشرينية لمدرسة “نمور التايكواندو” العالمية الحاصلة على شهادة دولية من كوريا، الموطن الأساسي لهذه اللعبة القتالية الشهيرة.

ولم تخلو الانجازات التي حققتها بطلة سوريا من صعوبات، أبرزها القيود المجتمعية المحافظة وطبيعة لعبة التايكوندو التي تحتاج إلى قوة بدنية.

وإلى جانب التايكوندو، تدرس “حسين” قسم الهندسة الزراعية في جامعة الفرات بالحسكة، ولكن الملفت في قصتها أنها والدة لطفل رضيع تجلبه معها يومياً إلى التدريبات.

وحول تنظيم وقتها بين ممارسة اللعبة والدراسة والاعتناء بطفلها، تقول: “الأمر صعب لمن لا ينظم وقته، لكن أنا وصلت إلى تلك المرحلة في تنظيم وقتي بين الأمور الثلاثة ووضع نظام للحياة برمته”.

وأمام هذه المسيرة الحافلة رغم سنها الصغير، تطمح اللاعبة السورية ذات الأصول الكردية بالمشاركة وحصد المزيد من الألقاب في البطولات العالمية وتدريب فرق جديدة تكون قادرة في المنافسة على البطولات.

الشغف

وطيلة العقود الفائتة، كانت الرياضات النسائية في سوريا تعاني من تهميش وعدم اهتمام، إلا أن السنوات العشرة الأخيرة أحدثت تطوراً كبيراً، حيث حققت بعضهن نجاحات على المستوى المحلي والدولي.

وكانت هيلين محمد (18 عاماً) تبلغ من العمر 8 أعوام عندما بدأت بممارسة رياضة الكيك بوكسينغ القتالية في بلدة رميلان أقصى شمال شرقي البلاد، لدى أحد المدربين المحليين وذلك بدعم من أسرتها.

وتقول بعد إنهائها لحصة تدريبية في نادي “شوتوكان” الذي ترتاده حالياً في القامشلي، “كنت صغيرة جداً عندما بدأت بهذه الرياضة، العالم كان ينظر إلي بدونية، كيف لفتاة أن تلعب هذه الرياضة لكن أهلي دعموني وشجعوني للاستمرار”.

وشاركت “محمد” في أول بطولة لها عام 2018 ضمن أولمبياد على مستوى سوريا وحصدت الميدالية الذهبية برفقة مجموعة من رفيقاتها.

كما حصلت على الميدالية الذهبية في بطولة الأونلاين التي نظمت خلال فترة انتشار كورونا عام 2020 على مستوى سوريا.

وإلى جانب رياضة الكيك بوكسينغ، تملك “محمد” حزاماً أسوداً على مستوى سوريا في رياضة التايكوندو، لكنها لم تشارك في أي بطولة سواء محلية أو خارجية في هذه الرياضة، متطلعة لأن تتاح لها الفرصة في المستقبل.

وتشدد اللاعبة التي تقلدت بالذهب في مناسبتين، على أنها فخورة بممارسة الرياضات القتالية رغم صعوبتها بالنسبة لها كفتاة.

وتقول بينما ابتسامة عريضة ترتسم على محياها، “أطمح جداً أن أصبح يوماً بطلة للعالم في الكيك بوكسينع وأحصد الكثير من الجوائز والميداليات وأن يكون اسمي متداولاً على جميع الألسنة”.

وبعد النجاحات التي حققتها، تلعب الشابة حالياً برفقة مجموعة من رفيقاتها ضمن المنتخب السوري.

وإلى جانب ممارسة الرياضة، تدرس “محمد” حالياً مرحلة البكالوريا، كما تقضي بعض وقتها في تعلم الموسيقا بالعزف على آلة الكيتار.

“ريال مدريد”

وبعيداً عن الرياضات القتالية، تلعب دلاف حسين (18 عاماً) من مدينة عامودا غربي القامشلي، في مركز الظهير ضمن فريق عامودا لكرة القدم وتطمح لتكون لاعبة محترفة وتلعب ضمن نادي ريال مدريد الإسباني الذي تحبه، على حد قولها.

وبدأت قصة الشابة الكردية في مدينتها الحدودية مع رياضة كرة القدم، عندما كانت تتابع أشقاءها وهم يمارسون اللعبة التي كانت حكراً على الذكور في منطقتها.

وتقول: “لم يكن هناك نوادٍ خاصة بالنساء في منطقتنا، لكن بعد الأزمة السورية شكلت فرق شعبية ولعبت في نادي أهلي عامودا بعدما وافقت إدارة النادي على مشاركتي لتناسب بنيتي الجسمانية الطويلة”.

ولا ترى لاعبة المنتخب السوري للنساء، صعوبة في هذه الرياضة التي تكثر فيها الالتحامات البدنية، “نحن النساء نلعب فيما بيننا ولا يوجد تلك الخشونة الزائدة”.

واستعداداً لبدء الموسم الكروي الجديد في موسمه الرابع لكرة القدم النسائية على مستوى سوريا،  تقيم دلاف، برفقة فريقها نادي عامودا الذي حصد بطولة الدوري السوري في أولى مشاركة لهم عام 2019- 2020، معسكراً في مدينة رميلان.

وشهدت شوارع مدينة عامودا عقب تتويج لاعباتها في بطولة الدوري، احتفالاً شعبياً شارك فيه المئات من سكان المنطقة.

وتقول لاعبة منتخب السوري عن ذلك، “الجميع  كان فخوراً بنا خاصة بعدما حصلنا على اللقب، كان شعورنا رائعاً ولا سيما أن أهالينا كانوا في استقبالنا، المجتمع الذي كان يرفضنا بات حالياً يشجعنا”.

وشاركت دلاف، في بطولة نظمت بالأردن بالمشاركة مع فريق فيروزه السوري قبل نحو عام ونيف.

وكما سابقاتها، كانت فكرة مشاركة النساء في الرياضات البدنية مرفوضة ضمن المجتمع، “لكن شغفنا في ممارسة هذه اللعبة هو الذي مكننا من الاستمرار”.

إعداد: دلسوز يوسف- تحرير: سوزدار محمد